تجاهلت الولايات المتحدة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي مجموعة من العروض التي وردت إليها من طريق قنوات موثوق بها، بتسليمها مسئولين كبار في منظمة «القاعدة». ونقلت صحيفة «فيلت أم زونتاغ» الأحد الماضي عن مصادر عليمة في المخابرات الألمانية وايضا الإيرانية، أنه جرت محاولات متكررة للحصول على موافقة الأميركيين لاستلام قادة كبار في «القاعدة» لجأوا إلى إيران مقابل أن تتكتم واشنطن على دور إيران بعملية التسليم، وأن تسلم واشنطن الإيرانيين في المقابل مجموعة من النشطين في تنظيم «مجاهدي خلق» الذي وضعته الولايات المتحدة أخيرا على قائمة المنظمات الإرهابية، وشطب اسم الجمهورية الإسلامية من قائمة الدول المارقة.
وذكر تقرير صحيفة «فيلت أم زونتاغ» أنه من بين الأشخاص الذين لجأوا إلى إيران وكانت الأخيرة مستعدة لتسليمهم قبل قرابة عام إلى سفارة دولة غربية، ووفقا لتأكيد مصادر تابعة للمخابرات الإيرانية، المتحدث السابق باسم أسامة بن لادن، الكويتي سليمان أبوغيث، وأيضا سعد أسامة بن لادن نجل زعيم «القاعدة».
وأكدت مصادر عليمة في جهاز المخابرات الألماني (بي أن دي)، قبل أيام قليلة، أنه في الفترة من أكتوبر العام 2002 حتى فبراير/شباط العام 3002، وعن طريق ألمانيا أيضا، المعروفة بصلتها الوثيقة مع إيران وبوابتها التقليدية إلى الغرب، جرى نقل عروض تسليم قادة «القاعدة» للولايات المتحدة لكن لم يصدر عن الأميركيين أدنى اهتمام بأخذ العروض الإيرانية على محمل الجد كما لم يظهر استعداد أميركي للتفاوض مع ممثلي الحكومة الإيرانية في مكان سري في ألمانيا على رغم استعداد الحكومة لاستضافة هذه اللقاءات والعمل بالتكتم عليها.
وكان وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي ذكر في نهاية مايو/أيار الماضي وبصورة علنية مفاجئة أن بلاده تحتجز نحو 005 من أعضاء منظمة «القاعدة» بينهم مسئولين كبار. وتم منذ ذلك الوقت تسليم مجموعة منهم إلى سلطات الأمن في المملكة العربية السعودية. لكن يعتقد أن إيران ما زالت تحتفظ بأبرز المعتقلين للمقايضة سياسيا عليهم مع الولايات المتحدة.
ورصدت المخابرات الإيرانية في الفترة بين 32 أغسطس/آب الماضي و2 سبتمبر/أيلول الجاري ثلاث مكالمات هاتفية كان الطرف الآخر في واحدة منها، أسامة بن لادن، الذي يقيم على الأبعد في منطقة تقع على الحدود بين أفغانستان وباكستان. وتم الاتصال الهاتفي المذكور على خط خليوي كان يخص سعد ابن أسامة.
وتقول المعلومات التي نشرت في ألمانيا أن سعد موجود داخل مسكن مساحته 004 متر مربع في منطقة قريبة من العاصمة الإيرانية. واعترفت المخابرات الإيرانية بفشلها في رصد مكان وجود المتحدث على الطرف الآخر (أسامة بن لادن) لأن المكالمات التي يجريها تتم عادة من طريق عدد من خطوط الهاتف الخليوي. كما يجري استخدام شبكات اتصال مختلفة وكذلك تستخدم بطاقات هاتف سويسرية مدفوعة الثمن.
ويحتفظ الإيرانيون بتسجيل المكالمة التي أجراها أسامة بن لادن في مركز «قوات القدس» التابعة للحرس الثوري، وهذه وحدة خاصة من الميليشيا تحت إمرة الزعيم الديني علي خامنئي. وذكر تقرير صحيفة «فيلت أم زونتاغ» أن «قوات القدس» تعمل حاليا على مراقبة أعضاء «القاعدة» في إيران، تقوم منذ سنوات بتدريب متطرفين إسلاميين. وقال التقرير إنه خلال التسعينيات قام ضباط تابعون للبازدران بالمشاركة في تدريب مقاتلين في «القاعدة» في معسكر للتدريب في السودان، وتقول مصادر المخابرات الألمانية إنها وكذلك الولايات المتحدة، لم تفاجأ بالمعلومات الدقيقة التي تملكها إيران عن قادة وأعضاء في منظمة «القاعدة» نظرا للعلاقة القديمة بين الجانبين. وقالت مصادر إيرانية إن حكومة طهران صرفت النظر عن تسليم قادة (القاعدة) للأميركيين مؤقتا بعد إشاعة معلومات قالت «أن إيران استجابت لضغوط خارجية وقامت بتسليم أعضاء في «القاعدة» إلى السلطات السعودية وأن إيران حريصة على عدم الإيحاء أنها تقايض على أعضاء (القاعدة) بسبب الضغط المتزايد الذي تمارسه عليها الولايات المتحدة خاصة بعد الاتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي على تضييق الخناق على إيران عن طريق الإصرار عليها كي تكشف عن أهداف برنامجها النووي والتوقيع على اتفاقية خاصة مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية».
وسعت الحكومة الإيرانية لإبلاغ الإدارة الأميركية بعرضها تسليم أعضاء (القاعدة) عن طريق قنوات مختلفة. وفي نوفمبر العام 2002 قام وسيط إيراني لا يملك صفة رسمية بزيارة إلى سفارة دولة غربية في طهران للحديث عن عملية تسليم سرية لـ 21 من كبار أعضاء منظمة (القاعدة) موجودين على أرض إيرانية. وكانت عملية التسليم التي عرضها الموفد الإيراني تشبه سيناريو فيلم العميل السري البريطاني جيمس بوند، وتقضي بأن يجري وضع هؤلاء داخل سيارة تتجه إلى سفارة دولة غربية تختارها واشنطن، ثم العمل في تأمين سفرهم سرا إلى غوانتنامو. واستخدمت إيران وسطاء يعملون بصورة غير رسمية لنقل رغباتها إلى الولايات المتحدة الأميركية منعا لافتضاح أمر اتصالاتها لاحقا وسهولة نفي وجود اتصالات مباشرة بين الحكومتين الأميركية والإيرانية.
بعد تجاهل واشنطن الإشارات التي صدرت من طهران تعتزم إيران محاكمة غالبية أعضاء «القاعدة» الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وتقول إن بلدانهم الأصلية لا ترغب في استلامهم ومحاكمتهم على أراضيها لأنها تخشى عند عودتهم أن يزيد نفوذ المتطرفين الإسلاميين. وقالت صحيفة «فيلت أم زونتاغ» إنه لم يجر استجواب أبوغيث وسعد أسامة بن لادن بشأن هجوم 11 سبتمبر/أيلول العام 1002 وأكدت أنهما إلى جانب عدد من أعضاء «القاعدة» يتنقلان تحت حماية حرسهما الشخصي، بحرية تامة في إيران لكن إلى متى؟
العدد 374 - الأحد 14 سبتمبر 2003م الموافق 18 رجب 1424هـ