العدد 371 - الخميس 11 سبتمبر 2003م الموافق 15 رجب 1424هـ

بوش يطلب مساعدة الأمم المتحدة في العراق

الصحف الألمانية تكشف عن صراعات الإدارة الأميركية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

من تكون جيسيكا بورتر؟ يوم الأربعاء الماضي تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن القرار الذي اتخذته هذه الشابة الأميركية بعد نهاية الحرب على العراق بأن تحيك علما بيدها ترسله إلى أسرة كل جندي وقع في العراق. منذ اتخاذ جيسيكا بورتر هذا القرار أصبحت تفكر في استخدام آلة للحياكة لأن أصابعها تكاد تتعطل عن الحركة. كل يوم يرد من العراق نبأ يتحدث عن سقوط جنود. وقالت جيسيكا انها قررت إطلاع الرأي العام على قصتها لأنها تشعر أنها تحتاج إلى مساعدة في حياكة الأعلام التي تهديها إلى أسر الجنود القتلى.

إن الشعور بالإحباط نتيجة القرار الذي اتخذته بورتر يدل على أنها أدركت أبعاد حرب العراق وهذا الشعور بدأ يخالج إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش التي بدأت تشعر بالحاجة الماسة إلى مساعدة دولية في مهمتها في العراق. وتنقل يوميا من العراق أنباء وقوع هجمات على الجنود الأميركيين فيما تواجه عملية إعادة الاعمار عقبات متزايدة. وعلى رغم مضي أكثر من أربعة اشهر على نهاية الحرب مازال العراق في حال فوضى وعدم توافر الأمن. بعد إزاحة صدام حسين عن السلطة لم ينشأ مجتمع مدني جديد وعلى رغم محاولة واشنطن طمأنة منتقدي الحرب على العراق فإنها عينت حكومة محلية تشرف على أمور البلاد إلا أن الحاكم الفعلي في العراق هو بول بريمر الذي يستخدم وزراء الحكومة التي شكلها مجلس الحكم كحجارة شطرنج. الشعب العراقي لم ينتخب بريمر ولم ينتخب الحكومة الجديدة ولم ينتخب مجلس الحكم.

بعد أكثر من أربعة أشهر على نهاية الحرب على العراق بدأت نظرة الأميركيين، وخصوصا الجنود الموجودين داخل العراق، تتغير وليس غريبا أن يعتبر غالبيتهم أن الخطر الأكبر الذي يواجهونه في العراق هو وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد. فقد سعى هذا إلى هذه الحرب وتحقق له ذلك. وأراد أن تقوم وزارة الدفاع الأميركية بوضع نظام جديد في العراق وأن يمتد إلى سائر «دول الشرق الأوسط» لكن العمل بهذا المشروع الكبير توقف حين أدركت القوة العظمى أن لقوتها العسكرية حدودها السياسية وأن رامسفيلد وفريق الاستراتيجيين في وزارته أصابوا الخطأ في حساباتهم الكثيرة. والحقيقة التي تواجه رامسفيلد: ليس بوسع الولايات المتحدة وحدها مواجهة التحديات التي نشأت على أرض العراق بسبب الحرب، وبالإمكانات العسكرية فقط. كثيرون يجدون أن مهمة رامسفيلد منيت بالفشل في العراق.

نتيجة لهذا الفشل الذي سبقته وعود بأن يحصل العراق على نظام ديمقراطي وحياة زاهرة، بدأت تصدر علامات نفاذ الصبر ويطالب الحاكم المدني في العراق بأموال طائلة يزيد حجمها على عشرة مليارات دولار للبدء في عملية إعادة الاعمار وهذه فاتورة كبيرة يتعين على واشنطن سدادها نتيجة الدمار الذي ألحق بالعراق لكنها من جهة أخرى خطوة محرجة للرئيس الأميركي الذي يطمح في العام المقبل إلى الحصول على ولاية ثانية في البيت الأبيض.

أصبحت مغامرة العراق باهظة التكاليف وتدفع بالصقور إلى تدارك الخسائر. على سبيل المثال، نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج الذي كان حتى وقت قريب محسوبا على وزير الدفاع أكثر من ولائه لوزير الخارجية كولين باول، هو أول من زج بصورة مفاجأة احتمال تنازل واشنطن إلى الأمم المتحدة عن بعض النفوذ في العراق في المناقشات الدائرة عبر شطري المحيط الأطلسي. وتطالب الأطراف الأخرى في تحالف الحرب، بريطانيا وأسبانيا وبولندا، بوضع استراتيجية واضحة تجاه العراق بينما مجموعة أخرى من الدول مثل تركيا وفرنسا وإيطاليا تعرب للأميركيين عن استعدادها لتقديم المساعدة إذا اتخذت واشنطن خطوة إيجابية وسمحت للأمم المتحدة القيام بدور المشرف الرئيسي على تسيير أمور العراق.

ويكشف تمسك هذه الدول بالأمم المتحدة أن ليس منها من يرغب في دخول العراق كقوة احتلال. وأوضح اغتيال آية الله محمدباقر الحكيم بما لا يدعو إلى الشك أن احتلال العراق تسبب في نشوء ثغرة في السياسة والأمن وبعد أعمال السرقة والنهب جاءت أعمال القتل التي تجري لأسباب سياسية ودينية وتصفية حسابات شخصية. واتهمت صحيفة «زود دويتشه» الصادرة في مدينة ميونيخ إدارة الرئيس الأميركي بتجاهل خطورة الوضع في العراق وعدم وضع تصورات تكشف عن كيفية نهوض الدولة العراقية على قدميها من جديد. وكتبت الصحيفة تقول: ان الجنرالات الأميركيين يعرفون اليوم أنه ليس بوسع الجيش إعادة بناء العراق وهذا يتطلب أن يتنازل بوش إلى الأمم المتحدة. وتساءلت الصحيفة إذا متى سيقدم بوش على هذه الخطوة، هل حين يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر الجاري أم حين يبدأ مجلس الشيوخ الأميركي مناقشة الموازنة العامة قبل التصويت عليها أم عند وقوع عملية اغتيال كبيرة جديدة في العراق أم بعد فوزه بولاية ثانية في منصبه؟

تصطدم القوة العظمى بحدود قوتها التي كانت تجهلها قبل اندلاع الحرب. من الناحية العسكرية يبلغ عدد جنود الجيش نصف مليون من الرجال والنساء، 063 ألفا منهم يعملون في 021 بلدا. وأفادت دراسة وضعتها لجنة تابعة لمجلس الشيوخ أنه لن يكون بوسع الولايات المتحدة وحدها مواصلة احتلال العراق بعد نهاية الربع الأول من العام المقبل وأن مواصلة الاحتلال تفرض عليها الاستعانة بكامل الاحتياط من العسكريين أو تدويل الاحتلال بغض النظر على أن تجهيز شرطة محلية وبناء جيش عراقي جديد يتطلب الانتظار عدة أعوام.

من الناحية المادية أخطأ الاستراتيجيون في واشنطن الحساب وخصوصا الذين راهنوا على عائدات بيع النفط العراقي. فالحرب ابتلعت 54 مليار دولار حتى اليوم فيما تبلغ تكاليف الاحتلال مليار دولار في الأسبوع ويتوقع العراقيون أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة اعمار بلدهم بدءا بتجهيزها بمنشآت الماء والكهرباء والمستشفيات والمدارس وشق الشوارع وبناء الموانئ البحرية والمطارات وهي التجربة التي تذكر بالتكاليف التي مازالت الحكومة الألمانية تدفعها نتيجة إدماج ألمانيا الشرقية السابقة في العام 0991 بألمانيا الغربية.

إن نظرة سريعة على كلفة إعادة إعمار ألمانيا من شأنها أن ترعب الاستراتيجيين الأميركيين في واشنطن. لكن مقارنة مع العراق فإن ألمانيا الشرقية كانت تحوز بنية تحتية جيدة نوعا ما لكن كلفة إعادة اعمار الشطر الشرقي ما زال يكلف حتى اليوم نحو 08 مليار دولار سنويا. ووفقا لحسابات وضعها خبراء دوليون فإن تكاليف إعادة اعمار العراق تحتاج إلى 005 مليار دولار ولن يكون بوسع صناعة النفط في العراق بدء عملية الإنتاج بمعدل ستة ملايين برميل يوميا إلا مع حلول العام 0102 وستوفر المبيعات 04 مليارا سنويا ما يكشف أن الحرب كانت صفقة تجارية خاسرة.

ويعتقد أحد المعلقين المرموقين في صحيفة «دير تاغيس شبيغل» الصادرة في برلين، مالتي فليمينغ، أن بوش الذي أخذ كثيرون عليه عدم إلمامه بالسياسة، سيرد على معارضيه السياسيين في واشنطن وعلى منتقدي سياسة ادارته في الخارج بالتجاوب مع الرغبة الدولية بالتعاون مع الأمم المتحدة في العراق، لكن ليس لأنه يشعر بالخناق ولكن لأسباب انتخابية بحتة.

وقال تقرير نشر على شبكة «شبيغل أون لاين» ان بعض أعضاء الحكومة الألمانية يتوقعون أن تقوم الإدارة الاميركية باستجداء ألمانيا كي تقدم اليها مساعدة عسكرية عاجلة في العراق. وتحدث التقرير عن خلاف واضح على التطورات في العراق داخل الإدارة الأميركية. فحين يعول وزير الدفاع على قوة عسكرية عراقية تعمل على حفظ الأمن فإن غريمه السياسي التقليدي وزير الخارجية كولين باول يؤيد مشاركة قوة دولية في عملية حفظ الأمن والاستقرار في العراق. وجاءت تصريحات الوزيرين المتناقضة بعد الكشف عن مشروع قرار جديد عن العراق تقدمت به واشنطن إلى مجلس الأمن الدولي للموافقة عليه ويدعو إلى تشكيل قوة سلام دولية لمساعدة القوة العظمى في العراق.

ووفقا لمعلومات نشرتها صحيفة «لايبسيغر تسايتونج» الصادرة في مدينة لا يبزنغ، يزداد الضغط على الحكومة الألمانية كي تعدل عن موقفها الرافض للمشاركة بقوة عسكرية. وقالت الصحيفة ان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي جورج روبرتسون يجري اتصالات أسبوعيا مع برلين ويحثها على المشاركة ضمن قوة تابعة للحلف العسكري الغربي، وعلى رغم أن الحكومة الألمانية تحصل بصورة متواصلة على تقارير سرية تكشف خطورة الوضع الأمني في العراق فانها تتوقع أن تستجديها واشنطن لنجدتها. وكانت المتحدثة باسم قيادة حزب الخضر انجليكا بير قد صرحت قبل أيام بأن ألمانيا ستكون مضطرة إلى تغيير موقفها إذا صدر قرار تكليف من قبل الأمم المتحدة ما دفع شرودر إلى الرد بعنف على بير وقال: «ان ألمانيا تقوم بمساهمات عسكرية تزيد على طاقتها في عدد من مناطق النزاعات في البلقان وأفغانستان» إذ تم توسيع مهمات القوات المسلحة الألمانية في البلد الثاني وهي خطوة اعتبرها الكثيرون تعويضا عن مساهمة عسكرية ألمانية في المستنقع العراقي.

العدد 371 - الخميس 11 سبتمبر 2003م الموافق 15 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً