أول قرار أصدرته وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في مطلع هذا العام هو (قرار رقم 1 لسنة 2009) أوضح، ولأول مرة، أن الوزارة هي المسئولة رسميّا عن حجب المواقع الالكترونية، وزاد على ذلك أن أصبح الآن ملزما لجميع مقدمي خدمة الانترنت في البحرين.
ففي الماضي كانت وزارة الاعلام تأمر شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو) بحجب المواقع التي لا ترضى عنها، ولكن ومنذ أن فسحت هيئة تنظيم الاتصالات لمزودي خدمة انترنت آخرين فقد أصبح صعبا على الوزارة الاستمرار في الأسلوب القديم، وبالتالي فإن إصدار القرار الوزاري رقم 1 لسنة 2009 سيكون ملزما لجميع مزودي خدمة الانترنت في البحرين.
منذ العام 2003 فإن مستخدمي الانترنت في البحرين يمكنهم الوصول الى الشبكة العنكبوتية العالمية إما عبر بتلكو، أو عبر «بدالة انترنت البحرين»، والبدالة أسستها «هيئة تنظيم الاتصالات» لتفتح المنافسة على تقديم خدمات الانترنت من شركات أخرى غير بتلكو. وعليه، فإن قرارات وزارة الإعلام التي صدرت سابقا كانت تنفذها بتلكو، بينما لا يسري القرار على بدالة الانترنت التي تجمع شركات مزودي الانترنت الأخرى، وهذا لم يكن يؤثر كثيرا في الماضي لأن أكثرية مستخدمي الانترنت كانوا يرتبطون بشركة بتلكو. ولكن مع ازدياد أعداد المستخدمين من الشركات الأخرى، أصبح الأثر أكثر وضوحا، وعليه جاء قرار رقم 1 لسنة 2009 بشأن تنظيم حجب المواقع الإلكترونية ليلزم جميع الشركات المزودة لخدمة الانترنت بقرارات الحجب التي تصدرها الوزارة.
قرار رقم 1 لسنة 2009 حدد نوعين من المواقع التي يتم حجبها في مملكة البحرين، فالمادة الاولى تختص «بحجب المواقع الالكترونية التي يصدر بشأن حجبها قرار من الوزيرة»، أي «المواقع السياسية». أما المادة الثانية فتختص بـ «حجب المواقع الإلكترونية الإباحية والمخلة بالآداب العامة»، والمادة الثالثة من القرار تلزم جميع شركات الاتصالات ومزودي خدمات الانترنت بقرارات الحجب الصادرة من الوزيرة، والمادة الرابعة تنص على أنه «يمنع إزالة الحجب عن أي موقع إلكتروني إلا بقرار من الوزيرة». أما المادة الخامسة فتطلب من «شركات الاتصالات ومزودي خدمات الانترنت استخدام حلول تقنية موحدة».
وبالنظر إلى المواقع السياسية المغلقة، يتبيّن وجود نحو 30 موقعا مغلقا لأسباب «سياسية»، وجميع هذه المواقع تحسب على فئة معينة من المجتمع، أما باقي المواقع الأخرى التي تحمل مضامين ومحتويات لا تقل حساسية عن المواقع المحجوبة فإنها مسموحة، وحتى عندما حجبت الوزارة في 24 يونيو/ حزيران العام الماضي بعضا منها، لأنها بحسب ما جاء في بيان للوزارة حينها «خالفت القوانين المعمول بها في مجال النشر والصحافة، متناولة الشأن الطائفي بما يساهم في تأزيم الواقع الاجتماعي في مملكة البحرين»، ولكن الوزارة سرعان ما أفسحت لها المجال لتنشط بصورة أكبر من الماضي.
حجب المواقع تقييد للحريات
إلى ذلك وصف البلوغرز البحريني توفيق الرياش قرار الوزارة بالخاطئ، إذ من شأنه تقييد الحريات، موضحا أن أصحاب المواقع عندما ناقشوا ميثاق شرف «مواقع ضد الطائفية» طالبوا أن يكون قرار إغلاق أي موقع صادرا من القضاء، ويكون هو الفيصل في أية قضية ترفع ضد أي موقع مخالف.
وأشار الريّاش إلى أن «القرار الوزاري قرار إداري، وهذا غير مناسب لدستور ينص على حرية التعبير وينص على ضرورة أن يكون القضاء هو الحكم بين الناس والسلطات، وهو أسلوب يستخدم في الدول المتأخرة وليس المتقدمة، إذ إن القرار الوزاري يخضع للآراء التقديرية والشخصية».
وبيّن الريّاش أن «الشقّ المخفي في القرار ما يتعلق بالمواقع العامة، أو ما يسمى بالسياسية، وذلك ما لم يتم التصريح به مباشرة في قرار الوزيرة». مضيفا «أعتبر أن القرار يشوّه صورة البحرين لدى الدول الأخرى، إضافة إلى أنّ هناك طرقا كثيرة من الممكن أن تتخذ لفتح الموقع المحجوبة»، مبينا أن هناك برامج متخصصة على شبكة الإنترنت وظيفتها الرئيسية فتح أي موقع، حتى وإن كان محجوبا.
وأشار البلوغرز البحريني إلى أن القرار سيشجع عديمي الخبرة على أن يصبحوا خبراء للنفاذ للمواقع المغلفة، فكل ممنوع مرغوب، والقرار سيثير فضول الكثير من الناس للبحث عن طرق أخرى لفتح المواقع المغلقة.
وقال الرياش: «نطالب الوزارة بالتراجع عن هذا القرار، لأنه يؤثر على مستوى الحرية ، ولابد للوزارة أن تفكر في توسيع الحريات، وليس في كبتها»,
من جهته قال الخبير في مجال شبكات الإنترنت حسين يوسف: «إنّ من أخلاقيات العمل عند الشركات الكبرى المتخصصة في مجال الشبكات أن يكون إطار العمل في خدمة مالكها وموظفيها، أمّا مستخدمو الإنترنت في البيوت فهم أحرار».
وعن قرار وزيرة الثقافة والإعلام بشأن تنظيم حجب المواقع الإلكترونية؛ أكد يوسف أن «القرار مصدر تبذير لأموال الدولة والشركات، ومضيعة للوقت، لأن التقنية في هذا المجال تنصب في صالح المستهلك وليس الموجّه»، داعيا الدولة والوزارة إلى صرف الأموال التي تنفقها على إغلاق المواقع الإلكترونية في تثقيف الناس، وخصوصا المسئولين، وتهيئتهم لاستخدام أدوات الاتصال الحديثة.
وأضاف يوسف «إن هناك أدوات جديدة على شبكة الإنترنت، تحرج كل الأنظمة التي تتعامل مع مفهوم الحجب والإغلاق»، موضحا أن تلك الأدوات «تقوم أساسا على التفاعلية مع إعطاء طابع من الخصوصية لكل مستهلك».
وأكد الخبير في مجال شبكات الإنترنت أن الشبكات خارج سيطرة الشركات والدول، إذ هي شبكات تبنى من قبل المستخدمين. وسأل يوسف عن دور وزارة الثقافة والإعلام في وضع الطابع العام لموقع الحكومة الإلكترونية وبقية الوزارات، معتقدا أنه من الأولى أن تحجب وزارة الإعلام مواقع الوزارات عن الدول الأخرى، لأنها دون المستوى المطلوب، وخصوصا إذا ما قورنت بمواقع الوزارات في كل الدول.
وأضاف «ماهي جهود وزارة الثقافة والإعلام في حماية المواطنين من القرصنة الإلكترونية، وأعتقد أن هذا أهم، إذ على الوزارة حماية المواطنين والمؤسسات من هذه القرصنة».
القانون غير قابل للتطبيق
أما القائم على ميثاق شرف مواقع ضد الطائفية مناف المهندس فأكد أن هذا القرار غير قابل للتطبيق، لأنه إذا أغلقت الوزارة موقعا فبإمكان صاحب الموقع أن ينشئ موقعا آخر وهو جالس في منزله.
وقال المهندس: «عندما أصدرنا ميثاق شرف منتديات ضد الطائفية، كنا ضد قرار أن يتم إغلاق أي موقع إلكتروني من دون الرجوع إلى القضاء، لأنه في حالة تم الحجب أو الإغلاق من قبل الوزارة فإن ذلك سيكون بإدارة فردية غير محكمة»، مشيرا إلى أنهم كانت لديهم اتصالات مع وزارة الثقافة والإعلام وحصلوا من خلالها على موافقة مبدئية لأخذ زمام الأمور، وإدارة المواقع، وتوجيه المخالف منها، أما في حالة عدم التزامه بالقوانين فالقضاء هو الذي يحكم في الأمر».
أما رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبد الله الدرازي، فأكد أن حجب المواقع الإلكترونية يحد من حرية التعبير، ويجعل البحرين متأخرة في درجات التقارير السنوية التي تصدر عن حرية التعبير في الدول.
وبيّن الدرازي أن فضاء الإنترنت والمواقع الإلكترونية يعد متنفسا لكثير من المواطنين، وخصوصا أنها الوسيلة الأكثر حرية في هذه الأيام، مقارنة بالوسائل الإعلامية الأخرى، إذ إن من حق المواطنين أن تكون لهم مساحة من حرية التعبير على الإنترنت.
وأكد الدرازي أن هذا القرار من الصعب تطبيقه، لأن هناك الكثير من الطرق والأدوات الخاصة التي بإمكانها فتح المواقع المحجوبة، لافتا إلى أن وزارة الثقافة والإعلام بهذه القرارات، تضع نفسها في موقف ينظر إليها على أنها تحد من حرية التعبير، في الوقت الذي تسعى الكثير من الدول إلى رفع سقف الحريات لديها.
وأفاد الدرازي أن دستور البحرين والمواثيق الدولية تكفل لكل فرد حرية التعبير بالطرق المشروعة، من دون قيد أو ما شابه.
من جانبه، قال النائب إبراهيم بو صندل: «نطالب بالحرية المنضبطة، التي لا تسيء إلى الآخرين بأية صورة، سواء أكان عبر الصحافة أم التلفزيون أم الإنترنت»، مضيفا أن المطلوب هو نوع من التنظيم، شريطة ألا يكون على حساب حرية التعبير، أو تحجيمها.
وأضاف بوصندل: «نأمل ألا يكون هذا القرار تكميم الأفواه، بل حماية المجتمع من التطرف، ولابد أن تكون هناك عملية متوازنة بين الحريات، إذ لا يمكن القبول ببعض الحريات التي لا تتوافق مع دولنا الإسلامية».
وبيّن بوصندل: «نحن نشيد بالحرية في الدول الغربية في جانب تعظيم الإنسان، ومنحه الفرصة في البحث والتحري عن الحقيقة ومعرفتها، لكن نرفض من جانب آخر بعض الممارسات التي يعدونها حرية ولدينا محرمة.
وأشار النائب بوصندل: «نرفض كل أنواع الإساءة، سواء أكانت للقيادة، أم لأي مواطن، صغير أو كبير، وللأسف فإننا نرى في بعض المواقع ما يندى له الجبين، إذ يتم تشويه سمعة الآخرين والتحدث عن أعراضهم (...)».
وفي سياق متصل، بيّن النائب الوفاقي جواد فيروز أن: «هذا القرار باعتقادي تشوبه مخالفات قانونية واضحة وجليّة، وأن القرار خارج صلاحيات وزارة الثقافة والإعلام، إذ لا يوجد أي قانون يعطي الصلاحية للوزارة أن تأخذ هذا الدور وتغلق المواقع الإلكترونية».
وأشار فيروز إلى أن «القرار لا يستند إلى أي مادة قانونية لتنفيذ هذا الإجراء المكمم للأفواه، ويؤدي إلى تراجع حرية التعبير، ولم تحدد المعايير والأسس التي يمكن الاعتماد عليها في التنفيذ، أو حتى المخالفات التي تؤدي إلى إغلاق المواقع».
وأضاف النائب الوفاقي: «لا أعتقد أن الوزارة تستطيع أن تنفذ هذا الأمر تنفيذا عمليّا لأن التكنولوجيا أصبحت متقدمة، ويمكن الوصول إلى المواقع المحجوبة».
وقال فيروز: «الأجدر بوزارة الثقافة والإعلام أن تكرس جهدها لتطوير الثقافة والاعلام لا أن تقلص من حجم الحرية واتخاذ مثل هذه القرارات».
وأشار فيروز: «نحن ضد المواقع التي تثير الفتنة الوطنية وتمس وحدتنا الوطنية، لكن أمر إغلاقها يحتاج إلى الرجوع للحكم القضائي»
العدد 2323 - الأربعاء 14 يناير 2009م الموافق 17 محرم 1430هـ