العدد 366 - السبت 06 سبتمبر 2003م الموافق 10 رجب 1424هـ

أول مولود لحرية التعبير

«الوسط» في عامها الأول

محمود السيد الدغيم comments [at] alwasatnews.com

-

مرور عام على ولادة «الوسط» (كلمة طيبة في أرض طيبة).... أين تذهب بنا دلالات هذه المناسبة في ظل عهد الانفتاح السياسي في البحرين، ووجود مساحات كبيرة لاشكال التعبير المختلفة؟ وأين يراد لهذا المشروع أن يذهب في ظل تجاذبات التيارات المختلفة وطرق تعبيرها عن آرائها ومواقفها؟ إضافة إلى سؤالين مهمين لـ «الوسط» والصحافة المحلية، يتعلق الأول منهما بالحد الفاصل بين تبني وجهة نظر معينة والسماح لها بالتعبير عن نفسها داخل صفحات الصحافة المحلية من دون تضرر الوطن ومصالحه العليا، والثاني بمدى قدرة الصحافة على أن تتبنى موقفا استراتيجيا ضخما يخالفه الآخرون بمن فيهم الأطراف الرسمية.

إذا تمت الإجابة عن هذين السؤالين بشفافية وصراحة، وتم ضبط إيقاع الحدث والخبر والتوجهات والمواقف، فيمكننا القول اننا أمام صحافة يمكنها توجيه الرأي العام، وخلق واقع تعددي حقيقي لا يضن بالتعارض منهجا، إذا كان التعارض ضمن التوافق العام على أولويات الوطن وكيفية إدارة الأطراف لها، ما يعطي الصحافة دور التغذية والترشيد والتقييم لأدوار المتعارضين.

قبل الدخول في الإجابة، يجب إعطاء شهادة حق في مشروع «الوسط» بأنه استطاع أن يؤسس لأولويات وأسلوب عمل في الصحافة لم يكن موجودا قبله، وذلك من خلال تحسس «الوسط» لأهمية الخبر المحلي، وإعطائه أولوية تساوي قيمته الفعلية على الأرض، وتعاطي «الوسط» من جهة أخرى مع الفعاليات الأهلية بنَفَس متواز مع الفعاليات الرسمية وفي أحيان غالب عليها، هذا البعد المفتوح الحذر في الوقت نفسه على كل متحرك وساكن جعل الوسط «الضرّة الحميدة» لكل المواقع الإعلامية والصحافية، واستطاعت فعلا قلب الصحافة وتوجهاتها، وجعل الخبر المحلي كائنا متحركا تلهج به المنتديات الإلكترونية والأوساط السياسية وحتى الرسمية، سواء خالفه البعض أو اتفق معه.

وإذا كان لنا أن نصمت ونحن نمارس دورنا الصحافي طوال عام من ولادة هذا الجنين الطري، فآن لنا بعد مرور عام على ولادته أن نقول بحقه شهادة حق حتى لو قيل عنها انها شهادة مجروحة، لأن طول الصمت قد يضيع فوارق وقسمات هذا الجنين، ويجعل من التأسيس والتغذية له أمرا صعبا، وشهادة الحق هذه بأنه أسس لبدايات صحافة حرة تقوم على الفوارق والتمايز لا التشابه والمسايرة، وهي أساس معرفي وقيمي ضروري جدا في صوغ الخبر القائم على الرأي والرأي الآخر.

تبقى شهادة مهمة وأساسية في ظل الانفتاح السياسي الحاصل، وهي أن «الوسط» كان لها دور مفصلي في تخفيف حدة الاحتقان السياسي بين الأطراف المتعارضة، وتهذيب أساليب التعبير السياسي وخصوصا في المحطات التي علت فيها الأصوات بشكل مرعب لتقويض توازنات اللعبة السياسية، وقد فعلت «الوسط» ذلك من خلال محاولة نقل المشهد السياسي بما لا يؤثر على توازنات الساحة السياسية ولا يخل بها من جهة أخرى. ولو كان المشهد واحدا في الحياة السياسية وكان ناقل المشهد غير مكترث بالمشاهد الأخرى التي تنبض بالحيوية والهواجس والأسئلة لاختار أصحاب المشهد الآخر طرقا أخرى للتعبير عن مواقفهم وتنفيس هواجسهم وأسئلتهم، وهذه شهادة يجب أن تحفظ لـ «الوسط» بامتياز، وهي تحمل على كاهلها قضية تتعلق بشأن عام داخل أروقة المحاكم ما يجعل هذا الاحتفاء بعامها الأول ناقصا.

يبقى الجواب على الأسئلة التي تحمل بعدا تأسيسيا صعبا ومرهقا لحرية التعبير والرأي والانفتاح السياسي في البحرين في ظل وجود كوابح بل مزالق قانونية تتمثل في قانون الصحافة الذي يحمل بعدا سياسيا توجيهيا لمسارات العمل الصحافي في البحرين، ويضع القيود عليها في أكثر من موضع بل وينذرها بمخاوف حقيقية من خلال سيناريوهاته المتعددة.

في حين يبقى الواقع السياسي المتجاذب في أطروحاته رافدا أساسيا لهذه المخاوف، وخصوصا أن القانون لا يفرق بين النقل والتبني لأطروحات الساحة السياسية وتعارضاتها، ويحمِّل رأس الحربة في الصحيفة (رئيس التحرير) مسئولية نقل وجهات نظر قد لا تروق لبعض الرسميين، ما يجعل الصحافي أو رئيس التحرير أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يخسر صدقيته عند هذا الطرف ويكسب الطرف الآخر أو العكس صحيح. وبالنظر لطبيعة هذه المزالق، فإن «الوسط» في عامها الأول أسست توازنات مقبولة تحفظ وجودها كرافد لكل التوجهات، ولكن يبقى ضبط الإيقاع الصحافي والإعلامي والمهني مرهونا بإزالة المزلق القانوني ذي النَفَس السياسي التوجيهي الحاد.

من هنا تحديدا، يمكن إشاعة مناخ ملائم لتأسيس منبر إعلامي حر ومتوازن في ظل الصخب السياسي وتجاذباته وإيقاعاته التي تهبط وتصعد في تموّج عاصف في بعض الأحيان، وقاعدة هذا التأسيس يجب أن تنطلق من «التنفيس» الذي نجحت «الوسط» في تأسيسه في العام الأول مع شيء من التحفظ ومراعاة طبيعة التوازنات السياسية، إلى إيجاد مناخ إعلامي قادر على توجيه مسارات التعارض السياسي من دون المساس بأمن الصحافة وحريتها، بما يخدم إيجاد رؤية توافقية وتصالحية في نهاية المطاف بين الأطراف المتعارضة تكون الصحافة أحد منابرها وروافدها الأساسية.

ولكن الرؤية التي يحملها قانون المطبوعات والصحافة والنشر، تجعل من المنابر الصحافية غير قادرة على تبني مواقف استراتيجية تمثل عمق قناعتها، والتي تعتمل في دواخلها خفاء أو حياء أو خشية، وتجعل من الصحافة مجرد ناقل أمين في بعض الأحيان وغير أمين في أحيان أخرى، يكون فيها الصحافي حمَّالا للآراء ولكنه ليس حاملا لرأيه وموقفه وغير قادر على التوجيه أو التبني لخيار ما يرى فيه صلب قناعته وجوهر مشروعه الصحافي والإعلامي؛ لأن النظرة إلى الصحافة مازالت نظرة إلى تابع غير متبوع.

«الوسط» حملت ملفات كثيرة، واجتازت بها حقل الألغام المتمثلة في ممنوعات الصحافة الكثيرة، متكئة على المشروع الإصلاحي الذي أمَّنَ مساحة من التسامح لم يؤمِّنها القانون في عهد الإصلاح، واستطاعت أن تخلق تجاوزا لأولويات الصحافة، ولكن حملها للملفات وتجاوزها للمألوف بقي من غير غطاء قانوني، وبالتالي فهو أشبه بالمغامرة التي قد تكون محسوبة أو غير محسوبة على «الوسط»، لهذا فإن الغطاء القانوني يبقى الأهم في ظل وجود مخاوف حقيقية عززتها شواهد كثيرة من عمر «الوسط».

يبقى التسامح على رغم أريحيته والتوازن السياسي على رغم ثباته غير كافيين لبقاء مشروع وطني يراد له أن يعزز فرص الرأي والرأي الآخر في ظل التجاذبات الحادة، إذ ان الخسارة لهذا المشروع لن تكون على صعيد الرسمي فقط وإنما على الصعيد الشعبي أيضا، وهذا ما لا يتحمله أي ناشط في بناء صرح هذا المشروع.

لذلك ومن أجل بقاء «الوسط» والصحافة المحلية محافِظة على المشهد السياسي بكامل صورته، ومن أجل القدرة على تبني خيارات ذات بعد استراتيجي ضخم لهذا الوطن، ومن أجل تهذيب حال الاحتقان بين الأطراف المتعارضة وصولا إلى التوافق والمصالحة الوطنية، ومن أجل إعطاء الصحافي موقعه كصاحب رأي ومساهم فاعل في العملية الإصلاحية، يجب تبني الأطراف السياسية على اختلافها للآتي:

أولا: يجب تعديل قانون المطبوعات والصحافة والنشر، وجعل ذلك ضمن الأجندة الوطنية الأساسية لكل الأطياف السياسية، وعدم الاتكاء على تسامح هنا وتوازن هناك؛ لأن ذلك لا يخدم الصحافة ولا الحال السياسية مادام التعارض سيد الموقف، وإعطاء الصحافة فرصة حقيقية لصوغ مشروع توافقي لا ينتقص حق أحد من خلال تأمين مساحة موضوعية للآراء المتعارضة داخل الصحف، ثم محاولة توجيهها بالاتجاه الذي يخدم التوافق والتصالح.

ثانيا: تأكيد مكانة الصحافي ورؤساء التحرير، وعدم تحميلهم مسئولية نقل الآراء، بل إعطاؤهم فرصة التوجيه والتبني وحمل الملفات ضمن القناعات الداخلية بها، حتى لا تكون الصحافة تابعة لجهة على حساب جهة أخرى بل سلطة تتمتع بشيء من الاستقلال عن كل السلطات وتكون داعمة لها في الوقت نفسه، وهذا يتطلب إيجاد أكثر من «ضرة حميدة» من مختلف التوجهات السياسية، لتكون القدرة على غربلة الأفكار والتوجهات ممكنة ما يساعد على فرز الخيارات السياسية داخل الشارع، وتشكيل توجهات الرأي العام ضمن إطار التعدد والتنوع في الآراء.

ثالثا: يجب على كل المؤسسات الرسمية والأهلية أن تفتح صدرها لانتقاد الصحافة واقتحامها لمواقعها وأخبارها، وما يعتمل فيها من مشروعات وخطوات على طريق الإصلاح؛ ليكون لهذه المؤسسات أن تقول انها تؤسس لتعددية مفتوحة على الآخر قبل أن تطالب الآخر بأن ينفتح عليها، وهذا سيسهل من دور الصحافة في التوجيه والترشيد، وسيجعل منها ناقلا أمينا لا يمكن حسابه على هذا التوجه أو ذاك التوجه بالقدر الذي يكون دوره فرز هذه الآراء ونقلها الى القراء والرأي العام.

من كل هذا، نفهم أن على «الوسط»، بعد اجتيازها عامها الأول وتأسيسها لمعادلات إعلامية جديدة على الأرض مهمات وطنية كبيرة. أولها صون حرية الرأي والتعبير؛ لأنها تصون وجودها ومهمتها الأساسية، كما أن عليها أن تفرز جميع الآراء في دائرة الوطن في ظل تراكم العملية الإصلاحية وتواصل الانفتاح السياسي، وتطوِّر تقنيات الخطاب الوطني وآلياته، وتطوِّر النظرة القيمية إلى الخطاب الوطني بتعارضاته سواء كان السياسي منه أو الإعلامي بما يجعل أي تصوّر يريد لـ «الوسط» أو غيرها من الصحافة المحلية أن تكون ناقلة للمشهد الواحد والصورة الواحدة، تصورا قاصرا في ظل أشكال التعبير المختلفة.

كل عام و«الوسط» والصحافة المحلية والانفتاح السياسي بألف خير وعافية، «وعقبال المية وعشرين».

العدد 366 - السبت 06 سبتمبر 2003م الموافق 10 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً