العدد 377 - الأربعاء 17 سبتمبر 2003م الموافق 21 رجب 1424هـ

الكوميديا الهزلية عند ويلكاي

لندن - خدمة الاندبندنت 

تحديث: 12 مايو 2017

كان ديفيد ويلكاي رساما كوميديا هزليا بطريقة فريدة. وكان رساما للحياة الاجتماعية العامة، إذ استغل ولفترة قصيرة هذه المادة جيدا. ويعد درسا في الشهرة، فهو ابن الوزير الاسكتلندي، الذي وصل إلى لندن في العشرين من عمره، وأظهر صورة فريدة في الأكاديمية الملكية، وفجأة أصبح ذا شهرة عظيمة. ومن ثم، تدريجيا تدهور هو وفنه. اليوم هو بالتأكيد مازال في المدفن الاسكتلندي الرسمي. ولكن، أعتقد أن الكثيرين من الناس الذين يذهبون إلى صالات الفن الآن لا يكون لديهم إحساس ويلكاي.

حاولت صالة دولوتش بكشر أخيرا إعادة إحياء الكثير من أعمال الرسامين الذين كانوا مثار إعجاب بخرافة. لقد حاول القائمون على الصالة احياء أعمال الرسام الاسباني، موريلو، صاحب القنافذ المحببة، واكتشفوا القليل من اللوحات المثيرة. كما أحيوا أعمال الفنان الهولندي، جيريت داو، المولع والمهووس بالتفصيل، وبصراحة أضاعوا وقتهم. والآن جاء الدور على ديفيد ويلكاي (5871 - 1481)، رسام الحياة اليومية. انه ليس الفنان الذي يُوصى به لدى طالب الحس الفني الحديث. أوضاعه الطبقية مراوغة، ويبدو مرعبا في انتاجه، ولكنه بالتأكيد أنجز شيئا.

كان ظهوره الأول وفي عمله الناجح الفذ مع صورة (سياسيي القرية)... كانت الخلفية مشهد حانة قاتم، إضاءته القوية تقع على مجموعة رجال أمام طاولة، وصحف يومية، في نزاع أعمى صاخب. أكثر المقاطع المثيرة تتمثل في وخز اصبع السبابة الأيمن في كف اليد اليسرى لمتشاجرين بينما تفاعل الآخرون بحماس أو بصدمة. أحدهم يلاطف ذقنه بتأمل. من حول هؤلاء الرجال، يباشر بقية من في الحانة أعمالهم المألوفة الاعتيادية. كانت النكتة المضادة للديمقراطية مألوفة، وليست مبتكرة لدى ويلكاي: فلاحون جهلة، أفكار فوق منزلتهم الاجتماعية، يشتغلون بسياسة عليا لا يفهمونها.

ولكن قوة هذه اللوحات، وتلك التي رسمت في السنوات التي تلتها، ليست سياسية بشكل مباشر بقدر ما هي اجتماعية. هذه المشاهد للحياة في الحانة، في الكوخ، في صالة الكنيسة، يبدو أنها تقدم لمحات أصيلة حيوية عن كيفية عيش الجماعة. وكما كتب ناقد في ذلك الزمان «انها تبرهن على معرفة عميقة بالطبيعة الفظة، ووسيلة للتعبير عن العواطف المختلفة التي هو مشغول بها».

طبعا واقعية ويلكاي ليست ما يسعى إليه إنسان الحاضر من «واقعية». فهو عموما يجعل الأشياء تبدو حيوية، ولكنها ممتعة ومرحة. إنه لم يظهر أبدا أي شخص يقوم بأي عمل. وإذا كانت هناك مصاعب، فإنها تمثل بظرافة. يمكنك بصعوبة أن تطلق على مثل هذه المشاهد شرائح حياة. ان فناني ذلك العصر مدركون بشدة لصور الحياة اليومية الهولندية في القرن السابع عشر. انهم مسرحيون من طراز رفيع، يمثل الفعل في غرف مثل مسارح دمي مربعة. انهم يقدمون أكثر الترتيبات غير الطبيعية للأشياء. هناك دائما تركيز على البشر ومن ثم تركيز إلى حد ما على الأشياء غير الحية من أجل متع الدراما الإنسانية. ولكن ما يفتن مشاهدي ويلكاي الأوائل، هو الشيء نفسه، إحساس قوي بحب الحياة، يذهب أبعد من تقنيته الدقيقة بشكل ممتاز، والذي مازال متصلا.

انها جزئيا مسألة نوعية، هذه المشاهد هي على النقيض من الأعمال الاقتصادية، إذ نجد فيها وفرة مفرطة من التفصيل والملاحظة يصعب جدا أن تدرك في لمحة خاطفة، إذ ان غرف ويلكاي مطلية بمواد منزلية. هناك أطقم من القطع مازالت حوادث حية ثم هناك أشياء على الأرضية، وأخرى وضعت على الجدران، وأشياء معلقة من السقف، أشياء مودعة في افريز، مكانس، مقالي، أنواع مختلفة من السلال، صحون مكدسة، طيور محنطة، رسم طفل، كومة من الخردة المكدسة. أشياء دالة على طرق المعيشة. ولكن مثل هذه الوفرة التي يمكن أن يتأملها ويحس بها المشاهدون، ليست الصورة التي تظهر لهم هذه التفاصيل المهمة، ولكن المشاهدين هم الذين يلاحظونها بأنفسهم كما يلاحظ المرء الأمور في الحياة اليومية.

وانها جزئيا مسألة مراوغة. لا يخون مشاهدو ويلكاي أنفسهم، فهم يوفرون بالأحرى أدلة نفسية وثيقة ملطفة ومن ثم مرة أخرى يشعر المشاهدون بأن حق المبادرة قد مرر إليهم. لم يخبروا عن شخص ما من خلال الرسم الواضح. لديهم متعة في استبعاد شخص ما من وجوههم ولغتهم. أو بالأحرى، يمنحك ويلكاي بعض الشخصيات التي لديها فعلا بصمة واضحة وتعبير. ثم نجد مشاهدين آخرين، يمكن ملاحظتهم أخيرا، يحتاجون إلى اهتمام عميق.

ليس الرجل البولشوي، من سياسيي القرية، الذي أصبح أكثر اهتماما، ولكنه المتأمل الأوحد، المحير، غير الراغب أو المهتم كلية، أو الرجل كبير السن الذي أدار ظهره إلى النار في «عازف الكمان الضرير». هل هو الرجل الوحيد في المجموعة الذي حاول في الواقع الاستماع إلى عازف الكمان؟ أو انه غُيِّر واستبدل تماما؟ وفي «كارد بليرز»، نجد شخصية تضع يدها مقربة وتحتفظ بوجه في تعبير غامض بشكل متعمد. تهتم أكثر صورة مشهورة لدى ويلكاي «ذي ليتر أوف انترودكشن» بشخصيتين: رجل شاب نحيل وباهت ورجل معوق كبير السن، ليست لديهما أدنى فكرة عما يقولان لبعضهما بعضا. ولكن عندما أقول إن ويلكاي هزلي للغاية، ليس بسبب آثار الكوميديا النفسية - الاجتماعية هذه، ولكن بسبب نوع من الكوميديا الطبيعية، نجده قويا في الصور القديمة، ومن ثم اختفى فيما بعد. انه نوعي في الأشخاص واجسامهم وأفعالهم وتفاعلاتهم، مسألة صلابة وفظاظة، إذ نجد الشخصيات قصيرة وممتلئة، مخلوقات بدينة، رؤوسهم كبيرة نسبيا، انهم بلهاء، والعلاقات بينهم يسودها شعور فاتر، وتجمعاتهم تنفض في شكل قفزات قصيرة وحركات غريبة، يمكنك تسميتها مباعدة كوميدية (إذ ان الصورة متكافئة مع التوقيت)، أفضل مثال لذلك في الواقع مجموعة حيوية صغيرة في مقدمة «بلايند فيدلر»، قدر، وعاء ماء، صندوق خضار، تصنف حركتها في المشهد بطريقة مرحة. يفضل ويلكاي دائما التجمعات، ولكن في هذه المرحلة كان أكثر إدراكا بأن التجمعات الإنسانية ليست مؤتلفة.

وكما تأتي شخصياته مجتمعة، أحيانا تأتي منفردة أيضا. تبدو هذه الآثار المتطورة بالنسبة إلي متميزة وتوحي بحدة ذهن عظيمة. وخفض ويلكاي من الحيوية المطلقة في أعماله، مع مشاهد نشطة تدريجية مثل «بلايند مانزبف» و«ذي بيني ودينج» إذ ان المؤانسة تمجد كبكرة عظيمة وعنيفة. ربما يكون هذا تحولا طبيعيا للتوضيح. كان ويلكاي فنانا طليقا للغاية، وأصبح مهتما بما يحدثه الرسم الزيتي، دفق، تألق وتوهج بشدة. أهداف فنه سامية إذ ترتفع نغمته الأخلاقية.

في العام 2281 رسم ويلكاي مشهدا آخر لأشخاص يجلسون إلى طاولة عليها صحف يومية، ولكن هذه المرة ليست لسياسيي القرية اليائسين على نحو هزلي، ولكن لأصحاب معاشات جليسيا المبتهجين يتلقون «لندن غازيت» الاستثنائية ليوم الخميس 22 يونيو/ حزيران 5181، معلنة معركة وترلوو!! وبقيت الاستفسارات مكتنفة العنوان الرئيسي. الصورة واقعية اشتراكية خالصة. ربما تكون أيضا لجنود الجيش الأحمر وقد سمعوا بسقوط برلين. المشهد برمته الذي يعكس احساس التعقيد بالوجود الشيوعي - بدفئه وتنافره - ويحيي الصور القديمة، قد تلاشى تماما.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً