مع اقتراب موعد الذكرى الثانية لهجمات 11 سبتمبر/ ايلول 1002 ستشهد المنطقة وبعض بقاع العالم الكثير من «الهزات» الأمنية. فالولايات المتحدة ممثلة بإدارة البيت الابيض مطالبة امام الرأي العام بتقديم كشف حساب لانجازاتها الامنية في مكافحة ما تسميه «الارهاب الدولي».
والرئيس جورج بوش الذي يستعد لخوض معركة الرئاسة وتجديد ولايته فترة ثانية بات في وضع صعب سياسيا. فاستراتيجية الهجوم كلفت الخزانة مئات المليارات من الدولارات واستنزفت الاحتياط النقدي المجمع منذ فترة بيل كلينتون وأرهقت الموازنة الفيدرالية ورفعت من عجز ميزان المدفوعات بقيمة تزيد على المليار دولار يوميا. فالعجز بلغ في العام الماضي قرابة 084 مليارا، وهذا الامر يزيد من صعوبات فوزه وخصوصا اذا فشل في تبرير سياسته امام الناخب ودافع الضرائب الاميركي.
وضع الادارة الجمهورية ليس سهلا. والرئيس عليه أن يقنع الرأي العام بفوائد سياسته ويأخذ منه موافقة على استمرار تلك الاستراتيجية التي لم تثمر حتى الآن اقتصاديا، كذلك لم تقلل من خطورة الاضطرابات واحتمال عودة الهجمات على المصالح الاميركية.
في هذا الاطار يمكن وضع سلسلة الضربات العسكرية والامنية التي وقعت حديثا في العراق وفلسطين. وتأتي محاولة «اسرائيل» اغتيال مؤسس حركة «حماس» وزعيمها الروحي الشيخ احمد ياسين في سياق تكوين احتياط من الضربات الناجحة لمصلحة السياسة الاميركية بهدف تقوية شعبية بوش واعطاء استراتيجيته المزيد من الدفع بعد ان شهدت تراجعا في تأييد الرأي العام الاميركي لها. فالضربة الاسرائيلية، لو قدر لها النجاح، كانت ستحتسب نقطة لمصلحة بوش في معركته الانتخابية وخصوصا انها جاءت قبل ايام من ضربة 11 سبتمبر. فارييل شارون من «جنس» بوش وهو الحليف الاول للسياسة الجمهورية في «الشرق الاوسط» وكذلك هو المستفيد الاول، وربما الوحيد، من كل ما حصل من حروب واحتلال وجرائم قتل في العراق وحوله.
كذلك بوش، فهو من رؤساء اميركا القلائل المتفهم لسياسة «اسرائيل»، وكذلك فهو من الداعمين لكل ما يفعله شارون. فبوش يراهن على شارون في دعمه في معركته الانتخابية ويظن ان زعيم الليكود أقوى حليف يستطيع تجيير اصوات الناخبين من اليهود الاميركيين وحثهم على التبرع بأموالهم لخوض معركة سياسية ضد الحزب الديمقراطي. فشارون بحاجة إلى بوش لتغطية سياسته الرافضة لكل محاولات التهدئة في المنطقة وكسر كل قرار دولي او «خريطة» تطالب تل ابيب بالتراجع عن اراض احتلتها في العام 7691. وبوش بحاجة إلى شارون في وقت أظهرت الاستطلاعات تراجع شعبيته واكتشاف الناخب الاميركي كمية من الاكاذيب والافتراءات في استراتيجية الهجوم الدائم ضد ما تسميه «البنتاغون» مكافحة الارهاب. فالتقارير بدأت تشير إلى ان المخاطر الامنية لم تتراجع، والعجز المالي يرتفع يوما بعد يوم (كلفة احتلال افغانستان والعراق تبلغ أكثر من 4 مليارات شهريا). كذلك اخذت المؤشرات الاقتصادية تعطي فكرة سلبية عن النمو الاميركي في وقت لا تبدو سياسة «الحروب الدائمة» اقتربت من نهايتها. فالحروب التي خطط لها اشرار «البنتاغون» طويلة ومكلفة... عدا عن كونها غير مجدية سياسيا. فالحروب زادت من الكراهية والاحقاد ورفعت من درجات التوتر في المنطقة العربية، وباتت واشنطن تعتبر من العواصم التي تريد الشر للمنطقة. فالحروب لم تحسن من سمعة الولايات المتحدة على رغم كل ما انفقته الادارة من عمليات تجميل وتسويق. فالمشكلة تبقى في السياسة واحترام حقوق الشعوب ومصالحها وعدم التدخل في شئونها وخصائصها وتقاليدها. وهذه المسائل قيمية ولا تقدر بثمن ومن الصعب تحويلها إلى سلعة للبيع والشراء حتى لو انفقت الولايات المتحدة كل ما تملكه من ثروات.
المسألة اذن سياسية ولا علاقة لها بغسل الاموال أو غسل الدماغ. المسألة تتطلب بعض الادراك لمعنى مشاعر العالم العربي وحساسية مصالحه وعدم جدوى دعم واشنطن المطلق لدولة «اسرائيل» وحكومة شارون. فهذا النوع من التفكير سيشجع تل ابيب على المزيد من المغامرات العسكرية والتفريط بكل ما ابدته الدول العربية من استعداد للتنازل عن فلسطين وحقوق الفلسطينيين... وأخيرا رفع التوتر والتصعيد إلى درجة الغليان كما فعلت حين قررت اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
اراد شارون ان يقدم هدية إلى بوش في مناسبة اقتراب موعد 11 سبتمبر، ظنا منه ان هذه خدمة مجانية يمكن ان يستفيد منها الرئيس الاميركي في تعداد انجازاته وكشف حساباته أمام الناخب. الهدية اصلا مسمومة وزادت سمومها حين فشلت. فالضربة اخطأت الهدف كذلك شارون وحليفه بوش.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 367 - الأحد 07 سبتمبر 2003م الموافق 11 رجب 1424هـ