بات الرئيس الفلسطيني محمود عباس يواجه مازقا أمام الإدارة الأميركية التي يتوقع أن تزيد ضغوطها عليه لبدء المفاوضات من دون تجميد الاستيطان الإسرائيلي ومن دون أية ضمانات.
ويقول استاذ الفلسفة ونائب رئيس الشئون الأكاديمية في جامعة القدس سعيد زيداني، «إن وضع الرئيس عباس محرج جدا، وأكثر مما كان عندما أثير جدل بشأن تقرير غولدستون لحقوق الإنسان» بعد إرجاء التصويت على إحالته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في المرة الأولى.
ويتوقع سعيد زيداني «أن يتعرض الرئيس ابو مازن لمزيد من الضغوط الأميركية أكثر مما هي عليه الآن».
ويتابع «أنه يشبه من صعد إلى الشجرة ولم يعد يستطيع النزول عنها، بعد أن قال وكرر أنه لن يستأنف المفاوضات من دون تجميد الاستيطان، ولن يستطيع التراجع عن مطلبه إذا لم يحصل على أي شيء بالمقابل».
وطلبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون السبت من الإسرائيليين والفلسطينيين أن يستأنفوا «في أقرب وقت ممكن» مفاوضات السلام ومن دون أية شروط مسبقة، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس.
ولكنها عادت وأكدت الاثنين أن موقف إدارة باراك أوباما من المستوطنات «واضح ولا لبس فيه، وهو لم يتغير: الولايات المتحدة لا تقبل بشرعية مواصلة (إقامة) المستوطنات الإسرائيلية».
واعتبرت أن العرض الإسرائيلي «أقل مما كنا نود، لكن إذا طبق فإنه سيكون أول تقييد من نوعه للاستيطان وهذا سيكون له أثر مهم».
وعادت السلطة الفلسطينية أمس (الثلثاء) وأكدت على موقفها بأن الوقف الجزئي للاستيطان الإسرائيلي غير كاف لاستئناف المفاوضات مع «إسرائيل».
ويرى سعيد زيداني «أن الموقف الأميركي خيب أمال الرئيس عباس الذي انتهج استراتيجية المفاوضات والسلام».
ويضيف «إذا لم تجد الإدارة الأميركية مخرجا يحافظ على ماء وجه الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات فإن الوضع سيكون صعبا، وخصوصا إننا شهدنا في السنوات الأخيرة موقفا عربيا ضعيفا تجاه دعم الفلسطينيين، وموقفا إسلاميا شبيها، إضافة إلى الانقسام الداخلي».
وذكر بأن «الأميركيين قد ينتهجون أسلوب الضغط السياسي والمالي، وخصوصا أن الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية يعتمد بالأساس على المساعدات الخارجية».
ومن جهته قال مصدر مقرب من السلطة الفلسطينية لوكالة «فرانس برس»، «إن الضغوط الأميركية بدأت عمليا قبل نحو أربعة أسابيع، ورد الرئيس ابو مازن للأميركيين كان بتكرار ما قاله الرئيس باراك أوباما».
وتابع المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، «نتوقع مزيدا من الضغوط، بعد أن فوجئنا السبت بتصريحات وزيرة الخارجية كلينتون الخارجة عن السياق الدبلوماسي، وبفظاظتها وإلقائها اللوم على الرئيس ابو مازن».
وعن خيارات الرئيس ابو مازن في مواجهة الضغوطات الأميركية قال المصدر «إن ابو مازن سيعمل على بناء موقف عربي موحد من خلال لجنة المتابعة العربية لتقوية وتعزيز الموقف الفلسطيني إضافة إلى الخيار الأوروبي».
وأشار إلى أنه «في النهاية هناك خيار العودة إلى مجلس الأمن وإلى الأمم المتحدة ككل، على الرغم من أن القضية لن تكون سهلة».
ومن جهته كتب المحلل السياسي هاني المصري في صحيفة «الأيام» الصادرة أمس «أن استراتيجية المراهنة على المفاوضات الثنائية كأسلوب وحيد لحل الصراع ووضع البيض في السلة الأميركية فشلت فشلا ذريعا».
واعتبر هاني المصري أن «السلطة يجب أن تقول أخطأنا وجربنا المفاوضات من دون تجميد المستوطنات طوال 16 عاما»، مضيفا انه «لا يمكن للقيادة الفلسطينية الخروج من مأزقها الشامل سوى باعتماد استراتيجية جديدة، أو ترك الراية لمن يقدر».
ورأى المحاضر في العلوم السياسية سمير عوض «أن وضع الرئيس ابو مازن لا يحسد عليه مع الأزمة الداخلية والمفاوضات غير المثمرة بتاتا».
قال في تصريح لـ «فرانس برس»، «لكني لا أرى أن المشكلة الفلسطينية لها علاقة بشخصية الرئيس لأن عمر المشكلة مئة عام، وكانت هناك محاولات عديدة لحلها ولم تحل لأن إسرائيل هي السبب الرئيسي لأنها لا تتعامل مع الفلسطينيين كند بل بوصفها قوة عظمى محتلة».
وأوضح أن «إسرائيل تولي أهمية قصوى للسياسة الداخلية التي تتجه نحو اليمين المتشدد وليس للسياسة الإقليمية أو الدولية».
واعتبر «أن المشكلة في الموقف الأميركي، أن باراك أوباما تراجع عن موقف جورج بوش الذي طرح حل الدولتين بحسب خارطة الطريق التي نصت على تجميد الاستيطان».
وخلال ستة عشر عاما من تولي السلطة، جمد الاستيطان لفترة وجيزة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين. وفي العام 1996 أوقف الفلسطينيون المفاوضات والتنسيق الأمني احتجاجا على بناء مستوطنة جبل ابو غنيم «هار هحوماه» في القدس الشرقية المحتلة.
وكثفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نشاطاتها الاستيطانية، و خصوصا بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد العام 2000 ولم تستأنف السلطة الفلسطينية مفاوضاتها إلا العام 2007، في مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط الذي عقد في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام.
وقال المصدر الفلسطيني «لم نستأنف المفاوضات إلا بعد أن ورد نص صريح في مؤتمر أنابوليس على أن يكون الطرف الأميركي مراقبا وحكما للشروط التي من ضمنها وقف بناء الاستيطان».
العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ