العدد 368 - الإثنين 08 سبتمبر 2003م الموافق 12 رجب 1424هـ

تحالف أمني بين «الليكود الهندي» و«الليكود الإسرائيلي»!

زيارة شارون للهند تنطوي على أهمية استراتيجية

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

الزيارة الرسمية التي بدأها رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون إلى الهند الأسبوع الجاري ولمدة ثلاثة أيام هي الأولى التي يقوم بها زعيم إسرائيلي وهو في منصبه وتجسد العلاقة التجارية والأمنية المتنامية بين الهند والكيان الصهيوني، وينظر مراقبون إلى هذه الزيارة كعلامة تحول دبلوماسي بالنسبة إلى نيودلهي التي كانت تاريخيا مؤيدا قويا لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة مهتمة بصورة متزايدة في التهديد الأمني الذي تشكله باكستان المسلحة نوويا مثل الهند.

وتقول مصادر سياسية ان وراء زيارة شارون ثلاثة أهداف مباشرة لإسرائيل والهند: أولها، أنه من المنتظر التوقيع الرسمي لبيع الكيان الصهيوني للهند نظام رادار للإنذار المبكر من طراز فالكون، الذي يعتقد محللون أنه قد يقلب الميزان الاستراتيجي في التعادل العسكري الهندي الباكستاني الذي مضى عليه عقود من الزمن.

والهدف الثاني أنه من المتوقع أيضا أن تكون هناك مباحثات إذا لم يكن إعلانات عن مبيعات أسلحة إسرائيلية أخرى إلى الهند مثل اهتمام الهند في نظام الدفاع الصاروخي الأميركي- الإسرائيلي آرو. وكانت الهند قد اشترت فعلا نظام كرين باين رادار المرافق له والذي هو الآن محل استخدام على طول الحدود مع باكستان. وثالثها إن تحسين العلاقات الثنائية بين الهند والكيان الصهيوني سيعزز الروابط بينهما وبين واشنطن بما سيكون له مضاعفات على مستقبل التطورات في المنطقة وجنوب آسيا، إذ تعتقد بعض الدول ومن بينها الهند وباكستان تحت حكم الرئيس برويز مشرف أن الانخراط في علاقات إيجابية مع «إسرائيل» هو إحدى الطرق لتحسين روابطها مع الولايات المتحدة. ويذكر أن الحزب الحاكم في الهند هو حزب بهارتيا جاناتا اليميني الذي يضم عناصر هندوسية متطرفة، فيما يتولى تكتل الليكود اليميني المتطرف الحكم في تل أبيب.

ويقول الخبير الأمني الهندي الذي ساعد في صوغ مبدأ نيودلهي النووي «بعدم استخدام الأسلحة النووية أولا»، بهارات كاماد، انه «باستطاعة الوكالات الأمنية أن تعمل مع بعضها البعض عن كثب».

وسيضم الوفد المرافق لشارون ثلاثة وزراء وأكثر من 03 رجل أعمال بمن فيهم مديرون تنفيذيون في الصناعات العسكرية الإسرائيلية الرئيسية. وتعتبر الهند ثاني أكبر سوق لصادرات الأسلحة الإسرائيلية. وقد اشترت الهند أنظمة صواريخ والأدوات الالكترونية الخاصة بالطيران وأجهزة المراقبة لتسجيل عمليات التسلل عبر الحدود في السنوات الأخيرة. وقد ساعدت صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند في تعزيز التجارة بين الجانبين والتي تزيد على مليار ونصف المليار من الدولارات وقد تصل إلى ملياري دولار في العام 4002. وتأمل تل أبيب في أن تجتذب شركاء لبرنامجها المتنامي الخاص بالفضاء والأقمار الاصطناعية وستكون الهند مرشحا منطقيا لذلك.

والقضية المركزية في زيارة شارون هي خطة بيع الهند ثلاثة أنظمة رادار فالكون في صفقة قدرت بمليار دولار. وقد أصبحت هذه الصفقة ممكنة بعد موافقة وزارة الخارجية الأميركية عليها في وقت سابق من العام الجاري. ويتكون نظام فالكون للإنذار المبكر المعادل لنظام أواكس الأميركي للإنذار المبكر من طائرات إليوشين الروسية مزودة برادار إسرائيلي. ولكن بعض التكنولوجيا طورتها الولايات المتحدة و«إسرائيل» معا، ولذلك احتاجت تل أبيب إلى إذن من واشنطن التي كانت ترفض منحه خلال الأزمة الهندية الباكستانية الأخيرة والتي هددت بالتصاعد إلى الحرب.

ويمكن لنظام فالكون اعتراض وحل شيفرة رسائل البث بالراديو ويلاحق الطائرات على بعد مئات الكيلومترات. ومن المتوقع أن تستخدم الهند هذه التكنولوجيا لمراقبة مجاهدي كشمير الذين يتسللون عبر الحدود. ويقول المحلل في مجلة «جينز» المختصة بالشئون العسكرية، نيك كوك «إنه نظام معقد جدا من شأنه أن يعطي الهند ميزة استراتيجية كبيرة على باكستان».

وقد استغل مشرف ذلك لتبرير الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات دبلوماسية معه بدعوى إحباط الخطر الذي قد يشكله التحالف الإسرائيلي - الهندي على باكستان. وقال في شهر يوليو/تموز الماضي إنه «بالنظر إلى التقارب الإسرائيلي الفلسطيني فإن باكستان تحتاج إلى إعادة النظر في علاقاتها مع «إسرائيل». ومثل هذه الخطوة تعتبر تحديا رئيسيا لباكستان التي ترى نفسها بصورة أساسية وأولا وقبل كل شيء دولة إسلامية ومجتمعا إسلاميا، فقد أثار تصريح مشرف عاصفة من المعارضة والجدل والمناقشة داخل باكستان.

وتقول مجلة «جينز» إن باكستان التي تأمل في الحد من مدى التحالف الآخذ في البروز بين الهند والكيان الصهيوني عن طريق الاعتراف بالكيان الصهيوني وتأمل حكومة مشرف في النهاية بتدشين عملية مشتروات أسلحة إسرائيلية وهي تأمل أيضا أن يكون لهذه الخطوة وقع حسن في واشنطن وتخفف من معارضة الكونغرس لتعهدات الرئيس الأميركي جورج بوش بتقديم مساعدات لباكستان بثلاثة مليارات دولار وأسلحة بقيمة ثمانية مليارات دولار حتى العام 8002. فيما تأمل تل أبيب أن تؤدي إقامة علاقات طبيعية مع دولة إسلامية كبيرة مثل باكستان إلى تآكل المعارضة للكيان الصهيوني في دول أخرى إسلامية وغير عربية ودول أخرى في المنطقة ويسمح أيضا بكسب بعض الوسائل لمراقبة برنامج باكستان النووي بصورة يمكن الاعتماد عليها وللعب دور في المعادلة الاستراتيجية التي تربط المنطقة وجنوب آسيا.

وفي الوقت الذي لا تعارض فيه الهند إقامة علاقات ثنائية بين باكستان والكيان الصهيوني إلا أنها تخشى بوضوح أن تجعل باكستان مثل هذه العلاقة مشروطة بمقدرتها على شراء أسلحة إسرائيلية متطورة مماثلة للتي تشتريها الهند، وهي مسألة لا يمكن للهند التغاضي عنها وقد أبدت معارضتها لذلك بشكل واضح. وتقول تقارير إن الهند تريد أيضا شراء نظام صواريخ آرو المضاد للصواريخ الباليستية لمساعدتها في التقليل من خطر هجوم نووي من جانب باكستان. وهذا يحتاج إلى موافقة واشنطن لاستكمال عملية البيع. وروابط نيودلهي الأمنية المتنامية مع الكيان الصهيوني تعزز علاقة كانت على الدوام محفوفة بشكوك ايديولوجية. وكانت الهند الدولة الأولى غير العربية التي تعترف بالاستقلال الفلسطيني وكانت أول دولة تسمح بفتح سفارة في عاصمتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن الإسرائيليين يقولون ان صعود حزب بهاراتيا جاناتا في نهاية التسعينات والذي يدعوه المسئولون الإسرائيليون في الغالب «الليكود الهندي» قد أدى إلى تقارب المصالح. ويرى الجانبان أنفسهما بصورة متزايدة كجدار دفاعي ضد انتشار الراديكالية الإسلامية. ولكن الهند لا تزال تواصل علنا المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان السورية وسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران 7691، وتؤيد إقامة دولة فلسطينية. ولكن المسئولين الإسرائيليين بدأوا أخيرا بالقول إن البيانات الهندية أصبحت «أكثر توازنا» حين أخذت الهند أخيرا تندد بالعمليات الاستشهادية ضد المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين المحتلة. لكن محللين أمنيين هنود يقولون ان نيودلهي بحاجة إلى أن تتحرك بعناية فيما يتعلق بعلاقاتها المتنامية مع الكيان الصهيوني، وإن أي موقف واضح موال للكيان الصهيوني يمكن أن يسبب توترا مع سكانها المسلمين الذين يأتون في المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الشعب الأندونيسي، ومع الدول العربية الخليجية التي تستورد الهند منها 52 في المئة من احتياجاتها النفطية ويوجد بها عمالة هندية تزيد على ثلاثة ملايين هندي. ويقول براهما تشيلاني من مركز الأبحاث السياسية في نيودلهي «إنه يمكن أن تنظر الدول العربية إلى هذه العلاقة المتنامية بين الهند و«إسرائيل» على انها تعاون هندي - يهودي بتركزه مباشرة وبوضوح على العالم الإسلامي».

العدد 368 - الإثنين 08 سبتمبر 2003م الموافق 12 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً