أضحك كثيرا عندما أسمع لفظة الديمقراطية في عالمنا العربي، فنحن أقل الناس تورطا بهذه الفلسفة اليونانية ولو قام أي أحد منا بقياس حسابي لهذه المفردة في خطابات أنظمتنا الرسمية فانه سيجدها أكثر المفردات استخداما فلا يمر خطاب ولا محاضرة ولا تصريح ولا ندوة إلا وتسمع تغزلا بهذه المفردة التي أصبحت تعزف يوميا في صالونات السياسة وفي المحافل العامة وتزداد ضحكا عندما تقرأها عند أكثر الناس تورطا في الفساد. فهتلر في كتابه «كفاحي» نفخ أوراق الكتاب كتابة في الديمقراطية وراح يذكر الديمقراطية التي تعجبه فهو يريدها جارية تفرك له أصابع قدميه نهارا وتنام معه ليلا على سرير السياسة كي تنجب له أطفالا... نعم أي أطفال حتى ولو كانوا مشوهين فكريا وثقافيا ويريد أن يكون هو اللاعب الوحيد على مسرح واحد يكون فيه هو البطل وهو البطلة - ولو لازم ذلك الشذوذ - وهو المنتج وهو المخرج وهو المصور وتلك لعنة النرجسية التي ابتلينا بها في عالمنا العربي وأصبحت سمة بارزة لأنظمتنا العربية التي مازالت تعمل على لملمة البقية الباقية من أصنام المثقفين وأنصاف النخب الذين لعبوا طويلا على بيع الناس ثقافات مدجنة. وكثير هم الذين تورطوا في صفقات التصفيق ولعلةٍ أطالوا صلاتهم. هي لعبة السياسة أن تبكي أمام الفقير بكاء انتخابيا ثم تتورط في صفقات ليلا ناسيا أن الله لا ينسى دموع فقير ودعاء مسكين كسر مرتين مرة لأنه آمن بالحرية ثم تباع ليلا في سوق النخاسين على أنخاب أوجاع ليالٍ قضتها الجماهير وهي تحلم بالحرية ورائحة الخبز ومرة عندما يباع وهم الثورة التي تتبدل حروفها في لحظة لتتحول إلى ثروة. مسكينة هذه الأمة التي يحولونها بحسب المصالح في دولنا العربية من جرادة إلى فراشة. فعلا هي مسكينة ولكنها - وبعيدا عن العواطف - هي المنتصرة كما قال غوستاف لوبون في كتابه «سيكولوجية الجماهير».
الكل يضحك على هؤلاء الطيبين الذين «هم أقل حظا ساعة توزيع الغنائم» وكيف يتملص منهم عند اشتداد الأزمات.
وتلك هي الديمقراطية العربية بيع الناس أوهام الحرية، فسرقة المال العام لا تعد تعدٍ على الوطنية، الربت على كتف من يستغلون النفوذ لا يعد تطاولا علي الوطنية، اختزال الثروة والهدر اليومي من أموال الشعوب يعد رشدا وحكمة، التستر على المجرمين لا يعد انتقاصا من الديمقراطية!! وهذا يحدث كثيرا والمصيبة تكبر فأضعف الناس علما وشهادة وتفوقا بل وفاشلون في دراساتهم الأكاديمية تجدهم يتقدمون صفوف المناصب مديرا وغيره... ومن المخازي العربية في إحصائية طرحها أحد المفكرين ان أكثر المتقلدين لمناصب المؤسسات العربية هم أقل الناس كفاءة ومنطقا، فكم من خريج ثانوية عامة يرأس موظفين دكاترة ومفكرين وعلماء، ومنهم من لا يحسن فك الخط ومنهم من لا يحسن تركيب جملة مفيدة ارتجالية، لذلك لا تعجب من هروبهم من الصحافيين ووسائل الإعلام على رغم ولعهم بالشهرة والأضواء. طبعا هذه السوءات من التوظيف لا تجده في الغرب فهناك معيارية الكفاءة لا الثقة وعندنا - عربيا - معيارية الثقة لا الكفاءة، لذلك تقدموا، ولذلك تأخرنا وطبعا - اثبتت التجربة - ان وزيرا ضعيفا لا يمكن أن يقبل بكفاءة أقوى منه، لذلك لن يكون طريق أمثال هؤلاء إلا التهميش.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 374 - الأحد 14 سبتمبر 2003م الموافق 18 رجب 1424هـ