على رغم مرور عامين على الصدمة التي خلفتها هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الاقتصاد العالمي لاتزال غالبية الخبراء والمحللين تواجه صعوبات بالغة في رسم ملامح واضحة لمستقبل النمو الاقتصادي في العالم مع استمرار معاناته من وطأة الانكماش والركود التي تفاقمت في ظل تداعيات هذه الحوادث التي أشعلت سلسلة من الحروب تحت شعار مكافحة الارهاب امتدت من أفغانستان إلى العراق ولا يعرف العالم نهاية محددة لها.
وقد شكلت حوادث سبتمبر منعطفا خطيرا للاقتصاد العالمي الذي كان سجل معدلا مرتفعا للنمو بلغ نحو 1,4 في المئة في العام 2000 مع ارتفاع الناتج الإجمالي العالمي إلى زهاء 35 تريليون دولار.
ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فقد تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي مع بدء ظهور تأثير هجمات سبتمبر إلى أقل من 7,2 في المئة ليدخل في مرحلة ركود تتباين آراء الخبراء في المدة التي قد تستغرقها.
ويرى خبراء اقتصاديون أنه منذ 11 سبتمبر 2001 تم رصد ظواهر سلبية كثيرة اعترت الاقتصاد العالمي تمثلت في ارتفاع قيمة تعريفات شركات التأمين في قطاعات النقل الجوي والصناعة وتباطؤ معدلات السياحة والمبادلات التجارية العالمية التي تأثرت كثيرا بتراجع النمو الاقتصادي والحرب في العراق.
أما أسعار النفط التي تأثرت بشكل أكبر بسبب الازمة العراقية فتظل متقلبة فيما لاتزال الأسواق المالية حذره نسبيا على رغم التحسن الحالي في البورصات في محاولة للتكيف مع التحول نحو اقتصاد الحرب.
ويرى كبير خبراء الاقتصاد في كريديه أجريكول باسكال بلانكيه في باريس ان 11 سبتمبر شكل قبل كل شيء تحولا فكريا مع ادراك محدودية العولمة... مشيرا إلى أن الاعتداءات دفعت المتعاملين من الشركات والمستثمرين في الأسواق المالية إلى ادراك المخاطر التي تحدق بالاقتصاد فعليا.
ويقول بلانكيه: «فجأة ادركنا ان حوادث جيوسياسية يمكن ان تعرقل عمليات تبادل الاشخاص والسلع فضلا عن تدفق رؤوس الاموال وتبين لنا انه يمكن عرقلة عملية العولمة التي كانت تسير بسلاسة». ونبه الخبير الاقتصادي الفرنسي إلى أن 11 سبتمبر شكل عودة للعنصر الجيوسياسي للايديولوجية وللعنصر العسكري في مجال الاقتصاد.
على صعيد آخر يقول كبير خبراء الاقتصاد في مصرف كريدي ليونيه جان بول بيتبيز: «اننا اصبحنا نعي ان مخاطر أكبر تحيط بالعالم الذي نعيش فيه وأدركنا أن علينا أن نتعايش مع الإرهاب الأمر الذى يرفع الكلفة ويغير رؤانا فيما يتعلق بآفاق التنمية وبالعلاقات مع الدول الأقل ثراء».
ويرى كبير خبراء الاقتصاد في مورجان ستانلي اريك شاني أن الأهم في كل ذلك هو أن 11 سبتمبر أسهم في تغيير اطار تحليل السياسة الاقتصادية ولاسيما في الولايات المتحدة ليتسم بملامح التعامل مع اقتصاد حرب أكثر من أي شيء آخر.
ويشدد كبير خبراء الاقتصاد في مصرف اوف أميركا لمنطقة أوروبا هيدجير شميديت على أن الحكومات غيرت أولوياتها وهو ما تطلب زيادة في الانفاق لتلبية الاحتياجات الأمنية ما أدى بدوره إلى تفاقم العجز في الموازنات.
وتوقع شميديت أن يصل العجز الأميركي إلى مستويات قياسية تصل إلى 455 مليار دولار خلال العام الجاري بسبب التخفيضات الضريبية والانفاق على الدفاع ودعم ما يسمى بالقطاعات الاقتصادية المنكوبة.
ويقول خبراء اقتصاديون إن هجمات 11 سبتمبر جعلت المصارف المركزية مستعدة لخفض نسب الفائدة وسمحت نوعا ما بإعادة النظر في المبدأ الذي يتبناه المصرف المركزي الأوروبي.
وكان مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي قد أجرى عدة تخفيضات على معدلات الفائدة لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ العام 1961 لمعالجة التراجع الكبير لمؤشرات الأسواق وانفاق المستهلكين.
ويرى مراقبون أنه على رغم أن تغيير تقديرات النمو الاقتصادي - سواء بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي أو اقتصادات الدول منفردة - يعد من الأمور المعتادة فإن حوادث 11 سبتمبر وما تلاها من ردود فعل جعل من العسير على أي خبير أو مؤسسة أن تقدم تقديرات واضحة وصحيحة للوضع الاقتصادي بعيدا عن حزمة الإجراءات التى اتخذتها عدد من الدول وخصوصا الولايات المتحدة عقب تلك الحوادث بعد التراجع الشديد في معدلات النمو.
ومن هذه الإجراءات تخفيف السياسة النقدية وتسجيل تخفيضات ضريبية وتقديم المساعدات والحوافز الاستثنائية للشركات والمؤسسات المتضررة مباشرة. وعلى رغم ذلك فإن حال الغموض لاتزال هي السائدة وقد برهن على ذلك ما أكده مدير صندوق النقد الدولي هورست كوهلر الذي وصف توقعات وتقديرات النمو للاقتصاد العالمي التي تقدمها المؤسسات الدولية في ظل الأوضاع الراهنة أنها «أشبه بمطالعة الكف».
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة لاسال بفيلاديفيا وول شوبر إن ضربات 11 سبتمبر دفعت الاقتصاد إلى هوة ركود كان معرضا لها أصلا وبلغت خسائر الاقتصاد العالمي نتيجة تلك الحوادث نحو 035 مليار دولار وتراجع النمو بنسبة تقترب من 2 في المئة خلال نهاية العام الذي وقعت فيه الحوادث بينما تضاعفت هذه الخسائر لتصل إلى نحو 700 مليار دولار في العام 2002 وهي أكبر خسارة يتعرض لها الاقتصاد العالمي.
ومن هذا المنطلق فإن باب الاحتمالات سيظل مفتوحا بشأن قدرة دول العالم وخصوصا الدول الغنية على إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي واختصار فترة الركود حتى لا تستمر معاناة الاغنياء قبل الفقراء ويتوقف أنين الاقتصاد تحت أنقاض برجي مركز التجارة العالمي.
العدد 371 - الخميس 11 سبتمبر 2003م الموافق 15 رجب 1424هـ