مرة أخرى تكشف الإدارة الأميركية الجديدة عن حقيقة موقفها تجاه قضية الشعب الفلسطيني، من خلال تبنّيها للشروط الإسرائيلية، عبر إعلان وزيرة الخارجية الأميركية عن أن للاستيطان «أحقيته من الناحية التاريخية»، مشيرة إلى أن اقتراحات رئيس حكومة العدوّ حول الاستيطان «غير مسبوقة»، لتتحدث بلغة زوجها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي كان يؤكد بأن على بلاده أن تمنع كيان العدوّ من أن يجازف كثيرا في عملية التسوية.
وهي بعد أن أعطت أوامرها متحدثة بلغة استكبارية قائلة: «أريد أن أرى الطرفين يبدآن المفاوضات في أقرب وقت ممكن»، عادت إلى أسلوب نظيرتها السابقة (رايس) فجمعت وزراء خارجية دول الاعتدال العربي إلى جانب مسئولين من المغرب والعراق ومصر، لتحثّهم على الانصياع للرغبة الأميركية في دفع الفلسطينيين للتفاوض مع العدوّ «دون شروط مسبقة»، بما يعني التسليم العربي والفلسطيني بشروط العدوّ التي يستمر معها الاستيطان ولكن بمصطلحات جديدة، ومفردات تُستخدم لأول مرة تتحدث عن «تقييد» الاستيطان، بعد الحديث عن وقفه، ثم تجميده، ثم لجمه، وصولا إلى مفردة التقييد، مع ما يعنيه ذلك من التسليم بضياع فلسطين، وسقوط المساحات الباقية من الضفة في يد الاحتلال والمستوطنين، إلى جانب عملية تفريغ القدس من أهلها الجارية بسرعة كبيرة، مع المزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى، بما يُفرّغ المسألة الفلسطينية من مضمونها تماما عند بدء المفاوضات، والتي ستكون بمثابة تبادل للرأي بين الذئب والحمل!
إن الأميركيين الذين يعطون كيان العدوّ كل الفرص، ويقدّمون له التغطية الدائمة على كل مواقفه وممارساته الإرهابية، وزحفه الاستيطاني في الأراضي التي صنّفتها قرارات الأمم المتحدة بأنها «أرض محتلة»، يعلنون بأن صبرهم على إيران في ملفها النووي بدأ ينفد، مع أن إيران تعاملت بإيجابية مع كل الطروحات، ولم تسجّل إلا تحفظات تقنية وفنيّة لتتأكد من أنها لن تدفع المال وترسل اليورانيوم دون الحصول على الوقود، كما حصل ذلك مع فرنسا في السابق.
إن على أميركا أوباما التي تشرف في هذه الأيام، ومن خلال المناورات المشتركة مع العدوّ على عملية تأهيل قوات الاحتلال، وتزويدها بالمزيد من عناصر القوة الهجومية أو الدفاعية، وخصوصا في المجال الصاروخي لكي تجعلها أكثر قدرة على شنّ المزيد من الحروب، واحتلال المزيد من الأراضي العربية... إن على الإدارة الأميركية أن تعرف أن عملية بناء القوة لم تعد محصورة في جانب واحد، وبالتالي فإن الرهان الأميركي - الإسرائيلي السابق على تحقيق ما يسمّى بالسلام من خلال فرض الهزيمة على قوى الممانعة العربية والإسلامية، بات رهانا خاسرا، كما أن التهديد باستخدام القوة ضد إيران وغيرها يطرح المزيد من علامات الاستفهام حول مشروع الإدارة الأميركية في المنطقة، وهل هو مشروع سلام، أم أنه مشروع التأسيس لحروب كبيرة في المنطقة.
إننا عندما نتأمل في الاستراتيجية الأميركية المتّبعة في أفغانستان وباكستان، والتي تحثّ فيها الإدارة الأميركية - من خلال مسئوليها - المسئولين الأفغان والباكستانيين على ممارسة أعلى درجات العنف في التعامل مع شعوبهم، وتؤكد عليهم المضي في عمليات المطاردة والملاحقة للمقاتلين في مناطق شعبية واسعة، حيث يُهجَّر أهلها بمئات الآلاف، وتزداد الكوارث الإنسانية فيها من خلال الازدياد المطرد في أعداد النازحين، نعرف أن المشروع الأميركي قائم على سياسات التدمير الذاتي لإمكانات وطاقات العالم الإسلامي، وعلى إشغال هذا العالم بالمزيد من الحروب الداخلية تارة تحت عناوين تتصل بالسلطة والوراثة والحكم، وأخرى تحت عناوين مذهبية، حيث تُفتح كل إمكانيات التمويل والتسليح للجهات المتطرفة والتكفيرية من الدول الخاضعة للنفوذ الأميركي، لإحداث المزيد من المجازر والكوارث والمآسي الاجتماعية في العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي نشهد ويلاته ومصائبه يوميا في العراق وباكستان والصومال والسودان وما إلى ذلك.
إننا نريد لشعوبنا العربية والإسلامية، وخصوصا الشعب الفلسطيني والشعب العراقي، وأهلنا في أفغانستان وباكستان، أن يعرفوا من هي أميركا في دعمها لعدوّ الأمة، ومن هي أميركا في إصرارها على نهب ثروات العرب والمسلمين، وفي سعيها الدؤوب لإشعال نيران الفتنة الطائفية والمذهبية والعشائرية في الواقع الإسلامي، أو في سعيها لتأجيج نيران هذه الفتنة، وإنْ اضطرها ذلك إلى دفع المليارات لهذا النظام أو ذاك لإبقاء نيران الحرب الداخلية مشتعلة.
ونريد لهذه الشعوب أن تتحرى كل الأساليب والطرق والوسائل للحفاظ على وحدتها، لأن وحدة الأمة هي التي تضمن تعزيز قوتها، وتمثل الحصن الحصين الذي يمنع الناهبين الدوليين من الاستمرار في اقتناص خيراتها، وامتصاص ثرواتها، كما تمنع قوى الاحتلال الصهيونية من استكمال مخططها لقضم بقية المواقع في فلسطين المحتلة، والتطلّع لمزيد من الحروب وخصوصا ضد دول الممانعة وحركات المقاومة.
أما لبنان الذي ينام على أخبار مفرحة ويستفيق على أخبار مفجعة، في موضوع تشكيل الحكومة الذي يثير الحديث حوله كل زوار لبنان، ولا يمنع السفيرة الأميركية من أن تواصل تشخيصها للمأزق اللبناني بعيون إسرائيلية خالصة... لبنان هذا الذي تحاصره الهموم الاقتصادية، وتفتك به الأزمات الاجتماعية، لن يدخل في مرحلة الاستقرار السياسي حتى عندما تنطلق الأضواء الدولية والإقليمية الخضراء أو الصفراء لتعلن عن تلزيم اللبنانيين إعلان تشكيل الحكومة العتيدة، لأن أزمته ستبقى في دائرة الاهتزاز، حيث لا راحة للبنان يُشاغب على كيان العدو، ولا استقرار لبلد أثبتت التجارب السابقة أنه استطاع ترويض المحتل الصهيوني وإذلاله... ولذلك فهو يتنقّل متعبا ومهتزا بين مرحلة وأخرى، ولن يُسمح للعرب أو للأجانب بأن يخففوا عنه اقتصاديا أو يعينوه اجتماعيا، حتى مع تشكيل الحكومات، وتدوير الوزارات، وتبادل الملفات.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 2619 - الجمعة 06 نوفمبر 2009م الموافق 19 ذي القعدة 1430هـ
من تقى البتول الى السيد
بارك الله فيك ياسيد وجعلك ذخر لينا