ازدحام غريب في محلات الملابس والحقائب والأحذية المدرسية، ففي كل عام تبدأ رحلة الزحام في هذه الفترة من السنة.
في هذه المحلات التي تعرف كيف تتفنن في جذب الزبائن، وأن الطفل هو المحرك الرئيسي لمؤشرات العرض والطلب، وهو أكبر وسائل الضغط على الوالدين... من هذا المنطلق يتعمد التجار إلقاء كل الإغراءات الممكنة حول الطفل ليقع في الفخ المنصوب، وتدخل الشخصيات الكارتونية (سبيدرمان - باتمان - سوبرمان) وسيلة لتجميل السلع المدرسية، وعاملا مؤثرا على الطفل.
ومهما حاول الأب أن يرفض المشاركة في هذه المهزلة الشرائية، ومهما أرادت الأم أن توازن بين رغبة طفلها والموازنة المتاحة، في النهاية يشتري الأب وتصمت الأم، ويربح التاجر على حساب أحلام الصغار.
وإذا كانت أسر طلبة المدارس الحكومية تعاني من أسعار الملابس والأحذية والحقائب المدرسية، فبعض أسر طلبة المدارس الخاصة تعاني بالإضافة إلى ذلك من الأسعار الباهظة للمصاريف المدرسية، وأسعار الكتب الجنونية، هذا بالإضافة إلى المصاريف النثرية على مدار السنة التي تحتاج إلى موازنة خاصة جدّا. وعلى رغم كل هذه المعاناة فإنك ما إن تدخل هذه المدارس حتى تجد طوابير لأولياء الأمور، بعضهم يشتري كتبا، والبعض الآخر يسدد المصاريف، ونظرة واحدة إلى بعض الوجوه كفيلة بأن يعرف الجميع أن من أجل فلذات الأكباد يهون كل شيء.
قد يطرح السؤال نفسه: ولماذا تلحقون أولادكم بمدارس خاصة لا تقدرون عليها؟، ألا تقول الأمثال «إللي ما معهوش ما يلزموش، وعلى قدر لحافك مد رجليك»؟
في مهب الريح
قال أبويوسف: «ربما يكون من المنطقي - وراتبي لا يتجاوز 008 دينار، وزوجتي لا تعمل، وعلي من الديون ما يفوق طاقتي- أن ألحق ولدي بمدرسة حكومية، وأتخلص من مصاريف المدرسة الخاصة التي تثقل كاهلي، ولكني أفكر في مصلحة ابني، ولا أريده أن يتعب كما تعبت. ثم إن مستوى المدارس الحكومية في تدهور مستمر، فكيف أضع ابني في مهب الريح وأقول لا أستطيع؟، لو لم أكن أعاني من الديون لكانت مصاريف المدرسة الخاصة شيئا معقولا، وخصوصا أنني ألحقت ولدي بمدرسة لا تغالي كثيرا في المصاريف إذا قورنت ببعض المدارس الأخرى».
لا نختار
«نحن لا نختار، ولكنه واقع مفروض علينا»، بهذه العبارة انطلقت سميرة - والدة طالبة في إحدى المدارس الخاصة - وأضافت: نعم نحن لا نختار مدارس خاصة حتى «نفوشر قدام أهل الفريج»، ولكنا مغصوبون على هذا الواقع. لو سعت وزارة التربية إلى رفع مستوى المدارس الحكومية في البحرين لما دخلنا في دوامة مصروفات المدارس الخاصة؟
المشكلة أن البعض يظن أننا أصحاب الاختيار، وهذا خطأ، أنا مع الرأي القائل إن الإنسان لابد أن يعيش وفقا لدخله، وأنا على أتم الاستعداد أن أعيش على قدر دخلي ودخل زوجي، ولكنا لا نستطيع أن نحرم أولادنا من تعليم متميز حتى لا نضغط على أنفسنا؟
ليست كل المدارس
ويرى مبارك - ولي أمر - أن ليست كل المدارس الخاصة تستغل أولياء الأمور، ويقول: «لابد أن يدرك الجميع أن هناك ضريبة لكل شيء، وطالما أن ولي الأمر ألحق ابنه أو ابنته بمدرسة خاصة فلابد أن يتحمل مصاريفها، لأن بعض المدارس الخاصة تقدم خدمات متميزة مقابل المصروفات التي يسددها ولي الأمر، ثم لو كانت مصروفات المدارس الخاصة متدنية لاستطاعت معظم الفئات أن تلحق أولادها بتلك المدارس، وهذا يعني تكرار المشكلات التي تحدث في المدارس الحكومية من زيادة عدد الطلاب في الصف، وعدم استطاعة المدرس توصيل المعلومات إلى الطلاب.
والمعروف أن المدارس الخاص تختار مدرسين ومدرسات على كفاءة عالية، وتوفر للطلاب الكثير من الأدوات التي لا تتوافر في المدارس الحكومية، ولابد أن توضع هذه الكلفة في الاعتبار عندما نتحدث عن ارتفاع مصروفات المدارس الخاصة».
وزارة التربية مسئولة
وتؤكد فئة أخرى من أولياء الأمور مسئولية وزارة التربية في إلحاق الطبقة المتوسطة أبناءها بالمدارس الخاصة، وتعزو ذلك إلى عدم حرص الوزارة على القيام بجهد حقيقي لرفع مستوى التعليم في المملكة. وتشير إلى أن توافر مستوى معقول من التعليم في المدارس الحكومية يتناسب مع احتياجات سوق العمل سيحرك المؤشر في صالح المدارس الحكومية، وتعلق: «نحن نتساءل: هل مستوى التعليم الحكومي المتوافر اليوم في مدارسنا يتناسب مع المهارات التي يتطلبها السوق البحريني ليجد المرء وظيفة؟، وإذا كان هذا هو الحال في الوقت الحاضر، فماذا سيكون الوضع بعد عشر سنوات، وما المواصفات التي يجب أن تتوافر في الباحث عن عمل حتى يجد الوظيفة؟، وإذا توافر لأولادنا مستوى جيد من التعليم مجانا، فلماذا ننفق ونستدين من أجل تعليمهم؟».
قضية أخرى
قضية أخرى تطرحها بعض المدارس الخاصة، وهي قضية تسرب بعض مدرساتها بعد تعيينهن في المدارس الحكومية، ما يسبب إرباكا في هذه المدارس.
تقول مديرة إحدى المدارس الخاصة: «لا ننكر حجم تعاون وزارة التربية مع المدارس الخاصة، ومقدار دعمها لها، فالوزارة تساند المدارس الخاصة بكل ما أوتيت من قوة، ولا أمانع أن تذهب بعض المدرسات للعمل في مدارس وزارة التربية، فكل الطلبة والطالبات أولادنا وبناتنا، والمهم أن تخدم المدرسة وطنها وتراعي ضميرها في عملها. وما أتمناه أن تخطر الوزارة مدرسات المدارس الخاصة اللاتي وقع عليهن الاختيار قبل نهاية العام الدراسي حتى يتوافر لدينا الوقت لاختيار بديلات عنهن على المستوى نفسه من الكفاءة، فانسحاب المدرسات في مطلع العام الدراسي أو بعد أشهر من بدء العام الدراسي يسبب إرباكا كبيرا لهذه المدارس الخاصة».
راتب أعلى وجهد أقل
مديرة أخرى تقول: «ولي الأمر الذي يلحق ابنه بمدرسة خاصة يبحث عن مستوى متميز من التعليم، وهذا يجعلنا نحرص على دقة اختيار المدرسين والمدرسات، وسحب أعضاء هيئة التدريس بشكل مفاجئ قد يحرم الطلبة من التميز المطلوب في المستوى التعليمي.
«إنهم يفضلون المدارس الحكومية لأنها تمنحهم راتبا أعلى وتطالبهم بجهد أقل»... هكذا ترى مديرة مدرسة خاصة القضية وتضيف: «كيف يمكن أن نمنع المدرسات من التعيين في الوزارة، فلو حاولنا ذلك نكون ساهمنا في تدني مستوى الخدمات التعليمية في مدارسنا، فالمدرسة التي لا ترغب في العمل لن تستطيع أن تعطي الإنتاج المتميز المطلوب». وهنا، وبعد أن طرحت أكثر من قضية في مطلع العام الدراسي الجديد، يبقى سؤال: كيف نحقق المعادلة الصعبة بتوفير مستوى تعليم متميز لأبنائنا، بكلف معقولة لا تكسر الظهر؟
العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ