العدد 366 - السبت 06 سبتمبر 2003م الموافق 10 رجب 1424هـ

ألمانيا تبحث عن دور في منطقة «الشرق الأوسط»

شرودر يستعد لإرسال قوات إلى العراق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

شيء مؤكد هو أن حرب العراق أضرت كثيرا بالعلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة. غالبية الألمان يتبنون الرأي القائل إن تباعدا طرأ على العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا ما تشير إليه بوضوح نتائج عمليات استطلاع الرأي. في السابق كان الألمان تحديدا، يسارعون الى الحديث عن الصداقة مع الولايات المتحدة التي نشأت امتنانا من الألمان للدور الذي قامت به بإعادة اعمار ألمانيا بعد الدمار الذي لحق بها خلال الحرب العالمية الثانية. حصل التباعد بسبب حرب العراق حين أيد غالبية الألمان الموقف الذي اتخذه المستشار غيرهارد شرودر عند بدء الأزمة العراقية بامتناع بلاده عن المشاركة في عمل عسكري محذرا من النتائج الوخيمة للحرب.

86 في المئة من الألمان أيدوا موقف شرودر الذي وصف قرار الحرب بأنه خطأ، منذ البداية. لم يدافع شرودر عن نظام الرئيس العراقي السابق وكذلك الشعب الألماني. ولكن الالمان لم يصدقوا ان الهدف الاساسي الأميركيين هو تحرير الشعب العراقي ونشر الديمقراطية. وساد الاعتقاد عندهم بأن الولايات المتحدة تريد من وراء هذه الحرب توسيع نفوذها في منطقة الخليج والسيطرة على نفط العراق. الالمان الذين عاشوا تجارب مريرة من جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية ومن جراء الانقسام الذي لحق ببلدهم كنتيجة لهزيمة ألمانيا النازية في العام 5491، يشعرون أكثر من غيرهم من الشعوب الأوروبية، بحساسية تجاه النزاعات العسكرية.

ويعتقد الغالبية منهم أنه يمكن التغلب على النزاعات عن طريق الحوار السياسي، ويجدون ضرورة في حصول الأمم المتحدة على دور رئيسي في معالجة الأزمات وحفظ السلم العالمي وارسال قوات (القبعات الزرقاء) الى أماكن النزاعات المسلحة سعيا للفصل بين الاطراف المتناحرة. وينظر الألمان بشك منذ وقت الى سياسة التدخل العسكري التي تنفرد بها الولايات المتحدة. اما شعبية بوش عن الألمان فإنها تغيرت بصورة جذرية بعد حرب العراق. فحين دلت نتائج عملية استفتاء جرت قبل الحرب على تعادل عدد مؤيدي ومعارضي سياسات الرئيس الاميركي، جاءت نتائج عملية استطلاع جرت بعد الحرب أن بوش فقد صدقيته عند غالبية المواطنين الألمان.

وكان المستشار شرودر استفاد من موقفه المعارض لحرب العراق، نجح في الانتخابات العامة التي تمت في 22 سبتمبر/ أيلول 2002 لأن منافسه على المستشارية رئيسة حكومة بافاريا ادموند شتويبر فشل في معارضة الحرب بوضوح. ومازال هناك عدد كبير من الألمان الذين سجلوا بألم مشاركة ألمانيا في حرب كوسوفو، وكانت أول مشاركة عسكرية تقوم بها ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن وزير الخارجية التابع لحزب الخضر يوشكا فيشر استطاع ان يشيع الرأي بأن حرب كوسوفو وقعت دفاعا عن اقليات مهددة. وأدت الحرب لاحقا الى اضعاف نظام الرئيس السابق ميلوسوفيتش ثم عزله عن منصبه. ولا تجد حرب العراق حتى بعد مضي أكثر من أربعة أشهر على إعلان نهايتها، قبولا عند غالبية الألمان على رغم تلميحات المسئولين السياسيين في حزبي الائتلاف الحاكم، الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، بشأن احتمال أن تشارك ألمانيا بمهمة عسكرية محدودة في العراق في حال صدور قرار تكليف من قبل الأمم المتحدة وحصول الهيئة الدولية على دور بارز في بناء عراق جديد أو من خلال مشاركة جنود ألمان ضمن قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي.

وكان موقف شرودر الرافض للحرب أدى إلى قطيعة بين واشنطن وبرلين كما كشف عن انقسام واضح في موقف دول الاتحاد الأوروبي.

إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع الأسبوع الجاري أن روسيا مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة في مهمة العراق، وقبول موسكو مشاركة جنود روس في إطار مهمة سلام دولية تحت قيادة عسكرية أميركية، يشكل تراجعا عن الموقف الذي كانت تتمسك به موسكو. أما ألمانيا فإنها تجد صعوبة في البحث عن دور جديد لها على مسرح السياسة الدولية في ضوء حرب العراق. واحتاجت ألمانيا إلى سنوات طويلة حتى استطاعت التحرر من أعباء الانقسام وحصل الألمان على الشعور بالحرية الحقيقية والانعتاق من مخلفات الحرب العالمية الثانية حين حصلوا على وحدة بلدهم في العام 0991. وكان المستشار شرودر في أول خطاب له عند تسلمه السلطة من المستشار المحافظ السابق هيلموت كول تحدث عن مرحلة جديدة، دعا مواطني بلده إلى رفع رؤوسهم عاليا وإظهار ثقة أكبر بالنفس. وبلغ تحدي الولايات المتحدة ذروته بعد نشوب الأزمة العراقية الأمر الذي ساعد الائتلاف الاشتراكي الأخضر على الفوز مرة ثانية في الانتخابات العامة فحصل جفاف ملفت للنظر على مسار العلاقات الألمانية الأميركية. وفيما واظبت أطراف المعارضة الألمانية على اتهام حكومة شرودر/ فيشر بالخروج على أسس التحالف الأطلسي والتسبب في انشقاق السياسة الخارجية الأوروبية، ومطالبتها بعرض تصورات واضحة بشأن الدور الجديد لألمانيا على مسرح السياسات الدولية، لم تطرح المعارضة الألمانية من جانبها تصورات عن دور ألمانيا الموحدة في العالم، الأمر الذي يشير إلى وجود نقص عند الحكم والمعارضة.

ويرى المديرالجديد لمؤسسة البحوث التابعة للجمعية الألمانية للسياسة الخارجية في برلين ابرهارد زاندشنايدر خطرا في عدم وضوح السياسة الخارجية الألمانية، وقال: «إن هذا يضر بالمصالح الألمانية إذا وجدت ألمانيا صعوبة في تعريف مصالحها في العالم». وقال زاندشنايدر: يتوقع جيراننا أن نحدد أسس سياستنا الخارجية بحكم أننا بلد كبير في وسط أوروبا، وكي يعمل جيراننا في مقارنة سياستنا الخارجية مع سياساتهم. وما يحصل منذ وقت أننا لا نوفر لهم الفرصة لذلك. وفي الولايات المتحدة من يطالب الألمان بتحديد سياستهم الخارجية أولا، مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي والتابع للحزب الجمهوري، ريتشارد لوغار الذي صرح في برلين قبل وقت قصير بأنه ينبغي على الألمان معرفة مصالحهم القومية. وأعرب لوغار عن ثقته بأن بلاده لن ترفض على ألمانيا المساهمة عسكريا في العراق إلا إذا كانت ألمانيا مقتنعة بهذه المساهمة وترى فيها منفعة لمصالحها القومية. وقال شرودر في الحملة الانتخابية قبل عام إن المسائل التي تهم مصالح الأمة الألمانية يجري اتخاذها في برلين وليس في مكان آخر. وكانت هذه رسالة واضحة موجهة إلى متنقدي سياسته داخل ألمانيا وفي الولايات المتحدة.

ويلاحظ المؤرخ الألماني غريغور شولغين من جامعة إيرلانغن/ نورنبيرغ أن قرارات السياسة الخارجية الألمانية تعتمد على الحدث وردود الناتجة عنه وهذا تطور جديد على السياسة الخارجية الألمانية. ويطالب هذا المؤرخ منذ وقت بأن تحدد الحكومة الألمانية الخطوط العريضة لسياستها الخارجية، ويقول إنه يلاحظ منذ العام 3991 أن ألمانيا بدأت تنكفئ على نفسها بعد إعادة توحيد شقيها وأنه يلاحظ أيضا أن ألمانيا تخشى الحصول على دور كبير على مسرح السياسة الدولية.

ولا يستبعد كثيرون في برلين أن يغير المستشار شرودر موقفه بشأن مشاركة القوات المسلحة الألمانية في فرض الأمن والاستقرار في العراق ومساعدة الولايات المتحدة في النفاذ بجلدها من المستنقع العراقي. وتلتزم برلين الصمت حيال المناقشات المتعلقة بمسألة إرسال جنود ألمان إلى العراق غير أن الرأي الغالب هو أن شرودر سيستجيب لرغبة بوش بتقديم مساعدة عسكرية في العراق وتخفيف الأعباء عن كاهل القوات الأميركية. وبعد الاعتداء الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد واغتيال آية الله السيد محمدباقر الحكيم قال شرورد إن المصالح القومية لبلاده تتطلب إحلال السلام في كامل «منطقة الشرق الأوسط» وتحقيق الاستقرار في العراق.

العدد 366 - السبت 06 سبتمبر 2003م الموافق 10 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً