النائب محمد عبدالله الشيخ قال لـ «الوسط» أمس الاول إنه انتهى من إعداد مسودة اقتراح بقانون «ينص على منح مخصص شهري للمواليد البحرينيين يتراوح بين الثلاثين والخمسين دينارا، وكذلك مخصص للمقبلين على الزواج يتراوح بين الألفين والثلاثة آلاف دينار».
هذه المخصصات جميلة والكل يرحب بها، ولكن من أين ستأتي؟ فالموازنة العامة تعاني من عجز شبه مستمر منذ الثمانينات وليست هناك حلول سحرية لسد العجز. فالحكومة تخطط لإنهاء العجز بعد أن تخصص قطاع الطاقة، وعلى هذا الأساس فإن العجز مستمر حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهذا كله يعتمد طبعا على نجاح برامج الخصخصة وزيادة تنويع الدخل من خلال المناطق التجارية الحرة وتشجيع الصناعات الخفيفة والمتوسطة وتطوير الموارد الأساسية الكبرى مثل بابكو وألبا وحقل أبوسعفة... إلخ.
النائب البرلماني من حقه أن يطرح ما يشاء، ولكن علينا أيضا أن نفرق بين الوعود القابلة للتحقيق والأخرى غير القابلة للتحقيق لظروف موضوعية.
إن ما طرحه النائب يتعلق بمفهوم «دولة الرعاية الشاملة» وهي الدولة التي تمتلك سياسة اجتماعية متكاملة تشتمل على خطط تتعلق بحماية قطاعات المجتمع من الفقر والضياع من خلال نظام فوائد تدفع للطفل والعاطل عن العمل ومن لديه إعاقة أو مرض مزمن أو أية فئة محرومة لسبب ما.
والرعاية التي توفرها الدولة تختلف عن تلك التي توفرها المؤسسات الطوعية، وهي تعتمد على مصدرين أساسيين، إما وجود دخل من موارد طبيعية يكفي لدعم برامج الرعاية، أو اقتطاع جزء من الضرائب التي يدفعها المواطنون الذين لديهم أعمال أو تجارة خاصة ومن ثم تقوم الحكومة بإعادة توزيعها للمحتاجين.
وحاليا لدينا مشكلة في البحرين؛ فالنفط يمثل ستين في المئة من دخل الحكومة، بينما دخل حكومات دول الرعاية يأتي معظمه من الضرائب... والحكومة لديها عجز في الموازنة على رغم وجود النفط الخام. ولكي تخصص الحكومة، مزيدا من المال للأطفال والراغبين في الزواج فإن عليها أن تحسب تكاليف هذا البرنامج. وإذا كان أحد المواطنين لديه أربعة أطفال (أقل من 51 عاما) فإن الدولة يتوجب عليها دفع 002 دينار شهريا، وهو معاش مماثل لما يحصل عليه كثير من المواطنين.
هذا شيء جميل فيما لو كانت هناك مصادر واضحة توفر هذا المبلغ باستمرار. غير ان هذا سيشجع على مزيد من الانجاب... ونعود إلى العصر الزراعي؛ فالفلاح كان يعتمد على أبنائه في الفلاحة، ولذلك كان يكثر من الإنجاب قدر الإمكان لأن كثرة الأبناء مصدر قوة لرعاية الزراعة.
إن السياسة الاجتماعية يجب أن تعتمد الجانب الأخلاقي الذي يوجب على أفراد المجتمع التعاون فيما بينهم، ولكن يجب أن تراعي الجانب الاقتصادي المتعلق بوجود الموارد المطلوبة ايضا، وإلا كانت الوعود مجانية وتستخدم للإثارة أكثر منها للتحقيق.
إن أخلاقية أي مجتمع تقاس بمدى رعاية أفراد المجتمع لبعضهم بعضا وسد حاجة المحتاجين. وهذا ما شهدناه في أعمال الصناديق الخيرية التي استطاعت - اعتمادا على العمل التطوعي - مساعدة الفقراء. وهذه الصناديق الخيرية هي أكثر المؤسسات التي تحتاج إلى مساندة لكي تقوم بواجبها بصورة أكبر وأفضل.
ولا أعتقد أن من العقلانية تخصيص أموال ضخمة لا نمتلكها، لكننا نستطيع أن نطالب الدولة بمساعدة الصناديق الخيرية وأن تفسح لها المجال لاستثمار أموالها وتطوير دورها من أعمال للرعاية الأساسية إلى خدمة التنمية الاجتماعية، تماما كما طرح «مؤتمر التنمية الاجتماعية» الذي نظمه صندوق سار الخيري وحضره ممثلو أكثر من سبعين صندوقا خيريا في البلاد في مطلع الشهر الجاري.
لقد كان من الأفضل أن يركز النائب محمد عبدالله الشيخ على طرح مشروع لدعم الصناديق الخيرية لكي نكون أكثر واقعية، وخصوصا أن الصناديق طالبت الحكومة بالسماح لها بإنشاء «الاتحاد العام للصناديق الخيرية» وفسح المجال أمامها لاستثمار إمكاناتها بشكل أفضل.
إن النواب مدعوون إلى مراجعة الحسابات الاقتصادية قبل طرح مقترح بقانون كما أنهم مطالبون بالسعي إلى تحقيق المطالب القابلة للتحقيق، تلك المطالب التي يرفعها المواطنون في مؤتمراتهم وندواتهم ومجالسهم باستمرار.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 370 - الأربعاء 10 سبتمبر 2003م الموافق 14 رجب 1424هـ