لاحظ زئيف شيف في «هآرتس»، ان الجميع في الدولة العبرية من سياسيين ومواطنين عاديين يطالبون بطرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وان هؤلاء يقولون إن عرفات، هو العقبة الأولى في وجه التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبأن طرده سيسمح لرئيس الحكومة الفلسطينية بتنظيم حكومته والبدء بالمفاوضات. إلا أن شيف، سخر من هؤلاء بالقول إنهم يدعون لطرد عرفات، وكأن ذلك من شأنه أن يولّد حلا «سحريا» للمشكلات في الأراضي الفلسطينية وللنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في يوم طرده من رام الله. ورأى شيف، ان عرفات، هو مشكلة فعلا، إلاّ أن ذلك لا يعني أبدا ان ترحيل الرئيس الفلسطيني سيحل مشكلات الأمن. وعرض شيف، من جهة أخرى السيناريوهين اللذين قد تقرر في إطارهما الحكومة الإسرائيلية طرد عرفات: الأول يقول إن الحكومة ستقرر طرده في حال استمر في رفضه تسليم كل الأجهزة الأمنية لرئيس حكومته. أما السيناريو الثاني فيقول إن عرفات، سيواصل جهوده الرامية إلى تقويض الحكومة. وهو أمر سيقود إلى اتساع رقعة العمليات «الإرهابية» وهذا بدوره سيرفع التأييد الحكومي الإسرائيلي لطرد عرفات. إلا أن شيف، استدرك بالقول إن الحياة مليئة بالمفاجآت، لذلك يمكن أن نرى عرفات، ينجح في تعيين شخصية مقربة منه ليسلمها المسئوليات الأمنية. وهو أمر قد يضع «إسرائيل» في موقف حرج إزاء قرار طرده. واستنتج شيف، انه يتوجب على «إسرائيل»، أن تدرس جيدا مدى الضرر الذي قد يلحقه طرد عرفات، بـ «إسرائيل»، مؤكدا أن الضرر الذي يتسبب به بقاء عرفات، «أسيرا» في رام الله، أقل بكثير من الضرر الذي قد يلحقه طرده من الأراضي الفلسطينية.
كذلك اعتبر عكيفا إلدار في «هآرتس»، ان حملة تشبيه عرفات بالرئيس العراقي المخلوع صدام حسين من شأنها أن تؤدي إلى قرارات خاطئة بما يتعلق بحياة الرئيس الفلسطيني... وسأل: هل كان الأميركيون سيحاكمون صدام لو انه كان يناضل طوال حياته من أجل دحر قوات الاحتلال عن أرضه مثلما كان يفعل عرفات؟... ثمة فرقا مهما بين الحال العراقية والحال الفلسطينية وهو ان الولايات المتحدة تريد الخروج من العراق بينما القوات الإسرائيلية لا يبدو انها راغبة في ترك الأراضي الفلسطينية. وكتب إلدار مقالته للرد على الذين يحاولون تشبيه عرفات بصدام حسين، وأوضح إلدار، زاعما انه على رغم أن عرفات، يشرّع «الإرهاب» ويعتبره وسيلته الوحيدة في المرحلة الراهنة لتحقيق مآرب سياسية. وتساءل إلدار في هذا السياق هل الآثار التي قد تترتب على تصفية زعيم مثل صدام، هي نفسها الآثار التي ستترتب على تصفية أهم شخصية في الأراضي الفلسطينية؟ وتوجه إلدار، إلى وزير الصناعة والتجارة ووزير الإسكان الإسرائيليين اللذين يقودان حملة المقارنة بين عرفات وصدام، بالسؤال عما إذا كان بإمكانهما ضمان حياة الفلسطينيين الذين وصفهم على نحو كاريكاتوري بأنهم يعيشون عند قدمي الرئيس الفلسطيني، في حال تمت تصفية هذا الأخير؟ إضافة إلى ذلك حذر إلدار، المسئولين الإسرائيليين من المقارنة بين صدام وعرفات، لأن الفلسطينيين سيقتنعون فعلا ان «إسرائيل»، تنوي محاكمة عرفات أو تصفيته ما يولد حالا من الإحباط في صفوف الفلسطينيين. وختم مذكرا أن ثمة فرقا مهما بين الحال العراقية والحال الفلسطينية يكمن في ان الولايات المتحدة، تريد الخروج من العراق بينما القوات الإسرائيلية لا يبدو انها راغبة في ترك الأراضي الفلسطينية.
من جانبه أليكس فيشمان في «يديعوت أحرونوت»، عرض لسلسلة من السيناريوهات التي ستتأتى بعد استقالة أبو مازن، التي بحسبه ستعيد قضية التعاطي مع عرفات إلى رأس سلم أولويات الحكومة الإسرائيلية، وتجعل الاستعدادات لطرده من المنطقة أكثر ملموسية من أي وقت مضى. ولفت إلى ان ثمة إحساس بأن الأميركيين سيؤيدون مثل هذه الخطوة لأنهم يعتبرون عرفات المسئول عن إسقاط حكومة أبومازن.
أما «إسرائيل» التي لا تحتمل عودة عرفات إلى مركز الساحة السياسية، فإن مسألة طرده لا تعود مسألة نظرية. ومن المنطقي الافتراض، يقول فيشمان، ان أي فلسطيني عاقل لن يحل محل عرفات، لأنه ببساطة سيلقى حتفه. وسيعود المجتمع الفلسطيني إلى إدارة نفسه عبر اللجان الشعبية، والعودة إلى مرحلة ما قبل أوسلو.
وستحتل المجالس البلدية دورا أكثر أهمية وستضطر «إسرائيل» لفعل ما لا ترغب في فعله: العودة إلى المدن وتشكيل الإدارة العسكرية قديمة الطراز، وتحمل نفقات بمليارات الدولارات. والصراع ضد ما يسميها فيشمان، «العصابات الإرهابية» المحلية سيصل إلى ذرى جديدة ويجبر «إسرائيل» على العودة أيضا إلى قطاع غزة. أما السيناريو الأكثر تفاؤلا بحسب فيشمان، فهو أن تنجح الضغوط الدولية في استعادة «الهدنة» وإقناع «إسرائيل» بتبني وقف النار بشروط محسنة. ويقوم عرفات بتعيين رئيس حكومة مقبول عند الأميركيين، ويعيدنا بشكل أساسي إلى «شرك العسل» الذي كان قبل عملية القدس، إلى الهدوء النسبي إذ تقوم المنظمات الإرهابية بإعادة بناء نفسها ويشعر قادتها بأنهم أقل تعرضا للخطر. أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر واقعية، كما يرى فيشمان أن يستمر الوضع الراهن، من الضغوط الإسرائيلية على السلطة ومحاولات الحكومة الواهنة للتعامل مع قشرة البنية التحتية للإرهاب. وهذا الوضع قد يستمر أسابيع، ولكن فيشمان، يرى ان أية «عملية إرهابية كبيرة» بوسعها أن تحدد مصير اتجاه الأمور. ورأى داني روبنشتاين في «هآرتس»، ان سقوط الهدنة ليس السبب الرئيسي بل تنامي الشعور الفلسطيني بأن الحكومة ليست مخلصة كليا للشعب الفلسطيني. زاعما ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، هو المسئول عن تعزيز هذا الشعور. وأوضح ان الشعار الذي رفعه عرفات، ولايزال هو ان الفلسطينيين هم المسئولون عن تقرير مصيرهم ولا يجب أن يكونوا رهائن بيد عناصر سياسية خارجية. وأضاف أن عرفات، يؤكد أمام الجميع أنه لن يكون عميلا لأية جهة خارجية وانه يفضل النضال والدخول إلى السجن على أن يسلم مصالح شعبه إلى يد غريبة. ولاحظ روبنشتاين، ان عرفات لجأ طوال حياته إلى اتهام كل من يقف في وجهه بأنه عميل بدءا بأبو موسى، الذي انشق عن فتح في لبنان العام 3891 وانتهاء بأبومازن اليوم.
العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ