إن مملكة البحرين رحبت بإقرار مجلس حقوق الإنسان لتقرير رئيس بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في قطاع غزة (تقرير ريتشارد غولدستون)، وأعربت البحرين عن أملها بأن يكون إقرار هذا التقرير دافعا للتحركات الجادة لإحقاق العدالة والتصدي للجرائم الإسرائيلية التي تعد انتهاكا للحقوق الإنسانية وخرقا لجميع المبادئ والتشريعات والأعراف الدولية، وجددت دعوتها إلى المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المدنيين الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة.
إن هذا التقرير يشكل منعطفا مهما لتحقيق المساءلة والعدالة، كما يشكل هذا التقرير صيحة تنبيه للمجتمع الدولي لا يمكن تجاهلها. لقد تابع العالم أجمع في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2008 العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع، والذي أدى إلى قتل أكثر من 1400 فلسطيني من الأبرياء معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، كما أدى إلى إصابة أكثر من 5500 مدني فلسطيني ضحية لهذا العدوان العسكري غير المبرر، وقد استخدمت «إسرائيل» جميع الأسلحة الحديثة والمتطورة والفتاكة بل والمحرمة دوليا ضد السكان المدنيين العزل الذين لا حول لهم ولا قوة. إن الدمار الذي أحدثه هذا العدوان لا يزال حتى الآن شاهدا على ما اقترفته “إسرائيل” التي لا تزال تضع كل العراقيل لإعادة بناء المنازل المدمرة والمستشفيات والمدارس والمساجد والمرافق الأساسية والبنية التحتية في قطاع غزة، ولم تسلم حتى المنشآت التابعة للأمم المتحدة ولا سيما مدارس الأونروا من هذا العدوان الغاشم.
لقد أدي هذا العدوان الغاشم إلى إدانة واسعة من المجتمع الدولي ومن الأمم المتحدة، وقد طلب مجلس حقوق الإنسان تشكيل بعثة للأمم المتحدة لتقصي الحقائق برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون للوقوف على حقيقة ما جرى في قطاع غزة، وقد تمكن القاضي غولدستون من خلال بعثة تقصي الحقائق إلى تقديم تقرير شامل غير مسبوق في كثير من أوجهه وشجاعته، وهناك نقاط مهمة تفرض نفسها بشكل خاص، وأوجزها فيما يلي من صلب التقرير نفسه وبالألفاظ الواردة فيه قدر المستطاع:
- تندرج عملية غزة «في إطار سلسلة متوالية من السياسات الرامية إلى مواصلة السعي لتحقيق الأهداف السياسية الإسرائيلية تجاه غزة والأرض الفلسطينية المحتلة ككل.
- «تخلص البعثة إلى أن ما حدث على مدى فترة تزيد قليلا على ثلاثة أسابيع، من أواخر العام 2008 إلى بداية العام 2009، كان هجوما غير متناسب بشكل متعمد قصد به معاقبة السكان المدنيين وإذلالهم وإرهابهم، وتقويض قدرتهم الاقتصادية المحلية على العمل وعلى سد احتياجاتهم بأنفسهم معا تقويضا جذريا، ولتعميق الشعور المتزايد لديهم باستمرار الاعتماد على الغير وبالضعف».
- «والبعثة مقتنعة اقتناعا راسخا بأن العدالة واحترام سيادة القانون أساس لا غنى عنه لتحقيق السلام. فحالة الإفلات من العقاب التي طال أمدها أوجدت أزمة عدالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات».
- وترى البعثة أن «الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي التي جرى سردها في هذا التقرير تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية»
- يعتبر التقرير سجلا دامغا للجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وهذا أمر بالغ الأهمية لا يمكن التغاضي أو السكوت عنه بأي حال من الأحوال، ويتطلب من المجتمع الدولي التشديد على ضرورة تقديم مرتكبي تلك الجرائم والانتهاكات إلى العدالة.
التقرير بريء، وهو في ذلك محق ومصيب، أن «مقاضاة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي من شأنه أن يساهم في إنهاء هذا العنف، وفي حماية المدنيين، وفي استعادة السلم وصونه»، كما نّنوه في هذا الصدد بالتوصية الواردة في تقرير البعثة ومفادها «بأن ينظر مجلس الأمن في الوضع لدى تلقي تقرير اللجنة وبإحالة الوضع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية عملا بالمادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي في حالة إذا لم تكن السلطات المختصة لدولة “إسرائيل” قد باشرت أو تباشر فعلا، في غضون ستة أشهر من تاريخ صدور قراره بموجب المادة 40، إجراء تحقيقات بحسن نية تكون مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية، ويتصرف مجلس الأمن وهو يفعل ذلك في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة».
إننا نؤمن بأن السعي إلى المساءلة عن ارتكاب جرائم الحرب سيخدم قضية السلام بشكل أفضل وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق من دون تحقيق العدالة. إن الصدقيّة العالية التي يتمتع بها تقرير غولدستون، تضعنا أمام امتحان عسير، وخاصة مجلس الأمن للإجابة على السؤال الملح الذي تفرضه المواثيق والأعراف الدولية: فهل سنتصدى للمسئولية، فنتحلى نحن أيضا بصدقيّة مماثلة؟
إقرأ أيضا لـ "توفيق المنصور"العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ