تشهد الساحة العراقية حالات من التنافس بين الوزيرين الأميركيين. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد زار العراق قبل 11 سبتمبر/ أيلول الجاري في خطوة منه تشير إلى ان الوضع الأمني ليس قلقا إلى الحد الذي يقتضي بمراجعة السياسة العامة... بدليل ان رامسفيلد احتفل بالانتصار في مسقط رأس صدام حسين (تكريت). وزير الخارجية كولن باول زار العراق بعد 11 سبتمبر في خطوة منه تشير إلى أن الولايات المتحدة تجاوزت سياسيا المأزق وبات بامكانها اتخاذ خطوات جديدة تعيد ترتيب العلاقات الدولية بعد الأضرار الدبلوماسية التي خلّفتها الحرب على العراق.
والسؤال هل فعلا للزيارتين (القبل والبعد) دلالات رمزية أم انها مصادفة؟ يُرجّح ان الزيارتين المنفصلتين ليست مصادفة بل تشيران إلى وجود تعارضات بين الوزيرين.
الأول يريد ان يقول ان أميركا لا تزال تمر في مرحلة القلق والتوتر ولابد ان تستمر في سياستها لازالة ذاك الضغط الناجم عن تلك الضربة. والثاني يريد ان يقول ان الولايات المتحدة تجاوزت ذاك اليوم ويجب عليها ان تتصرف وفق رؤية مختلفة عن تلك التي اضطرت إلى اتباعها بعد تلقيها تلك الضربة.
الخلاف بين الوزيرين لم يصل بعد إلى حد التناقض إلا ان رصد توجه كل منهما يكشف عن وجود تعارض نسبي بينهما.
رامسفيلد يريد ان تبقى الولايات المتحدة في العراق من دون شريك بدليل ان قتلى قواتها لم يتجاوز 57 قتيلا منذ اعلان الرئيس جورج بوش نهاية العمليات الكبرى في مايو/ أيار الماضي. وهذا الرقم تستطيع تحمله دولة كبرى مثل أميركا وفي حال ارادت بعض الدول ارسال جيوشها للدعم أو المساعدة يجب ان تكون بإمرة القوات الأميركية.
باول يريد توسيع دائرة التحالف من خلال تدويل الأزمة واشراك الدول الكبرى في المسئولية وتحديدا «دول الضد» المعارضة أصلا للحرب... وهذا من الصعب التوصل إلى تحقيقه من دون تقديم تنازلات وتوسيع صلاحيات الأمم المتحدة.
التعارض النسبي بين الوزيرين على إدارة العراق بعد الحرب وحدود دور الدول الكبرى في صوغ مستقبله في اطار الشرعية الدولية هو جانب من جوانب الخلاف.
هناك جوانب أخرى تتجاوز حدود العراق. وزير الدفاع يصر على توسيع دائرة الحرب وتوريط إدارة البيت الأبيض بالمزيد منها مستفيدا من موقعه الجغرافي في العراق.
بينما يميل وزير الخارجية إلى سياسة الضغوط على المستويين الفلسطيني والإيراني. فالجانب الأول يشمل برأي باول امتدادات سورية ولبنانية، والثاني له صلة بموضوع حزب الله في لبنان (تفجير الارجنتين واعتقال السفير الإيراني السابق في بونيس ايرس في بريطانيا) اضافة إلى ملف البرنامج النووي.
وعلى رغم التوافق بين الوزيرين على أهمية الملفين (الفلسطيني والإيراني) يفضل وزير الدفاع الأسلوب العسكري (الأمني) بينما يرجح وزير الخارجية الأسلوب السياسي - التفاوضي.
الملف الإيراني هو الأكثر حساسية الآن، لأنه يتناول مجموعة نقاط تبدأ بالطاقة النووية (ظهور خلافات بين طهران والوكالة) وتنتهي بسلسلة نقاط تتعلق بالدور الإيراني في العراق وموقف طهران من التسوية السلمية في «الشرق الأوسط».
رامسفيلد يريد استغلال ثغرة الخلاف بين إيران ووكالة الطاقة على الملف النووي ودعم روسيا وأوروبا لموقف الوكالة باتجاه المزيد من التصعيد لتقوية عناصر سياسته الحربية في المنطقة والعراق. بينما باول يميل إلى تدويل ملف الطاقة الإيراني وعدم ارتكاب حماقات ومخالفات وخلافات مع أوروبا وروسيا كما حصل خلال فترة التحضير للحرب على العراق.
المسألة الإيرانية إذا - إلى جانب المسألة العراقية - هي نقطة تجاذب جديدة بين الوزيرين وقراءة مواقف كل منهما في ذاك الملف تساعد إلى حد ما على معرفة الاتجاه الذي تريد واشنطن السير فيه في المستقبل القريب... وأقرب بكثير من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل.
الخلاف بين الوزيرين انطلاقا من مراقبة مشاهد الزيارتين للمسرح العراقي تكشف عن وجود تعارضات بين خطين ستدفع ثمنهما المنطقة من الحدود العراقية - الإيرانية إلى الحدود السورية - اللبنانية المطلة على فلسطين المحتلة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 375 - الإثنين 15 سبتمبر 2003م الموافق 19 رجب 1424هـ