العدد 371 - الخميس 11 سبتمبر 2003م الموافق 15 رجب 1424هـ

كسبت الجولة فهل تكسب المعركة؟

مراكز القوى في السلطة الفلسطينية

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

انتهت الجولة الاولى من الصراع بين مراكز القوى، في السلطة الفلسطينية، لصالح الرئيس المحاصر. عمليا انتهت الآن، لصالح منع الانزلاق في الطريق المؤدي الى اشتباك فلسطيني - فلسطيني. اشتباك بين خندق المهادنة وخندق المقاومة. وبذلك خاب الرهان الاسرائيلي - الاميركي. فهذا الثنائي عمل بحذاقة، منذ ولادة «خريطة الطريق» وأوهامها، على الوصول بالساحة الفلسطينية إلى هذه النقطة وتوريطها في عملية تدمير ذاتي، تحت لافتة محاربة الارهاب. باستقالة حكومة أبومازن يكون هذا المخطط قد اصيب بالفشل. لكن هل يلقي اصحابه السلاح؟ وقبل ذلك هل يقوى الفريق الرابح لهذه الجولة، على الصمود واسقاط هذا الخيار كليا وقطع الطريق عليه بصورة نهائية؟ وكيف؟ وبالتالي هل يقوم بتغيير قواعد اللعبة؟

هذه الاسئلة يفرضها واقع ان الصراع لم يحسم تماما بعد، وان المشهد الفلسطيني انفتح اكثر على تطورات متسارعة واحتمالات مختلفة، في ظل تصعيد اميركي اسرائيلي - اوروبي الى حد ما - أشرس، كما في ظل احتدام عملية غربلة داخلية، قد تكون فاصلة خلال وقت غير بعيد.

اكثر من اي وقت مضى، يكشف اللاعبون الاساسيون عن اوراقهم وغاياتهم. حكومة شارون حسمت واعلنت، في ممارستها كما في خطابها، في صدد حرب الاغتيالات، لقيادات «حماس» و«الجهاد الاسلامي». وكانت ذروتها امس في محاولة تصفية الشيخ أحمد ياسين. وهددت صراحة بإنزال «مصائب جديدة» بالفلسطينيين. كما شملت تهديداتها الرئيس الفلسطيني المحاصر والتلويح باحتمال طرده من الاراضي الفلسطينية الى المنفى. وفي هذا الكلام، الآن، اكثر من تهبيط حيطان. فهو يأخذ طابع التمهيد لخطوة غير بعيدة من هذا النوع، لأنه يأتي في سياق نقلة نوعية للهجمة العدوانية الاسرائيلية باتجاه استهداف الرؤوس الفلسطينية ولأول مرة عكسريا وسياسيا.

الادارة الاميركية، هي الاخرى، رفعت وتيرة تحريضها ضد الرئيس الفلسطيني؛ باعتباره، على حد زعمها، عقبة في طريق تنفيذ «خريطة الطريق» ومسئولا عن سقوط الحكومة الفلسطينية! وواضح ان هذا الموقف يصب في تزخيم حرب التصفيات التي اعتمدتها «اسرائيل» علنا في الآونة الاخيرة، ويقطع الخيط تماما مع عرفات. فريق المقاومة من جهته، اعلنا حربا شاملة، «لا حصانة لاي اسرائيلي فيها» وهدد بتدفيع الاسرائيليين «ثمنا غاليا جدا»، بعد «فتح ابواب جهنم» عليهم.

فريق المهادنة، الرافض لعسكرة المقاومة والمراهن على وعود بوش وخريطة طريقة، تراجع في الوقت الراهن. آثر ترك السلطة على دفع الامور إلى هاوية مواجهة كسر العظم، سياسيا وعسكريا ربما لانه لا يقوى على خوض هكذا معركة وتحمل مسئوليتها، أو ربما لانه ادرك، في النهاية، أن واشنطن مع تل ابيب، تريدان - او بالاحرى ارادتا من البداية - استخدامه وقودا في محرقة لا تعود إلا بالأذى البالغ على القضية الفلسطينية واصحابها.

في أية حال جاءت استقالة حكومة أبومازن، في احد اهم جوانبها، شهادة على مناعة الداخل الفلسطيني ضد الاقتتال، وفي ذات الوقت اعترافا بتعذر خرق هذه المناعة. ومن هنا كان الانفلات النوعي لحكومة شارون، على اثر انفجار قنبلة الاستقالة وقبولها من جانب الرئيس الفلسطيني. وكأن «اسرائيل» ادركت الرسالة البليغة لهذا التطور الفلسطيني، والتي تقول إن الرهان على حصان فلسطيني لجر الساحة الى الهاوية هو رهان في غير محله. ولذلك قفزت فورا اخذ الامور بيديها وفتحت النار على عموم هذه الساحة وجميع قياداتها. الامر الذي قذف الكرة، مرة اخرى، الى الملعب الفلسطيني. وتحديدا إلى ملعب الطرف الذي حسم الصراع السلطوي الداخلي لصالحه والمطلوب منه الآن بعدما انتقل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي الى طور أعلى من الشمولية والحسم، وتحديد موقعه بصورة ادق، في هذه المرحلة، التي لم تعد تحتمل مواقف وسياسات البين بين! اما انحياز صريح لا لبس فيه ولا ضبابية إلى خندق المقاومة الوطنية الموحدة، على قاعدة مغادرة نهج الشتاء والصيف على سطح واحد، واما مواصلة التمترس وراء الخط نفسه، الذي لم يعد يصلح حتى لشراء الوقت. بل صار عبئا له عواقب وخيمة. فالزمن الراهن لا يسمح باللعب على الحبال ولا بالتكتكة. هكذا اسلوب لا يلبي شروط المواجهة الراهنة «اسرائيل»، والمقبلة على المزيد من التصعيد وبدرجات غير مسبوقة من الفجاجة والشراسة. وليس من باب الترف أو المزايدة السياسية ان تتزايد المطالبات الفلسطينية المستقلة هذه الايام، بوجوب الاسراع إلى بناء قيادة فلسطينية موحدة على قاعدة برنامج مرحلي، تكون مواجهة الاحتلال عموده الفقري فهذه الاصوات التي استشعرت مخاطر اللحظة الراهنة وضعت الاصبع على الجرح. ذلك انه في غياب حدوث مثل هذه النقلة، في العمل الوطني الفلسطيني، فإن الساحة تبقى محكومة بالتفسخ، الذي يزيد من فتح شهية شارون واسرائيله على الامعان في استفراد قواها. وفي احسن الحالات - اذا جاز التعبير - تصبح هذه الساحة ماعونا قابلا لطبخة الوصاية - والوصاية الاميركية بالذات - التي بدأت سيرتها تدخل سوق التداول وحبس النبض، بصورة ملحوظة في الآونة الاخيرة. فالدوائر الاميركية، في الكونغرس وغيره، التي بدأت تخشى أخيرا من نمو المقاومة في الاراضي المحتلة ومن نمو عملياتها، فضلا عن عجز القوة الاسرائيلية عن اطفاء وكسر شوكتها، راحت تتحدث جديا عن خيار الوصاية، مخرجا يضرب عصفورين بحجر: ينهي المقاومة ويعفي «اسرائيل» من المزيد من التورط المكلف وارتفاع كلفة احتلالها. والمعروف انه سبق وطلعت دعوات (فلسطينية بالذات) تطالب بقوات دولية لحماية سكان الأراضي المحتلة. لكن مثل هذه الوصاية ليست ولن تكون غايتها حماية الفلسطينيين بل تهدف في الاساس إلى حماية «اسرائيل» على المدى البعيد. وليس ثمة رد إلا بالجبهة العريضة لحماية المقاومة وتطويرها. فهل تقوى القيادة الفلسطينية على مثل هذه القفزة قبل فوات الاوان؟

والا نكون بوصاية واحدة في العراق فنصبح على وصايتين. والحبل على الجرار

العدد 371 - الخميس 11 سبتمبر 2003م الموافق 15 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً