العدد 2619 - الجمعة 06 نوفمبر 2009م الموافق 19 ذي القعدة 1430هـ

دور تجار البحرين الاقتصادي الجريء (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما نختلف حول دور تجار البحرين السياسي، وقد تصل درجة الخلاف بين البعض منا إلى انقسام عمودي بين من يجرد التجار من أي دور سياسي، وبين من يضعهم في صدارة العمل السياسي. من الطبيعي ان يخرج كل طرف خلال ذلك الحوار كل ما في جعبته من أمثلة وشواهد تاريخية تؤكد صحة ما يدعيه. لكن لا يمكن أن يختلف اثنان، يحتكمان للمنطق، حول ضرورة أن يكون للتجار، ومن بينهم بالطبع تجار البحرين، دور اقتصادي. على أن هذا الاتفاق لا يلغي ضرورة الإجابة على سؤال آخر أكثر أهمية هو: ما هي طبيعة وآفاق هذا الدور؟ قد يضع البعض منا تجار البحرين في خانة المتلقي، ويحصر دورهم الاقتصادي في إطار هامشي جل اهتمامه انتظار ما تجود به الدولة من مناقصات أو مشروعات تسد بها رمقه وترضي من خلالها شيئا من طموحاته. لكن هناك من ينظر لتجار البحرين من زاوية أخرى، ويرى فيهم طاقة كامنة قادرة الإرسال واحتلال مقاعد القيادة، ومتى ما أحسن تأطيرها، ففي وسعها أن تمارس دورا إيجابيا يترك بصماته الواضحة على تطور الاقتصاد البحريني وتحسين أدائه.

ولفهم الدور الاقتصادي لتجار البحرين، لابد من حصر الأطروحات الرائجة بشأنهم، أو بالأحرى النظرات التي راجت في صفوفهم، وأصبحوا يرفلون، بوعي أو بدون وعي في أزيائها:

1. نظرة التقزيم، غير المبررة، والتي تنطلق أساسا من مقولتين: الأولى أن دخل البحرين من النفط ضئيل جدا مقارنة مع الدول المجاورة، بما فيها دول مجلس التعاون، فرغم اكتشاف النفط المبكر في البحرين، والذي يعود إلى مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، إلا أن إنتاجنا لم يتجاوز في أفضل الأحوال 35 ألف برميل في اليوم، وهي كمية لا يمكن مقارنتها، ولا بأي شكل من الأشكال، مع الدول المحيطة التي يقدر إنتاجها بملايين البراميل يوميا. والثانية أن عدد سكان البحرين، من مواطنين ومقيمين، هو الآخر صغير نسبيا مقارنة بالدول المحيطة، بما فيها أصغرها مثل فطر. النتيجة النهائية لهذا المدخل، صغر في حجم الثروة التي لدى التاجر البحريني مقارنة بأخيه الخليجي. وتستشهد هذه النظرة، أحيانا، بقوائم مجلات من نوع «فوربس» التي تنشر أسماء أغنى 500 شخصية في العالم، أو أكبر 500 شركة عالمية. نادرا ما نجد بينها جميعا شخصية تجارية أو شركة بحرينية. تقودنا مثل هذه النظرة، وبشكل خاطئ، إلى تقزيم مكانة التاجر، أو حتى القطاع التجاري، البحريني، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، إنما حتى على المستوى الداخلي.

2. نظرة الإنكفاء الداخلي، والتي تبشر، وبشكل خاطئ أيضا، إلى ضرورة أن يضرب التاجر، بالتعاون مع الدولة سياجا حديديا يحميه من المنافسة الخارجية، بما فيها المنافسة الخليجية. فطالما هو غير قادر على ولوج ميادين المنافسة الإقليمية، فليس أقلها حماية حياضه الداخلية. يذهب هذا المدخل إلى أبعد من ذلك، مرتكزا على صغر حجم الإمكانات المالية والسياسية التي بحوزة التاجر البحريني، وهي، أي الإمكانات، لا تملك، وفقا لهذه النظرة الخاطئة، المتطلبات الدنيا، التي تؤهلها للدخول كمنافسة في الأسواق الخارجية، بما فيها الأسواق الخليجية، ولذلك فمن الأجدى للتاجر البحريني أن يحافظ على ما تحت يديه من أملاك وأنشطة، لكي لا يسلبها الآخرون منه، ولضمان ذلك عليه تحاشي منافسة القوى الخارجية كي لا يشجعها أو يعطيها مبرر غزوه في عقر داره.

3. نظرة اللامبالاة، وهي الأخرى تروج بشكل غير مبرر، للإبقاء على الأوضاع القائمة، محكومة بشعار متخلف يقول «ليس في الإمكان أفضل مما كان»، ويقود مسيرتها مقولة أخرى أكثر سوءا تقول «الله لا يغير علينا». تتسرب هذه الدعوة بشكل بطيء داخل نفوس التجار البحرينيين، وتغرس جذورها الخبيثة عميقا وبشكل راسخ في أذهانهم، متحولة، مع مرور الزمن إلى سلوك سلبي، يجعل نظرة التاجر البحريني لا تتجاوز أنفه، في أحسن الأحوال. يمارس التاجر البحريني، من جراء هذه النظرة، عملية إخصاء ذاتي مستمرة، تحوله في أغلب الأحيان، وبمرور الزمن، إلى مجرد سمسار، ومن درجة متواضعة، وتحرمه من روح المغامرة التي يحتاجها أي تاجر يتطلع إلى تحقيق الحدود الدنيا من أشكال النجاح.

4. نظرة الخنوع، التي تحاول أن توهم التاجر أن مصلحته، مرتبطة بشكل مطلق مع الدولة، وأنه ليس في وسعه، ولا في إمكاناته الذاتية الاستغناء عنها أو عما ترميه له مما يزيد على موائدها من فضلات، وأن عليه كي يحظى بما يريد، أن يمارس سلوكا عبوديا ذاتيا ينزع عنه أي شكل من أشكال الاختلاف الاقتصادي مع تلك المؤسسة، لأنها وحدها دون سواها، القادرة في أي وقت من الأوقات، وبشكل مطلق، نظرا إلى تدني مستويات الشفافية، وغياب القطاع التجاري الجريء، على توزيع الحصص الاقتصادية، بشكل يتناسب طرديا ودرجة العبودية التي يخضع التاجر البحريني نفسه لها.

5. نظرة التآكل الداخلي، القائمة على زرع الشكوك بين التجار أنفسهم، ووضع معايير تفتيتية تقف عقبة أمام بروز كتلة تجارية اقتصادية بحرينية قادرة على الخروج من شرنقة الإنكفاء الداخلي من جهة، وتحول دون التطلع نحو الأسواق الخارجية من جهة ثانية. سلوك التآكل الداخلي هذا روجت له مؤسسات الدولة، وبعض المؤسسات الاقتصادية الدينية، سعيا وراء إضعاف القطاع التجاري من جهة، وضمان سيطرتها على ذلك القطاع من جهة ثانية. نحصر الحديث هنا في التآكل الاقتصادي، دون التطرق للتآكل السياسي والذي هو أشد سوءا وأكثر خطورة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2619 - الجمعة 06 نوفمبر 2009م الموافق 19 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:20 ص

      هل التجار أجمل الكائنات ؟؟

      أم أن التجار إعتادوا على مص الدماء .... بليلم

اقرأ ايضاً