العدد 366 - السبت 06 سبتمبر 2003م الموافق 10 رجب 1424هـ

ذكرى عام... مضى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

... ودارت الساعات. أمس أكملت «الوسط» سنتها الأولى. وعادة الأولى لا تحتسب، فهي سنة التأسيس (صفر)، وبعدها يأتي التعداد. تجربة «الوسط» كانت مختلفة فالتأسيس بدأ منذ لحظة صدور عددها الأول. وكرت الأسابيع والأشهر وأنهت أمس العدد 563. ومثل كل دورة سنة هناك الخريف والشتاء والربيع والصيف. فالزمن يحتاج إلى كل هذه الفصول على تنوعها واختلافها حتى تكتسب الدنيا معناها. وكل هذه الفصول عاشتها «الوسط» بين نجاح وصعوبات واندفاع وتعب... ولكنها كانت بحاجة إلى هذا الكم من التنوع حتى تتكامل المشاهد وتتوضح الصورة وتستطيع أن تميز بين الصواب والخطأ وبين المهم والأهم وأخيرا بين الفشل والنجاح. فحتى تعرف طعم النجاح ولذته لابد أن تتذوق مرارة الفشل.

اكتمل العام الأول ويمكن القول إن مجموع الفصول أثمر تجربة جميلة تستحق الدفاع عنها. فهي على الأقل أسهمت في تطوير بعض المفاهيم وتصويب بعض الأنماط ومخالفة المألوف. والنتيجة حتى الآن لابأس بها إذا أخذنا التجربة مقياسا. وإذا اعتمدنا منهج المقارنة بين الـ «قبل» والـ «بعد». فهذا المنهج الذي ابتكره الفقهاء والعلماء والأئمة وضع أساسا لمنع المباهاة والمفاخرة والمفاضلة. فالمقارنة هي قاعدة منهجية لقياس الأشياء والأفعال وتحديد الثغرات ومجالات التطور والتقدم. وفي حال اعتمدنا المقارنة منهجا ونظرنا إلى الوراء سنة كاملة نستطيع أن نجيب على الكثير من الأسئلة التي تختزل الكثير من الكلام. قيل الكثير عن «الوسط» وقالت «الوسط» القليل عن رؤيتها وتجربتها. فالصمت الفاعل هو أفضل رد. والوقت يتكفل بتوضيح بعض الجديد غير المألوف. وفكرة «الوسط» عموما صعبة، على عكس ما يرى البعض. فهي فكرة هجومية وليست محايدة، وهي تندفع للأخذ من كل الجهات ثم تعيد بناء ما هو «الوسط» بين مختلف اتجاهات التطرف.

«الوسط» في أصلها فكرة منحازة فهي ليست فقط ضد التطرف وإنما مع التوازن. توازن المفاهيم وتوازن المصالح وتوازن القوى وأخيرا توازن الكلمة التي تطمح إلى أن تقول الحق حتى لو أخطأت. وتعتذر إذا أخطأت. فالاعتذار ليس ضعفا... انه قوة وخطوة لتصحيح المسار. والتراجع عن مسألة أو فكرة أو حتى معلومات ليس انتكاسة، إنه مجرد اعتراف بالخطأ. والاعتراف بالخطأ فضيلة المؤمن برسالته. ورسالة «الوسط» هي محاولة الوصول إلى أعلى نسبة من الحقيقة. الاعتذار هو في معنى من معانيه فتح مساحة للحوار وتوسيع رقعة الدائرة حتى تتسع للكل من دون تمييز... شرط أن يكون الاحترام المتبادل هو أساس التعامل بين الأطراف.

فكرة «الوسط» إذا صعبة. التطرف من الأمور السهلة، وكذلك الهدم والتقويض وقول الكلام من دون تدقيق أو تفكير. أما البناء والتأسيس وإعادة التأسيس ضمن منظور متوازن فهو من الأمور التي تحتاج إلى وقت وتعب وسهر وقلق وتوتر وحرق أعصاب. وأصعب أمور «الوسط» هي حين تكون الغاية شريفة والهدف نبيلا... والوقت محدودا بين صدور عدد وآخر.

ضيق الوقت يولد الإحساس بالتقصير ويزيد من درجة الهمِّ لأن المراد في النهاية رسم صورة متكاملة عن حدث يحتاج إلى ساعات إضافية لتجميع المعلومات عنه واصداره خبرا غير ناقص في شروطه المهنية. إلا أن الصراع مع الوقت يعطل الكثير من الطموح الهادف إلى المنافسة الشريفة في عصر تقنية المعلومات والفضائيات وغيرها من أجهزة ووسائل. إلا أن الاعلام المكتوب لايزال على رغم كل التطورات هو الوسيلة الأكثر تأثيرا لأنه يبقى ويخاطب العقول بينما المرئيات في النهاية تخاطب العيون وتمر أحيانا على العقل مرور الكرام. تجربة «الوسط» جديدة في الوسطين البحريني والخليجي وهي على صغر عمرها لفتت نظر الكثيرين من المراقبين والمطلعين وأصحاب تجربة في حقل الصحافة والاعلام عربيا ودوليا. وربما يكون «سر» نجاحها هو «شبابيتها» وتعاضد أسرتها والاستعداد للتعلم... والاعتراف بالخطأ.

هذا وجه من «السر»... أما الوجه الآخر، وهذه حقيقة من العيب ألا تقال، فهو انفتاح الدولة واستعدادها لتقبل مشروع صحافي لا ينسجم كثيرا مع أطياف الأخبار الرسمية. فالتسامح في النهاية ينتج، ويستثمر في المستقبل، بينما الانغلاق لا ينتج سوى التخلف والتطرف. ونجاح «الوسط» في تجربتها الأولى لابد من رؤيته في إطار المشروع الاصلاحي العام.

وأخيرا لابد من كلمة للقارئ. قارئ «الوسط» أفضل محرر كسبناه على رغم العُشرة القصيرة. قارئ «الوسط» هو الجندي المجهول الذي يضحي من أجل فكرة انتظرها ومن أجل كلمة حرص منذ زمن على سماعها. وإقبال القارئ على «الوسط» وحرصه على سمعتها ودقة أخبارها وإيصال المعلومات إليها من دون تكليف يدل على مدى الحب المتبادل، وثقته بصحيفته ورهانه على حضورها الدائم في كل مكان وزمان. فحماس القارئ لـ «الوسط» يؤكد مسألتين: نجاح تجربة التسامح، واستعداد البحرين لدخول عصر الإصلاح.

البحرين كانت جاهزة، و«الوسط» صدرت في الوقت المناسب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 366 - السبت 06 سبتمبر 2003م الموافق 10 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً