لم تنته الحرب في العراق، على رغم ما اعلنه بوش في مطلع مايو/ أيار.
ذلك ما تؤكده الوقائع اليومية والتوابيت التي تنقل والتي لا تنقل إلى العاصمة الاميركية أو البريطانية، والأرقام التي نشرت حديثا مشيرة إلى أن عدد القتلى من الجيش الأميركي بعد اعلان بوش بات اعلى بكثير من قتلى الاسابيع الستة.
ولم يعد ممكنا اخفاء هذه الوقائع... بعد ان باتت حدثا يوميا يتساقط فيه الجنود الاميركيان والبريطانيون بفعل المقاومة أو بفعل الحر الشديد في العراق (الذي لم يعلن سقوط أي قتيل غربي بسببه).
وتسعى الولايات المتحدة إلى اعادة رسم الوضع العراقي برمته. وتطلب المساعدة من القوى المحلية العراقية، التي اكتوت كثيرا بنار صدام حسين بأن تقف معها في الوضع الجديد وان تكون واجهتها أمام العراقيين وأمام الرأي العام العربي والدولي.
وإذ إن العرب في مختلف انتماءاتهم القبلية لم يعودوا شيئا يذكر في نظر الولايات المتحدة، وانهم في الصورة الاميركية إما داعمون للارهاب وغاضون الطرف عنه كما هي حال السوريين واللبنانيين، أو مصدرون للارهاب كما هي حال الدول الخليجية... فإن الصراع على العراق هو صراع دولي بين الكواسر الكبار الذين يتحكمون أو لديهم دور في مجلس الأمن الدولي أو بالقرب منه...
وإذ تجلى العناد الاميركي والغطرسة في سلوكهم السياسي قبيل بدء الحرب عندما رفضت واشنطن اللجوء إلى مجلس الأمن لمباركة حربها، ووجد الفرنسيون والالمان وغيرهم انهم خسروا شوطا في اللعبة الطويلة على نفط الشرق الاوسط، فقد استبشروا خيرا بالمقاومة العراقية التي بدأت تفعل فعلها في الحسابات الاميركية البريطانية وكأنها الورقة الاساسية التي يمكن استخدامها من قبل المتصارعين الدوليين لإجبار واشنطن ولندن على العودة الى الشرعية الدولية والاستعانة بالحلفاء - الاعداء الاوروبيين لانقاذها من المستنقع العراقي.
إلا ان الاوروبيين المنقسمين على انفسهم في الشأن العراقي، والمتوحدين في الشأن الفلسطيني، إذ استجابوا إلى موقف واشنطن حيال حركة حماس، وبالتالي ساندوا الموقف الاميركي الصهيوني في تجفيف المصادر المالية لحركة المقاومة الفلسطينية واعتبار أبرز حركة تحرر فلسطيني حركة ارهابية سيلحقون بها بقية الحركات المناضلة الاخرى... وجدوا ضرورة التركيز على العراق لانتزاع ما يمكن انتزاعه من الاميركان.
والولايات المتحدة تتراجع أمام الضغط الشعبي العراقي، وخصوصا المسلح، فقد طلبت من الكثير من الدول الصديقة لها ان ترسل قوات عسكرية لمقاتلة الشعب العراقي، وفرض الاحتلال عليه. وارادت ان يصدر قرار من مجلس الأمن بإرسال قوات دولية إلى العراق تحت امرة الاميركان وان يبقى القرار السياسي بيد واشنطن... وهذا ما ترفضه الكثير من عواصم الدول الكبرى التي تريد اخراج واشنطن من العراق لكي تحصل على بعض من الكعكة العراقية إذ لا يمكن الحصول على شيء منها تحت قيادة برايمر ورامسفيلد.
وفي الوقت الذي تطلب فيه واشنطن من الدول العربية والاسلامية ارسال قوات لحفظ أمن الاحتلال، فإن بعض العراقيين يطالبون بأن يكون ذلك من الدول التي لا تجمعها حدود مع العراق. في الوقت الذي نتوقع منهم ان يقولوا إن الشعب العراقي كان يملك أكبر جيش في المنطقة، وان بالامكان الاعتماد على القوات العراقية لحفظ الأمن والاستقرار اذا لم يكن الهدف انقاذ قوات الاحتلال من المأزق الذي تورطت فيه، أو انقاذ المتورطين معها.
ما سنشاهده في الايام المقبلة هو مزيد من شد الحبل بين واشنطن ولندن من جهة، وباريس وبون من جهة ثانية وحولها سيتجمع فرقاء، صغار وكبار، عيونهم على النفط العراقي وعلى خيرات المنطقة.
حتى يقرر العرب طريقا، يمكنهم ان يكونوا جزءا فاعلا في هذه المعادلة. ولن يكونوا كذلك اذا رهنوا قرارهم بيد الولايات المتحدة الاميركية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالرحمن النعيمي"العدد 371 - الخميس 11 سبتمبر 2003م الموافق 15 رجب 1424هـ