العدد 2323 - الأربعاء 14 يناير 2009م الموافق 17 محرم 1430هـ

لماذا لا تثقون بالقضاء؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طرحت سؤالا على الزميلين المصوّرين اللذين تعرّضا الإثنين الماضي للضرب على أيدي قوات مكافحة الشغب، وعدم لجوئهما للقضاء... فكان جوابهما واحدا: «لأنه لن يكون لذلك أية فائدة».

المصوّر محمد المخرق أضاف: «سيسألونك من الذي ضربك؟ وربما يعرضون عليك عشرات الأشخاص في طابور طويل بلباس مدني، ولو تعرفت عليهم غاوَرُوا... (أي أعرضوا عن القضية)! أنا تعرّضت لعدة مواقف مشابهة، حتى في وزارة العمل حين اعتدى عليّ أحد مسئوليها قبل ثلاث سنوات، وحوّلت القضية للنيابة، قام وكيل النيابة بحجزها».

الرجل يتكلّم بلسان الكثيرين، ممن لا يرون دورا للقضاء في البلد، وعليهم أن يصبروا ويتقبّلوا التجاوزات والإهانات وتمريغ كرامتهم أمام الناس، على خلفية قناعةٍ راسخة: «إذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي»!

زميله مازن مهدي أجاب: «لست مكترثا لتقديم بلاغ لأنه لن يحدث شيء، ومثل هذه الحوادث تكرّرت عدة مرات معي. نحن ربما نتفهم عندما نكون واقفين مثلا بين المتظاهرين ورجال الأمن، فتصيبنا بعض الآثار، لكن هذه المرة كنا بعيدين عن منطقة تجمع الأهالي. حتى حين تعرّضت لموقفٍ مشابهٍ في قضية كرزكان، ما الذي حصل؟ لا إجراءات... والشكوى ضائعة».

أنت أمام نموذج سلبي وشائع من التعاطي مع قضايا تتعلق بالحقوق العامة، تأخذ صورة انتهاكات واضحة للكرامة البشرية. فإذا كان العاملون بالصحافة ممن تصدر توصيات عليا بحفظ حقوقهم وحسن معاملتهم... إذا كان هؤلاء يُسلّمون في قدَرِيةٍ عمياء بانتهاك حقوقهم، فماذا تتوقع من تلك المرأة التي سُحبت من عباءتها وأهينت في الشارع العام أمام المارة؟

هذه الفكرة الشائعة تكشف عن عدم ثقةٍ بالقضاء، في مجتمعٍ عانى طويلا من انتهاك حقوقه المدنية والسياسية في فترة سيادة «أمن الدولة». ومن الصعب إقناع هذا المجتمع باللجوء إلى القضاء، كأفضل طريق سلمي وحضاري لاسترجاع الحق أو بناء «دولة المؤسسات». وتركة ثلاثين عاما لا يمكن التخلص منها في ست سنوات، وخصوصا إذا ما استجدت قضايا تكرّس فكرة عدم استقلالية القضاء.

هذا المؤشر على حالة عدم الثقة بالسلطة القضائية، يجب أخذه في الحسبان عند الحديث عن ما حققناه من إنجازات. فمثل هذه الحوادث، المدّعمة بالصور وتزايد أعداد المعتقلين، تنعكس حتما في تقارير المنظمات الدولية التي تراقب الوضع الحقوقي من الخارج. كما تنعكس على التقارير الدورية ذات الثقل، كما حدث في تقرير الـ «ايكونوميست» الذي نشر قبل أسابيع وأثار زوبعة من الاعتراضات، لأنه صنّف البحرين ضمن الدول المتسلطة.

العلاقة بين أهالي المعتقلين ورجال الأمن شهدت احتكاكا متزايدا في الأشهر الأخيرة، وخصوصا مع تداول اتهامات عن تعرّضهم للتعذيب، ومنع الأهالي من زيارة أبناءهم، أو حضور جلسات المحكمة. وحين كانت تُنشر صور بعض النساء الغائبات عن الوعي يُنقلن بالإسعاف، كان بعض «كتّاب الموالاة» يستخفون بالحدث، ويكتبون أنها مسرحيات... وانتهى المشهد بضرب النساء والمعتقلين بالهراوات في الشارع العام، وهي صورةٌ لا تشرّف البحرين حتما.

هذه الحوادث المؤسفة، تقدم مزيدا من الدلائل البصرية التي تنسف الصورة المطلوب نشرها في الخارج. وهكذا بين ليلة وضحاها، تنسف كل جهود وزارة الداخلية لتطبيع العلاقة مع المجتمع؛ وكل جهود وزارة الشئون الخارجية لتحسين سمعة البحرين الحقوقية؛ ومعها يذهب كل ما أنفق من أموال على تلك المنظمة الحقوقية المقرّبة جدا من الحكومة

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2323 - الأربعاء 14 يناير 2009م الموافق 17 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً