الهم الاساسي للوزارة السورية المرتقبة، كما أعلن رئيس الوزراء المكلف محمد ناجي عطري الاصلاح، ولاسيما إصلاح الإدارة والاقتصاد، بما يمثلانه من «أولوية» بالنسبة إلى سورية، وأضاف عطري في لقاء له مع ممثلي احزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي منذ العام 3791: ان الوزراء الذين سيختارهم في حكومته «سيتمتعون بالخبرة والنزاهة والكفاءة والأهلية القيادية».
وترسم أقوال عطري حدود مساعيه لتشكيل حكومة تخلف حكومة محمد مصطفى ميرو، التي قدمت استقالتها الأسبوع الماضي، وتم تكليف عطري على أساسها تشكيل حكومة جديدة، وفي هذا السياق اجتمع عطري مع الكثير من قادة وممثلي جماعات سياسية ومنظمات وهيئات أهلية سورية، بينهم قادة الأحزاب السياسية المشاركة في الجبهة الوطنية التقدمية، وجاءت هذه اللقاءات على قاعدة هدفين أولهما استمزاج رأي الفعاليات السياسية والاجتماعية فيما ينبغي أخذه في الاعتبار من جانب رئيس الوزراء المكلف من قضايا ومشكلات يجب التركيز عليها والاهتمام بها في الفترة المقبلة، والثاني متابعة البحث مع قادة أحزاب الجبهة بما يتصل باختيار وزراء من أحزاب الجبهة، ينضمون إلى حكومة عطري.
والحق فإن مشاورات رئيس الوزراء المكلف، تعد سابقة في تشكيل الوزارات السورية منذ وصول البعث إلى السلطة في العام 3691. إذا كان يجري تشكيل الوزارات من دون أن يتم التشاور مع المرشحين لعضويتها، وبعضهم كان يسمع نبأ وجوده في الوزارة من أجهزة الإعلام أولا.
غير أن التقليد الجديد في المشاورات، سيظل محكوما بالخيارات السياسية التي ينتمي إليها رئيس الوزراء المكلف من حيث أهداف الوزارة الجديدة، ووزن الحزب الحاكم فيها والذي يفترض أن له غالبية المقاعد الوزارية، وخصوصا الوزارات الرئيسية ومنها الخارجية والداخلية والدفاع، وستكون بيد أعضاء منه.
وعلى رغم ما يحيط بتشكيل الوزارة من حيثيات وتفصيلات، فإن الآمال المعلقة على ما يمكن أن تقوم به الوزارة محدودة من جانب أكثرية السوريين، والأمر في هذا لا يتعلق بشخص رئيس الوزراء المكلف بمقدار ما يتعلق بالتركة الثقيلة التي ورثها من سابقه، وقد ورثها الأخير ممن سبقه، إذ تعاني سورية من مشكلات متداخلة ومعقدة من الصعب معالجتها بتجزئتها إلى مشكلات قطاعية مثل القول بوجود مشكلات اقتصادية أو إدارية، وبالتالي ضرورة القيام بإصلاح إداري أو اقتصادي، فيما ترى قوى سياسية وهيئات أهلية بينها أحزاب المعارضة، أن الإصلاح ينبغي أن يكون شاملا، وأن ينطلق من الإصلاح السياسي، وأن تتوافر له إرادة سياسية قوية.
لكن ذلك لا يمنع من مراهنات على نجاحات يمكن أن تحققها الحكومة المرتقبة في ظل معطيات تتعلق برئيسها بمواصفاته وخياراته، وهي ترتبط أشد الارتباط بأمرين أساسيين، أولهما الفرضيات التي يتم في إطارها تشكيل الوزارة، وهي فرضيات تفتح الأبواب باتجاه الاصلاح، لأنه ليس أمام سورية من خيارات أخرى للخروج مما هي فيه، والثاني الصلاحيات التي ستتمتع بها الوزارة الجديدة باعتبارها سلطة تنفيذية، وليس هيئة من كبار الموظفين على نحو ما كانت عليه حال الوزارات السورية.
تشكيلة الحكومة المرتقبة ستضم نحو 52 وزيرا نصفهم لحزب البعث العربي الاشتراكي، وتوزع بقية المناصب على ممثلي بعض أحزاب الجبهة والمستقلين تبعا لمعيار الكفاءة والنزاهة والأهلية القيادية التي وضعت أساسا لاختيار الوزراء.
وستكون من أولى مهمات الحكومة الجديدة إجراء إصلاحات إدارية على كل المستويات، بهدف وضع حد للبيروقراطية والفساد المستشري على مستوى أفقي، إضافة إلى المباشرة بحملة واسعة لتطوير القوانين التي يعود بعضها إلى العهد الفرنسي، وإجراء عمليات إصلاح جذرية في سلك القضاء، وإصدار قوانين جديدة تنظم الحياة السياسية والاقتصادية.
غير أن هذه المهمات ذات الطابع الداخلي، لن تكون وحيدة في انشغالات حكومة عطري، بل سيكون لديها مهمات خارجية ثقيلة، صارت أكثر ارتباطا بالسياسات الداخلية للحكومة، وخصوصا في ضوء التطورات الإقليمية والدولية، والتي غيرت الكثير من ملامح المنطقة وعلاقاتها في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وكان في إطارها الحرب على العراق، وصيرورة سورية على بوابة استحقاقات اقتصادية - سياسية عميقة منها اتفاق المنطقة العربية الحرة، واتفاق الشراكة المتوسطية مع الاتحاد الأوروبي، واتفاق التجارة الدولية الحرة «الغات»، وما يمكن أن تتطور إليه العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية مترافقة مع واقع العولمة وما تفرضه من تحديات مختلفة.
ملامح الحكومة السورية، التي يسعى رئيس الوزراء المكلف إلى تشكيلها، ذات أبعاد متعددة ومستويات من حيث أهدافها وتكوينها والمهمات التي ستقوم بها، لكن بين يوم وآخر، فإن هذه الملامح ستتحول إلى تفصيلات في صورة الوزارة الجديدة، وعندها يمكن المقارنة ليس بين الملامح والصورة، بل أيضا بين صورة الوزارة الجديدة وما سبقها من وزارات تشكلت على مدار الأربعين عاما الماضية، عندما وصل حزب البعث إلى سدة السلطة في سورية.
العدد 375 - الإثنين 15 سبتمبر 2003م الموافق 19 رجب 1424هـ