اختلفت مع مجموعة من الإعلاميين الخليجيين والعرب في شأن أسلوب ومنهج وخطاب بعض القنوات الفضائية (الدينية) في منتدى إلكتروني، فهم، وأنا أحترم وجهة نظرهم قطعا، يعتبرون ازدياد تلك القنوات فائدة (للأمة)، أما أنا، فلا أرى في غالبها إلا منطلقا لشن حملات العداء المشحونة بالكراهية.
وليس من الضرورة بمكان إجراء استطلاع ميداني لتثبيت الفكرة، فيكفي أن تقرأ لمدة ساعة زمن الشريط الذي يتحرك في أسفل الشاشة لتعلم أن هناك مشاركة فاعلة من قبل مجموعات من المتشددين، من الطائفتين ولابد من التأكيد على أنهم من الطائفتين، كل يدعي حاكميته على الأمة.
ذلك الخطاب هو الأسوأ على الإطلاق، ولعل الكثير من الناس لا يعلمون أن مثل هذه النزاعات تصبح أجمل وأروع عندما يزداد عدد المشاركين فيها عبر خدمة الرسائل الإلكترونية التي تدر مالا وفيرا يملأ بطون القائمين على القناة، ممن يدعون (صدق الدعوة لله والدفاع عن الدين الإسلامي).
كثيرة هي الصور القاسية التي تسود المجتمعات الإسلامية اليوم، في مقدمتها الظلم والتخلف والأمراض السياسية والثقافية والاجتماعية، ونزعات التعصب الطائفي والعرقي المقيتة، وتطغى عليها مشاكل وصراعات متعددة في مختلف ميادينه ومجالاته بما في ذلك ميدان الثقافة والفنون، وتبرز صورها المؤسفة في التضييق على حرية الفكر والنشر ومحاصرة الثقافة ومصادرة الرأي الآخر، وشن الحملات العدائية المشحونة بالكراهية والحقد الطائفي.
لا يمكن أبدا التغاضي عن تهاون الحكومات، وفي أغلب حالات تلك التهاون، يظهر الاتهام واضحا بلا تبطين في أن بعض الدول تغذي هذا النوع من الحملات لإشغال الناس، ولذلك، ليس عجيبا أن يتفرغ ذوو النزعات العدائية، سواء كانوا مشايخ وعلماء أم برلمانيين أم وعّاظ سلاطين، ومعهم أولياء نعمهم من المستبدين أرباب الرأي الواحد والنفوذ والمال، ليضيفوا الى الأمراض الاجتماعية ما يسهم في مضاعفة الداء والمرض في جسد الأمة.
وأخطر ما في الأمر هو استهداف الثقافات الحرة النيرة ومجالات العلوم والفنون الرائدة لضربها بأفكارهم ونزعاتهم ومشاريعهم المشبوهة، منتزعين من تلك الجوانب وأنشطة الإبداع الفني طابعها وعطاءها الإنساني، والأهداف التي يمكن أن تخدم أمم وشعوب المعمورة على اختلاف دياناتها وطوائفها وانتساباتها العرقية.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ