اتصل بي أحد الاصدقاء من المملكة العربية السعودية هاتفيا... وبعد تبادل التحية قال: نُقدر جميعا الوضع الذي عاشه الاخوة الكويتيون عندما غزا صدام حسين الكويت، حوّل صدام الشعب الكويتي بكامله الى سجناء ولاجئين. وزالت المحنة بسقوط النظام الشمولي في العراق، ويواجه الشعب العراقي حاليا محنة الاحتلال الأميركي الذي يريد تصوير نفسه بأنه حرر الشعب العراقي من صدام حسين وزمرته، بينما أقر أمام مجلس الأمن بأن العراق تحت الاحتلال. ولكن، لا يمكن لنا ان نصدق ان يتحول نفر من الكويتيين الى محبين للولايات المتحدة الى درجة تشكيل صندوق لتعويض «شهداء الشعب الأميركي» في العراق، وهم القتلى الجنود الذين يواجهون الشعب العراقي ويفرضون عليه بالقوة المسلحة احتلال بلادهم.
لم أصدق هذا الكلام، لكنه أردف قائلا: إن من الضروري تشكيل وفد من الشخصيات الوطنية من دول مجلس التعاون الخليجي لزيارة الاشقاء في الكويت والالتقاء بشخصياتها والحوار معهم عن مجمل الأوضاع التي تعيشها المنطقة، والتوصل الى فهم مشترك عما جرى طيلة الفترة الماضية منذ ان جاء البعث العراقي على قطار أميركي، بحسب تعبير المرحوم علي صالح السعدي، أبرز شخصيات حزب البعث في الستينات من القرن الماضي، في انقلاب الثامن من فبراير/شباط 3691، حتى مجيء مجلس الحكم العراقي الراهن على... بساط الريح الأميركي.
هذه الوضعية تعيدنا الى نقطة البدء.
فأنظمتنا السياسية تتحمل مسئولية كبيرة في تردي الأوضاع في عموم البلدان العربية، الى الدرجة التي يرى البعض ان عودة المحتلين القدامى او الجدد هي الطريق للتخلص من الأنظمة الدكتاتورية التي زرعت البلاد بالمقابر الجماعية ووزعت الشعب على ارجاء المعمورة بحيث يصعب ان تجد بلدا في العالم لم يستقبل لاجئا عربيا من هذا القطر أو ذاك، وخصوصا من العراق.
وبالتالي فإن الحركة السياسية العربية مطالبة بأن تتعلم درسا أساسيا، لا قيمة لكل شعاراتنا من دونه، وهو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان... وان يكون الإنسان في هذه المنطقة هو أثمن رأس مال، ولا يجب التعامل مع أي نظام عربي يصر على استمرار المعتقلات والسجون السياسية وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية وسواها من القوانين المؤبدة للنظام أو المورثة له.
وعلينا ان نطالب كل دول العالم الديمقراطي بأن تضع الديمقراطية واحترام الإنسان المقياس الأساسي في التعاون مع الدولة العربية، وألا تكيل بألف مكيال ومكيال... كما نطالب كل المنظمات الاقليمية العربية بأن تكون الديمقراطية أساس وجودها، بما في ذلك الجامعة العربية التي يراد إعادة النظر في أساسها. فمن دون أنظمة ديمقراطية تطلق العنان لقدرات وإمكانات الإنسان العربي، لا يمكن الحديث عن التطوير والتحديث ومواجهة قوى التخلف والردة والدكتاتورية بأنواعها ومرتكزاتها الايديولوجية.
وبالتالي فإن النظام العراقي وغيره من الأنظمة العربية التي يغير الحاكم سياسات بلاده 081 درجة وينطنط من سياسة الى أخرى، أو يقدم التنازلات الكبيرة إلى العدو القومي، يجب ان تواجه وتدان من قبل كل الحركات الديمقراطية العربية، وألا يكون الاحتلال الأميركي او الصهيوني او غيرهما مبررا للسكوت عن أنظمة القمع والدكتاتورية في هذه المرحلة...
لقد أدنا السياسات التي سار عليها نظام صدام حسين منذ اللحظات الأولى لعمليات القمع ضد المعارضة السياسية في الجنوب والشمال (انتفاضة شيوعيي القيادة المركزية 8691 والشعب الكردي)، وارتكبنا اخطاء في بعض المحطات نتيجة سيادة الفكر الشمولي على الحركة الديمقراطية والتقدمية العربية، لكننا مطالبون الآن بأن نعترف بأخطائنا وان نرسم خطواتنا بوضوح أمام كل المراقبين.
ما يجري في العراق هو احتلال أميركي... نقوله... ويقوله الكثير من القوى السياسية العربية والأجنبية والدول والاحزاب والشخصيات الأميركية المعارضة لسياسة جورج بوش الابن الذي يقود بلاده الى متاهات ومطبات خطرة للغاية، لكنه سيكون الخاسر الأكبر في هذه اللعبة عندما يقول الشعب الأميركي كلمته في صندوق الاقتراع. وهو صندوق لم يتعرف عليه بعد الشعب العراقي على رغم كثرة الكلام عنه من قبل بول برايمر ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي تجول في المستعمرة العراقية لتفقد أوضاع جنوده. وبالتالي، لا يجب الاهتمام بمستقبل الجنود الأميركان، فتلك مسئولية رامسفيلد وحكومة الاحتلال. لكن يجب الاهتمام بمستقبل الاشقاء في العراق ونضالهم لتحرير وطنهم، والتضامن معهم وتقديم كل أشكال العون المادي والسياسي والإعلامي لتقريب ساعة الخلاص من المحتل الذي يريد اشراك المزيد من الدول في قمع الشعب العراقي مع ابقاء سيطرته السياسية والاقتصادية عليه من دون منازع.
إقرأ أيضا لـ "عبدالرحمن النعيمي"العدد 368 - الإثنين 08 سبتمبر 2003م الموافق 12 رجب 1424هـ