العدد 378 - الخميس 18 سبتمبر 2003م الموافق 22 رجب 1424هـ

وأخيرا استراتيجية أميركية معلنة في العراق!

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

إذا أردت أن تعرف ماذا سيجري في العالم، فما عليك إلاّ ان تتابع أخبار الرئيس جورج بوش، وتصريحات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، أو نائبه بول وولفويتز. فهم جماعة شفافة جدّا، تطبق الدستور الاميركي، الذي يستمد قوته من الشعب. الشعب هو كل شيء في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، هو مصدر السلطة، وهو الذي يستردها. لذلك لا تكتم الادارة الحالية شيئا عن شعبها، أو عن العالم في الوقت الجاري، إذا صح التعبير. فللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، تختلط السياسة الداخلية بالسياسة الخارجية. فالخطوط تقريبا اصبحت رمادية بين الاثنين، كي لا نقول انها أُزيلت تماما. فعملاء الـ «اف.بي.آي» اصبحوا يجولون شوارع المدن الكبرى في العالم، وبيدهم مذكرة جلب من المدعي العام الاميركي، يطلبون فيها من السلطات الاخرى، تسليمهم بعض المطلوبين، فقط لأنهم متهمون بالارهاب، وذلك بحسب التوصيف الاميركي لهذا الارهاب. لذلك قد تعكس هذه الامور، قوة الولايات المتحدة الاميركيّة على المسرح العالمي، وعدم وجود منافس، أو أي تحالف يضع حدّا لهذه العنجهية.

قال الرئيس الاميركي الراحل تيودور روزفلت: «تكلّم بلطف، لكن احمل عصا غليظة، فيمكنك بذلك الذهاب بعيدا». كذلك الامر، قال الرئيس الاميركي توماس جفرسون:» في يوم قد لا يكون بعيدا، سترفع اميركا العصا فوق رؤوس الجميع، ليرتعد أقواهم. لكني آمل، ان تنمو حِكمتنا بالتوازي مع قوّتنا، لنستعمل هذه الاخيرة أقل. فكلما استعملنا قوّتنا أقل، كانت أفعل». لم يعد هذا القاموس الاميركي يُستعمل حاليّا في اميركا، خصوصا بعد 11 سبتمبر/ أيلول، فالقوة، والقوة وحدها هي التي تتقدم على ما عداها من الابعاد الاخرى. لا مجال للدبلوماسية، إلا إذا قلت نعم لاميركا. إنها دبلوماسية من جانب واحد، لا نقاش أو جدال، فإما ان تكون معنا، وإلا فأنت ضدنا، وما ينتظرك هو تلك القوة العمياء التي لا تفرق بين الحق والباطل. وإلا فما معنى ان يقول جورج بوش عن ارييل شارون انه «رجل سلام»؟.

وقد يردّنا هذا المفهوم للقوة إلى ما حذر منه السيناتور الاميركي السابق وليم فولبرايت في كتابه «عجرفة القوة» عندما قال: «تسعى القوة إلى التماهي مع الفضيلة. وبطريقة غريبة تعتقد الامم القوية، ان قوّتها مؤشر من الله، يكلّفها بواسطتها بمسئولية ما تجاه الامم الأخرى، كأن تجعلها أغنى وأسعد مما هي عليه، فتحاول أن تجعلها على صورتها». مقارنة بقول السيناتور فولبرايت، هل يختلف الوضع حاليّا عما كان عليه في الوقت الذي كتب فيه السيناتور كتابه؟ طبعا كلاّ. أميركا قويّة، متفرّدة بمصير العالم، وقوّتها تتماهى مع قيمها. فهي تريد تغيير العالم، لتجعله على صورتها. تريد نشر الديمقراطية، والحفاظ على حقوق الانسان، وضرب الارهاب، ومحو الفقر. حتى ولو لم يبق من العالم سواها. ها هي غيّرت النظام في يوغسلافيا السابقة، في افغانستان، وأخيرا وليس آخرا في العراق. ومن يدري ما الدولة او الدول على اللائحة.

كالعادة، وكما قلنا عن الشفافيّة الاميركية، وجّه الرئيس بوش خطابا إلى الأمة الاميركيّة، وقد يكون إلى العالم ايضا، بتاريخ 8 سبتمبر 3002. ماذا أراد الرئيس بوش من خلال هذا الخطاب؟

أراد الرئيس الاميركي اطلاع الشعب الاميركي على المراحل التي وصلت إليها الحرب على الارهاب، وركّز فيه على الجدول الزمني انطلاقا من افغانستان وحتى العراق.

كان لابدّ من توجيه كلمة شكر إلى العسكر الاميركي على تضحياته.

أراد الرئيس بوش سرد الانجازات التي تحققت من خلال هذه الحرب. فالطالبان لم يعد موجودا، الامر الذي أدى إلى حرمان القاعدة من الملاذ والملجأ. كذلك الامر، اصبح تقريبا ثلثا قياديي القاعدة، إما معتقلين أو قتلى. هذا عدا عن تجميد الاموال التي كانت تستعمل تحت اسماء خيرية مستعارة، في الوقت الذي كانت تذهب فيه إلى تمويل الارهاب عبر العالم كله.

بعد افغانستان، انتقل الرئيس الاميركي إلى العراق حيث بيت القصيد. فهو حتى لم يأتِ على ذكر، او التشديد على السبب الذي أدى إلى بدء الحرب، ألا وهو اسلحة الدمار الشامل. اراد بوش ربط العراق بالارهاب، لأن الارهاب هو الأقرب إلى عقول الاميركيين كي يتقبّلوه، خصوصا خلال الذكرى الثانية لحوادث 11 سبتمبر.

أراد الرئيس بوش إظهار شرعية الحرب الاميركية على العراق، وكأنها كانت تنفيذا لقرارات الشرعية الدولية لمدة 21 سنة، والتي كان العراق ينتهكها.

وفي الختام أعلن الرئيس بوش الاستراتيجية الاميركية في العراق، التي تقوم على الآتي:

- تدمير الارهابيين.

- الحصول على دعم الدول الأخرى من أجل عراق حرّ.

- وأخيرا، مساعدة العراقيين على تحمّل مسئولية الدفاع عن أنفسهم، كذلك الأمر بناء مستقبلهم.

ما الجديد في هذا الخطاب؟

تعوّد الاميركيون ان يطلعوا على استراتيجية رؤسائهم. أما التفاصيل فهي من مهمة الكونغرس. في الحرب الثانية، اعلن الرئيس الاميركي استراتيجيته الكبرى بشأن الانتهاء من المسرح الأوروبي اولا، وبعد ذلك المسرح في الشرق الاقصى. أما الباقي، كاستعمال النووي، فالأمر كان متروكا للقادة العسكريين بعد إذنه الخاص. لم يكن هذا الأمر متوافرا في العراق، أي لم تكن الاستراتيجية الكبرى موضوعة علنا. فالحرب كانت من اجل اسلحة الدمار الشامل. وحصلت من دون إذن من الشرعية الدولية. بعد الدخول إلى بغداد، واحتلال كل العراق، لم تجد القوات الاميركية أي اثر لأسلحة الدمار الشامل. حتى ان نائب وزير الدفاع الأميركي، وبعد الأخذ والرد في موضوع هذه الاسلحة، صرّح بأن الاسلحة لم تكن سببا رئيسيّا للحرب. لكن الكل ضمن الإدارة الاميركية، كانوا قد اجمعوا على أنها سبب ممكن. إذا لم تكن هناك استراتيجية كبرى، يمكن لأميركا ان تقنع بها العالم والشعب الاميركي باعتبارها سببا حربيّا ضد العراق، فالادارة الاميركيّة، كانت قد سعت جاهدة إلى ربط العراق بالارهاب، وخصوصا «القاعدة» من خلال تسريب معلومات عن اجتماعات كانت حصلت في أوروبا الشرقيّة بين مسئولين عراقيين وعناصر من «القاعدة» قبل 11 سبتمبر، لكنها لم تفلح. كذلك الامر عمّمت وزارة الخارجية الاميركية حديثا مذكّرة كانت مُصنّفة تحت طابع «سرّي للغاية». وتتناول هذه المذكّرة موضوع محاولة العراق إجراء اتصالات بأسامة بن لادن في العام 7991. وحصلت الوزارة على هذه المعلومات من نظام الطالبان، عبر وزير الصناعة ارماد جان في العام 7991، وعندما كانت تجري محادثات معه بواسطة مساعد وزير الخارجية آنذاك المدعو كارل اندرفورث. لكن الواقع ان اميركا دخلت عسكريّا إلى العراق، واعتقدت ان الطريق سهل وسالك. لم تنطبق الحسابات على الأرض مع ما كان قد أُعدّ في غرف العمليات على الخرائط. وبدأت مقاومة الاحتلال الاميركي، كما بدأت الضحايا بالوقوع ويوميّا. وقعت اميركا في حيرة من امرها بشأن السبيل المعتمد، وكيف يمكن لها وقف العمليات ضد قواتها، وهي لم تكن قد استعدت لهذا الاحتمال. وسربت صحيفة «واشنطن تايمز» تقريرا كان قد أعدّ من قبل رئاسة الاركان الاميركية يتناول الاخطاء التي رافقت عملية التحضير للحرب على العراق. يقول التقرير ان الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب كان غير كافيا، وأُجري بسرعة، ولم يتناول التخطيط المفصّل.

إذا الجديد في هذا الخطاب انه أصبحت لدى اميركا استراتيجية تجاه العراق تستطيع من خلالها إقناع الشعب الاميركي والكونغرس بتأمين ما يلزم لانجاح الحرب على الارهاب. فالحرب على العراق، وسيلة لغاية أكبر. والعراق هو حملة عسكرية من حرب أوسع بكثير. وكي تستمر هذه الحرب لابد من تأمين الوسائل اللازمة لها. من هنا كان طلب الرئيس المال في خطابه. فهو طلب 78 مليار دولار موزّعة كالآتي: 5,56 مليار دولار للقوى العسكريّة، 51 مليارا لإعادة بناء العراق، و5 مليارات لأفغانستان. يعتبر طلب الرئيس بوش هذا من أغلى الطلبات المالية لمراحل ما بعد الحرب، وذلك منذ مشروع مارشال في أوروبا. وإذا ما أضيف هذا المبلغ إلى المبلغ السابق وكان حوالي 97 مليارا، مخصصا للحرب، فإن كلفة الحرب على العراق حتى الآن تبلغ حوالي 661 مليارا. وهذا يعني ان هذا المبلغ يساوي 52 مرّة ما دفعته اميركا (دولار اليوم)، خلال حرب الخليج الاولى العام 1991، فهي دفعت آنذاك حوالي 6,4 مليارات، أما باقي الفاتورة فدفع من قبل الحلفاء.

وكالعادة، لم يخلُ الخطاب من الشعارات الكبيرة والطنّانة، التي تتناول الشر والخير. فبعد بدء الحرب على الارهاب، هناك تاريخ جديد يُكتب. وإن ترك العراق يعني عودة الارهاب والطغيان. وكلما تقدمت الحرية إلى مكان ما، تراجع الارهاب وانكفأ. فهل يجب علينا ترك العراق الآن إلى الارهاب؟ ويحاول بوش أنسنة الحرب عندما يسرد ما جاء في رسالة نقيب اميركي موجود في العراق، يعبّر فيها عن فخره للقيام بهذه المهمة، فيقول نقلا عن هذا النقيب: «إنني أرى الحرية في عيون العراقيين الجياع، إنهم نهمون للحرية والديمقراطية». كذلك الأمر، ورد في الخطاب شعار جديد للرئيس بوش هو «الخطوط الأمامية للحرية». وهذا شعار تعودّنا عليه في الحروب عندما يُقال الخطوط الامامية. وإذا ما زاوجنا هذا الشعار، بالشعار العسكري الاميركي «الوجود المتقدم الطليعي للقوات الاميركية»، فإنه يمكننا الاستنتاج أن الحرية، بحسب المفهوم الاميركي، ستترافق مع البندقية. فكلما تقدمت البندقية، تقدمت الحرية. وقد يعني هذا الامر، أن هناك حربا مستمرة من دون كلل او ملل. كذلك الامر، اراد الرئيس بوش تذكير الشعب الأميركي بقيادته الحكيمة التي ادارت البلاد عقب حادث 11 سبتمبر، وهو يعدّهم طبعا للمرحلة الانتخابيّة الرئاسية القريبة.

هل أخطأت أميركا تجاه العرب بعد 11 سبتمبر؟

بالتأكيد، فبعد 11 سبتمبر، أدان العرب، كل العرب، العمل الارهابي. واعتبر الكل ان المنفذين لا يمثلون الإسلام ابدا. وكان على رأس المنددين بهذا العمل الشيخ يوسف القرضاوي.

فماذا كان الرد الأميركي؟

اعتبر بوش ان الحملة على الارهاب حملة صليبية،

العدد 378 - الخميس 18 سبتمبر 2003م الموافق 22 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً