العدد 374 - الأحد 14 سبتمبر 2003م الموافق 18 رجب 1424هـ

إعادة بحث الأزمة العراقية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك الكثير من المداولات الجارية الآن لاعادة بحث الازمة العراقية. إعادة البحث تعني ان الحرب على العراق لم تكن الحل فهي انهت مرحلة (الاستبداد) ولكنها الغت سيادة دولة... الامر الذي طرح مسألة الاحتلال على بساط من الحوار الساخن.

ومجرد قبول الولايات المتحدة باعادة بحث الازمة العراقية يعتبر بداية اعتراف ضمني بفشل الاحتلال او على الاقل رفض الشعب العراقي التطبيع مع النتائج التي اسفرت عنها الحرب.

والسؤال ما المسار الذي يمكن ان تأخذه المداولات الجارية الآن في اكثر من مكان وعلى مختلف الاصعدة وكيف يمكن قراءة الازمة العراقية في الامد المنظور؟

الولايات المتحدة وافقت حتى الآن على التنازل عن فكرة الهيمنة من دون ان تتراجع عن موضوع الاحتلال. فهي تريد مشاركة الدول الاوروبية في ترتيب القوى التي تشرف على ادارة الدولة ولكنها لا تريد ان تتنازل عن كونها القوة الرئيسية في قيادة تلك الادارة المقترحة.

اوروبا منقسمة على النسبة ولكنها بدأت تميل إلى نوع من التنسيق الذي يضمن وجودها في اطار من الشرعية الدولية وهذا يتطلب التفاهم مع الولايات المتحدة.

روسيا اكثر حماسا من اوروبا في الدفع نحو «تدويل» الازمة العراقية في حال وافقت واشنطن على التنازل عن شروطها القاضية بالمشاركة النسبية للدول الاخرى من دون تفريط بقيادتها او بحصتها الكبرى في الادارة والقوة العسكرية. الصين أيضا ليست بعيدة عن الموقف الروسي - الاوروبي.

هناك إذا ازمة احتلال. فالكلفة مرتفعة الثمن (قرابة 4 مليارات دولار شهريا)، والخسائر البشرية يومية وفي ارتفاع متزايد، والاخطاء التي يرتكبها الاحتلال بسبب قلة خبرته ومعرفته تزيد من صعوبات واشنطن وتوسع قاعدة المتضررين من وجودها... واخيرا تبدو ان امكانات الاعتماد على قوى محلية لبسط الهيمنة اخذت تتراجع نظرا لضعف تمثيلها الفعلي للناس. فالحكومة العراقية (مضافة إلى مجلس الحكم الانتقالي) تبدو انها غير قادرة على كسب ثقة الناس حتى لو نالت بعض الاعتراف العربي والمساندة الدولية. فمشكلة الحكومة داخلية وليست خارجية. وحين تفشل حكومة ما على تقديم الحلول لمشكلات الناس وحاجاتهم من أمن وخدمات من الصعب تسويقها في الخارج كحل مؤقت لازمة انتجها الاحتلال نفسه.

ليس المهم ان تتضمن تشكيلة الحكومة مجموعة اسماء تملك كفاءات وخبرات... المهم بداية ان يوافق الاحتلال على اعطاء رجالها صلاحيات للادارة واتخاذ القرارات. وهذا حتى الآن لم يحصل. فالحكومة مجرد صورة خارجية إذ يقف وراء كل وزير مجموعة من المستشارين الذين يديرون دفة الحكم وفق رغبات تمليها مصالح الشركات الاميركية وليس مصالح الشعب العراقي. فكل الاتفاقات التي ابرمتها الحكومة لاعادة الاعمار ومد شبكات النقل والانتقال والاتصال واستخراج الطاقة تعتبر وفق المعايير الدولية اتفاقات جائرة وغير شرعية وتتطلب اعادة نظر في بنودها وملاحقها.

هذا النوع من السياسة الاقتصادية يضعف صدقية الحكومة العراقية ويضعها في مواجهة يومية مع الشعب حتى لو نالت الاعتراف العربي - الدولي بشرعية وجودها ودورها. فمشكلة الحكومة مع العراقيين وليست مع الدول العربية واساس تلك المشكلات هي الاحتلال الذي يريد تحويل سيطرته العسكرية الى هيمنة سياسية تعتمد على وجود شركات تعمل على توقيع اتفاقات تضمن للولايات المتحدة احتكارها الشامل للاقتصاد العراقي.

وهذه المسألة... مسألة الاقتصاد يجب ألا تكون غائبة عن المداولات الجارية الآن لاعادة بحث الازمة العراقية. فالولايات المتحدة تريد تفكيك الجانب العسكري من الاحتلال من خلال مشاركة الدول الاوروبية في قواتها لدفع جزء من الكلفة المالية والبشرية... ولكنها حتى الآن تريد احتكار كل الاتفاقات التي تضمن سيطرة آحادية للشركات الاميركية وتقرير سياسة العراق ومستقبله. وهذا جانب آخر من المعركة. وعلى الدول الكبرى والاوروبية والعربية ألا تسمح للولايات المتحدة بكسب هذا الجانب من المعركة. فالتدويل (أو التعريب) ليس مسألة تقنية عسكرية وانما هو موضوع شامل يبدأ بالجيوش وينتهي بالمال والاقتصاد. وهذا هو اصلا سر اعلان الولايات المتحدة حربها على العراق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 374 - الأحد 14 سبتمبر 2003م الموافق 18 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً