في الولايات المتحدة يحاكم الرئيس كلينتون علنا ويقف مرعوبا أمام سلطة القاضي الأميركي... وفي العالم العربي تخشى من أن تحاكم بشت الوزير بكم سعره فضلا عن الوزير ذاته أو أي مسئول صغير خوفا من أن تلصق بك التهمة العربية الجاهزة والمثلجة في ثلاجات الصحافة الرسمية والإعلام الرسمي من أن مساءلة الوزير لا تعني إلا التطاول وحب الفوضى والتعامل مع الأجنبي!
وفي كل ليلة سبت يعرض التلفزيون الأميركي... برنامجا فكاهيا خاصا يسخر من أداء السلطة - إذا ما أخطأت - ومن كل مسئول أميركي صغير أو كبير. وهنا في عالمنا العربي تخشى الصحافة والمعارضة من أن تقول إن الوزير الفلاني أصيب بوعكة صحية أو انه مصاب بالزكام. وفي جمهورياتنا العربية أصبح كل رئيس يعبّد الطريق لرئاسة الابن، وعلى رغم ذلك مازالت دولنا مصرّة على توصيف الكيان بـ «الجمهورية» متناسية مضامين هذا المدلول. هكذا نحن العرب لم ندخل في أي مفهوم ديمقراطي جميل إلا وأفرغناه من محتواه، ونقيم الدنيا ولا نقعدها عندما ننتقد في ذلك. أموالنا تهدر في صفقات سلاح، فإذا كانت مشتريات المنطقة بين عامي07 و57 بلغت 25 مليار دولار فما حالنا اليوم؟
نحرص على تكديس السلاح بينما مخازن مستشفياتنا تعاني من استيطان الصراصير فيها! نعاني من مشكلات جمة، فبعض الدول العربية تعاني من أمية بلغت 07 في المئة، وقطاع التعليم أصبح في بعض دولنا مخطوفا من قبل أيدٍ مؤدلجة أدلجة تصادر الآخر، ومشكلات البطالة في ازدياد ووزراؤنا مازالوا يستعرضون بالأرقام وهم غير مقتنعين منها. وتبقى المشكلات عالقة بلا تغيّر.
يقولون في علم الإدارة إن القرارات تمر بعدة مراحل تبدأ بجمع المعلومات عن المشكلة المثارة وتصور الحلول البديلة واختيار حل لها ثم قياس ردود الفعل المتوقعة، ومشكلتنا أننا لا نعرف حجم المشكلة أو نسبتها وعلى رغم ذلك نضع الحلول كما في قضية نسبة البطالة في البحرين، فحتى وزارتنا الغراء فهي في كل يوم تصرح بعدد يختلف عن غيره في اليوم الآخر. ونبقى نراوح في مكاننا لنقول قريبا سينتهي الفقر وعليكم بربط الأحزمة. وتلك حقيقة واضحة أن الفقر لا يوفر تربة صالحة تنمو فيها الديمقراطية، ذلك أن أصحاب الثروة في المجتمع يكونون أكثر قدرة على التأثير وامتلاك صناديق الاقتراع وامتلاك حتى رؤوس الفقراء، وهكذا هي المشكلات متنوعة والحلول تصريحات!
يقول صاحب كتاب «أرقام تصنع العالم»: «هناك تلازم ما بين الفساد وغياب الديمقراطية، فليس من صالح الطبقات الفاسدة والمستغلة في العالم الثالث أن تتمتع مجتمعاتنا بدرجة من الشفافية»، لذلك نجد أن ظاهرة شراء الأصوات تفشت في الكويت فبلغ سعر الصوت الواحد في بعض الدوائر الانتخابية 0021 دينار (ألف ومئتا دينار)، وذلك بسبب سيطرة أصحاب النفوذ والثروة. هل بعد كل ذلك نستطيع أن نبكي على الديمقراطية العربية؟
اسمحوا لي أن أقول: إن الديمقراطية لها لوازمها، فلا ديمقراطية بلا صحافة حرة وقضاء مستقل وبرلمان ذو صلاحيات ومحاكمة علنية للفساد بدلا من الرتوش والمكياج. وعندما تغيب المساواة بين المواطنين تكون الديمقراطية هذه مشوهة. فالديمقراطية الحقيقية لا يضيق صدرها بالرأي والرأي الآخر وإلا تحولت إلى فاشستية بألوان زاهية. كانت جدران إيطاليا مليئة بعبارة كتبت على الجدران تقول: «موسوليني دائما على حق»، إلى أن قُضي على إيطاليا بالهزائم.
يقول عبدالله النفيسي: «مشكلة أنظمتنا العربية أنها تدخل في مفاوضات مصيرية من دون أن ترجع إلى شعوبها لإيمانها بأن ليست هناك برلمانات تحاسبهم، بينما المفاوض الصهيوني يرجئ أي قرار في المفاوضات ويطلب مهلة للرجوع إلى الكنيست للتشاور». فهل بعد ذلك نستطيع أن نقول للمواطن العربي: «وزنك ذهب»؟! بالتأكيد لا، إلا إذا تحققت ديمقراطية حقيقية
العدد 376 - الثلثاء 16 سبتمبر 2003م الموافق 20 رجب 1424هـ