مقارنات كثيرة تجري بين البحرين وبلدان أخرى، ولكن بعض المقارنات غير صحيحة. في مطلع السبعينات كان البعض يتحدث عن «هونغ كونغ» باعتبارها مثالا يمكن للبحرين الاقتداء به، غير أن ذلك البلد اصبح عملاقا اقتصاديا يقارع الدولة البريطانية (من ناحية دخل الفرد) التي كانت تستعمره حتى سنوات قليلة خلت. والمقارنة كانت خاطئة منذ البداية.
ثم كانت سنغافورة هي الانموذج، وهي البلد الأقرب إلى وضع البحرين؛ فمساحتها تشبه مساحتنا، ولكن عدد سكانها يعادل سبع مرات عدد سكاننا، وليس لديهم نفط ومع ذلك استطاع السنغافوريون تحقيق مستوى معيشي مرتفع يقارن بالدول الأوروبية المتقدمة.
ثم ازداد الحديث أخيرا عن المقارنة مع دبي، وهو أمر محمود، ولكن بشرط أخذ الفروقات في الاعتبار؛ فنسبة السكان المحليين إلى الأجانب في إمارة دبي ضئيلة جدا، وبإمكان زائر ما أن يزور دبي ويتسوق ويعيش هناك عدة أيام ولا يرى إلا شخصا أو شخصين من المواطنين، ربما يكونان من موظفي الجمارك في المطار.
وهذا الأمر يختلف تماما عن البحرين التي يمثل الأجانب ثلث سكانها، وعلى رغم أن الثلث نسبة كبيرة فإن ذلك ليس كبيرا لو قارنا الأمر بثمانين أو تسعين في المئة من الأجانب في الدول الخليجية المجاورة.
في بريطانيا مثلا هناك حي في وسط لندن، مساحته ميل مربع، وهو الحي المالي الذي يطلق عليه «City». هذا الحي المالي يسكنه قرابة خمسة آلاف مواطن فقط، ولكن خلال النهار يتواجد فيه نحو نصف مليون إنسان يعملون في المصارف وأسواق الأموال وشركات التأمين وكل شيء يتعلق بحركة المال الدولية. وعلى هذا الأساس فإن بلدية الحي المالي تتم إدارتها على أساس أنها «شركة»، وهذه الشركة لها إدارة يتم تشكيلها بأسلوب من الأساليب القديمة، وتسير الأمور فيها كما لو أنها شركة تجارية. والحكومة البريطانية تتعامل مع البلدية ومع شئون الحي بصورة مختلفة جدا عن بقية الأحياء والمناطق. فبلديات الأحياء والمناطق الأخرى ليست شركات، وإنما حكومات محلية تدير الأمور على أساس أن هناك شعبا يعيش فيها، على عكس الحي المالي.
والموضوع متشابه عندما نتحدث عن البحرين ودبي؛ لأن الأخيرة شبيهة إلى حد ما بالحي المالي في لندن. والإنجازات الكبيرة التي حققتها دبي محل فخر لنا جميعا كخليجيين، ولكن لا يمكن تشبيه كل شيء بالبحرين.
إننا شبيهون بأوروبا الجنوبية في الستينات والسبعينات، ودول أميركا الجنوبية في الثمانينات. تلك الدول خرجت من أزماتها بعد أن عالجت الملف السياسي أولا. وما فعلته البحرين أمر صائب لأنها ركزت على الملف السياسي وينبغي لنا جميعا أن نصلح الوضع السياسي ونحركه إلى الأمام ونطالب بالمضي قدما في حركة الإصلاح حتى تتحقق المطالب الأساسية التي رفعها الشعب ومازال يعمل من أجلها.
ولكن علينا أيضا ألا ننسى الملف الاقتصادي الذي سيحدد مدى استمرارية النجاح السياسي أولا وأخيرا؛ فالملفات العالقة في الجانب الاقتصادي بدأت تتحرك والبحرين مقبلة على نمو في بعض القطاعات، وخصوصا مع اقتراب موعد بعض البرامج الكبرى مثل «سباق فورمولا 1»، والبدء بتطوير بابكو، وتحرير قطاع الاتصالات وإدخال مشروعات التجارة الإلكترونية، وتنشيط الصناعات الخفيفة والمتوسطة.
الملف الاقتصادي لم يكن سينجو لو لم يبدأ إصلاح الملف السياسي، والملف السياسي لن يكتمل نجاحه إلا بتنشيط الاقتصاد.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 372 - الأحد 12 أكتوبر 2003م الموافق 16 شعبان 1424هـ