فيما كانت موجة جني الأرباح مبكرة، بمكاسب آنية سريعة تكتسح معظم أسواق المال العربية، ترافقها عواصف عاتية تجتاح تلك الأسواق، التي تراجعت، وخصوصا في منطقة الخليج، بعدما عمد متعاملون إلى بيع أسهم منتقاة، طلبا لأرباح ربما تعوّض جزءا من خسائر سابقة، أعلنت شركة غلف ميرغر (Gulf Mrger) وهي إحدى الشركات المتخصصة في مجال الاستشارات في الكويت عن إتمام صفقة بيع (شركة المسار المتحدة) لحصتها البالغة 60 في المئة من أسهم (شركة جاسم للنقليات والمناولة) مقابل مبلغ لم يتم الإعلان عنه.
تكتسب هذه الصفقة أهميتها نظرا لكونها تتم، وكما جاء على لسان المدير التنفيذي للشركة يان بافي، «في ظل هذا المنعطف الاقتصادي وتلقي الضوء على الدور المتوقع من شركات الملكية الخاصة الكبرى في المنطقة على الرغم من ظروف السوق الحالية».
لكن، وبعيدا عن الصفقة والظروف المحلية والعالمية التي تمت فيها، والتي أشار لها يان باقي، تبقى سياسات الاستحواذ أو الدمج من الظواهر التي انتعشت خلال السنوات العشر الماضية، وعلى وجه الخصوص في شركات صناعة تقنيات الاتصالات والمعلومات، والتي أدت إلى الانتعاش غير التقليدي لما عرف في نهاية القرن الماضي بشركات الإنترنت أو «Dot Com Companies». لكن ذلك الاندفاع تراجع وعانى من بعض الركود إثر إنفجار فقاعة الدوت كوم وما تركه ذلك من آثار سلبية على استراتيجيات الدمج (Mergers) وكذا الاستحواذ (Acquesition)، التي يطلق على البعض منها عمليات السيطرة (Takeovers).
من هنا فلربما تكون استراتيجيات الدمج والاستحواذ ظاهرة جديدة على المنطقة العربية، لكنها بكل تأكيد من العمليات الجارية في الأسواق الناضجة مثل الأسواق الأوروبية، أو الأميركية التي شهدت عددا كبيرا منها، وخاصة في سوق الخدمات المالية الأوروبية منذ العام 1986. وكان من أهم توجهات عمليات الاندماج، التي انتشرت في تلك الفترة بين الشركات العملاقة، وأغلبها في قطاعات الاتصالات والسيارات والمال، تركيزها على القطاع المالي والمصرفي. وتجدر الإشارة إلى أن «استراتيجية الدمج والاستحواذ» يمكن أن تتم في مجالات التجارة والصناعة كافة، وهي لا تختلف، على سبيل المثال في مجال العمل المصرفي، عن تلك الاستراتيجية في الشركات الصناعية الأخرى، في أطرها العامة الرئيسية، وإن اختلفت بعض الشيء في الإجراءات التفصيلية المتعلقة بالإجراءات العملياتية (Operations).
لقد أصبحت عمليات الدمج والاستحواذ، والمتعارف عليها اختصارا (M&A)، اليوم من صلب إجراءات تمويل الشركات وتوسيع نطاق عملياتها أو الخدمات التي تقدمها، ناهيك عن الأسواق التي تنشط، أو تزمع النشاط فيها، تلك الشركات، من أجل رفع درجة الربحية أو تقليص قيمة الكلفة.
وبينما تنتهي عمليات الدمج بانصهار شركتين أو أكثر في كيان جديد، تقوم عمليات الاستحواذ بتملك شركة ما شركة أخرى، وتصبح الأولى المالكة للكيان الجديد الذي يفترض أن يكون الشركة المستملكة قد ذابت فيه.
ويسبق القيام بأي من العمليتين: استحواذ، أو دمج، مجموعة من الإجراءات الإدارية والمالية والقانونية، غالبا ما يقوم بها، بيت، أومجموعة من بيوت، الخبرة، من بين أهمها: التقييم المالي للشركات الضالعة في العملية، وعلى أن يترافق ذلك مع فحص دقيق للأوضاع المالية والقانونية للجهات الضالعة في العملية، ولا ينبغي، في الدول المعمول فيها بقوانين الضرائب، إهمال تلك القوانين أو التقليل من أهميتها، ولابد أيضا من استقراء المستتبعات التشغيلية والإدارية، وما يتطلبه ذلك من إعادة للتركيبة الهيكلية للمؤسسة الجديدة. لكن الأهم من كل تلك العوامل يبقى عامل الأرباح المتوقعة، أو ما يطلق عليه «نسبة العائد على الاستثمار» (ROI) هو العامل الأكثر حسما وتأثيرا على القرار في كل تلك العمليات.
نائب رئيس لجنة الإئتمان والتمويل في جمعية رجال الأعمال المصريين آمال الطوبجي ترى في كلمتها التي ألقتها في أحد اجتماعات الجمعية أن مثل هذه الإجراءات التي لابد لها وأن ترافق أية عمليات دمج أو استحواذ، لابد لها أن تتمسك بضرورة القيام بالدراسات المطلوبة «للتغلب على جميع السلبيات وخاصة التسكين الوظيفي للعاملين والازدواج الوظيفي، والعمل من أجل جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي لسد الفجوة بين الاستثمار والادخار، وعدم المساس بحقوق العاملين في المؤسستين المعنيتين، وعدم المساس بأي من حقوق المودعين».
أما أستاذ قانون الأعمال الدولى بجامعة جريفيث الأسترالية، بيرنى بيشوب (Bernie Bishop)، فهو يعتبر في الورقة التي قدمها إلى «المؤتمر الدولى لإصلاح أساليب ممارسة سلطة الادارة فى الشركات» الذى عقد فى المركز الصينى لممارسة سلطة الادارة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية فى بكين يومى 1 و2 نوفمبر/ تشرين الثاني2001، ونشر مركز المشروعات الدولية الخاصة (Center for International Private Enterprise) مقتطفات منها على موقعه على الإنترنت، فيربط بين الاستحواذ والدمج من جهة وتدفق الاستثمارات الأجنبية من جهة ثانية، إذ يعتقد أن «عمليات دمج واستحواذ الشركات خلال العقد الماضي كانت بمثابة القوة الدافعة لزيادة سرعة وتدفق معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ففي الفترة من سنة 1990 إلى سنة 2000 ارتفع حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب الدمج والاستحواذ من151 مليار دولار إلى 1144 مليار دولار»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2323 - الأربعاء 14 يناير 2009م الموافق 17 محرم 1430هـ