العدد 365 - الجمعة 05 سبتمبر 2003م الموافق 09 رجب 1424هـ

لهذه الأسباب نجحت «الوسط»

على خلفية مرور عام على صدورها

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

سأل أحد الصحافيين الشباب الكاتب بيير ألبير كيف يمكن أن أصبح صحافيا ناحجا؟

أجاب: الصحافي المستقل الذي يتعامل مع الخبر أو القضايا التي يتناولها بروح الناقد المحايد هو الذي يثير الإعجاب ويفرض احترامه على الجمهور، وهو أشبه بلاعب كرة دولي ماهر لا ييأس من تحقيق الهدف حتى في اللحظات الأخيرة من المباراة.

وكأنني بهذا الكلام ينطبق على «الوسط» لأنها وُفِّقت في الحصول على نخبة من الجيل الواعد الذي يعمل من دون كلل ويحاول كلاعب الكرة الدولي الماهر الذي لا ييأس من تحقيق الهدف حتى في اللحظات الأخيرة ليكسب المباراة، فكثيرا ما نجدهم يأتون بأخبار محلية لا يجدها القارئ هنا أو هناك في بقية صحافتنا المحلية.

سألت مرة رئيس تحرير مجلة «الأزمنة العربية» الإماراتية محمد عبيد غباش عن سبب جعل صورة (الضبع) شعارا لمجلته فأجاب: لأن الضبع يبحث وسط الأوساخ وحتى القاذورات عن الطعام ولا يمل، ونحن هنا في مجلتنا آلينا على أنفسنا أن نكون كذلك نبحث في كل مكان في البراميل وصناديق القمامة عما نستخلصه لقرائنا فقد تجد في هذه المواقع من أخبار ومواد مهمة للمواطن وخصوصا بسطاء الناس ما لا نحصله على أبواب الفيلات والمواقع الأرستقراطية.

إن دور الصحافة وأجهزة الإعلام هو البحث عن هموم الإنسان ليكون ناقلا أمينا لآماله وطموحاته... وأن تكون الصحافة بمثابة وسيط أمين وصادق بين الشعب وقيادته، وأن تكون السلطة الرابعة لا تهاب ولا تضعف ولا تتردد بحيث يصل عطاؤها إلى ما دون الخط الأحمر مباشرة لا أن يسير وهو مطأطئ الرأس بحيث يكون بينه وبين السقف أكثر من متر آثرا السلامة على طرح الحقيقة... وهذا ما تفعله صحيفة «الوسط».

وفي اعتقادي أقولها من دون مجاملة جاءت التسمية مناسبة حقيقة مع أدائها في طرح القضايا بموضوعية وواقعية من دون أن يجرفها أي تيار جهة اليمين وجهة اليسار، واستطاعت أن تنفض عن نفسها غبار المليون طيف، وهذا لم يمنعها في الوقت نفسه أن تتناول الموضوع بشيء من الخوف والتردد حتى لا تصبح عرضة للوم هذه الجهة أو تلك في زمن أصبحت الجمعيات السياسية حساسة حتى المرض.

لكن من سوء حظها أنها ولدت في زمن عسير هو زمن قانون المطبوعات الجديد القاسي الذي رفضه الصحافيون بمن فيهم من كانوا يسبّحون بحمد الجهات المسئولة حتى في المكروه الذي لا يجب أن يحمد عليه سوى الله سبحانه وتعالى.

أحسست منذ قراءة الأعداد الأولى من «الوسط» أنها ليست على استعداد لأن تجامل على رغم معرفتي العميقة بأن رئيس التحرير منصور الجمري يكن كل الاحترام والتقدير لجلالة الملك وممن يضمون صوتهم إلى صوت أولئك المعتدلين بأنه من الإجحاف في حق القيادة الإصلاحية الجديدة أن نتجاهل إصلاحاتها ومحاولاتها الجادة في تخفيف الأزمات بل وهو من بين السياسيين القلائل الذين يشبهون ذلك اللاعب الدولي الماهر الذي لا ييأس حتى في اللحظات الأخيرة في تحقيق الهدف من خلال الحوار.

ولهذا يرى فيه البعض على رغم أنه جاء مشحونا خلال سنوات الجدب التي عاشها في المنفى ليهدأ ويواصل طريق والده شافاه الله في اعتبار أن الحوار الجاد قادر على إنهاء كثير من الأزمات على رغم الفارق الكبير في السن بينه وبين والده الشيخ عبدالأمير.

من هنا جاءت «الوسط» لتشعل شمعة جديدة وقوية في ظلام الصحافة البحرينية.

«الوسط» أضاءت شمعة كان من الضروري أن توقد في مرحلة سيطر على شعور المواطنين أنهم بحاجة حقيقية إلى صوت حر متزن رصين يطرح الحقيقة المجردة، وهم لا يريدون منها حسب ظني أن ترفع سيفها كصحيفة همها المشاكسة والمعارضة من أجل المعارضة فحسب بل يريدونها أن تكون صوتا شجاعا لا يخاف من الجمعيات السياسية المختلفة ولا تكون ببغاء يردد ما يريده طيف من دون آخر، ويندفع بشكل أعمى خلف طيف من دون آخر، وأن يبرز نفسه من خلال نظرية «خالف تذكر» بل من خلال «قل الحق ولو على نفسك».

وخير معيار للتأكد من هذا التوجه الوسطي هو قبول الصحيفة بمختلف ألوان الطيف والاتجاهات الفكرية والسياسية من كُتّابها بل وترك المجال أمام الحوار بين مختلف التيارات للتحاور، وما هو دليل أكبر من ذلك قبول شخص متمرد مثلي بالانضمام إلى طاقم الصحيفة، فأنا أشبه بما قاله الشيخ أحمد الكبيسي في لقاء مع إحدى الفضائيات العربية، السنة في العراق لا ينضبطون ولا يسيرون وراء أي مرجعية وكل يعزف على الوتر الذي يعجبه، وأنا كواحد من العناصر المهتمة بالسياسة - مع الاعتذار لوزير الدولة لشئون مجلس الوزراء محمد المطوع - لا أستطيع أن أنشغل بالسياسة فقط، بل أشتغل بها، وأغوص في أعماقها، فكل شيء في نظري يرضخ للسياسة، فالأدب والفكر والثقافة والشعر والفن وحب الفساد وحب الرقي... كل شيء لا ينمو إلا من خلال سياسة ناضجة وحكيمة، ومن خلال سياسيين يؤمنون بالديمقراطية ويؤمنون بأن كل شيء يكون معوجا إذا لم تكن هناك ديمقراطية حقيقية ونواب قادرون على أن يمثلوا الجماهير، وأن يحاسبوا المفسدين في البلد، ويقطعوا أيدي من يتطاولون على المال العام . فالقيادة التي تخاف من الديمقراطية وتحاربها لا يمكن أن ينمو في بلدها الاقتصاد أو تتحرك التنمية على أرضها ولا تخضر الثقافة وينتعش الفن والأدب فيها.

إن «الوسط» تعتبر صحيفة معارضة حقيقية، ولكن ليست على غرار المعارضة الأوروبية التي تمثل أحزابا معينة أو وجهات معينة مقابل دعمها مثلما كانت تفعل الأنظمة العربية مع بعض المجلات والصحف وخصوصا تلك الصادرة في لندن وبعض العواصم الأوروبية ومما يؤسف له أن بعضهم كانوا من خيرة المثقفين.

ما يميز «الوسط» أنها صحيفة معارضة لأخطاء النظام وليس للنظام، ولهذا همس في أذني رئيس التحرير مرة في لقاء معه إنك أعطيت الصحيفة نكهة جديدة حين بدأت تطرح مقالات تمتدح الإيجابيات لبعض المؤسسات وبعض الشخصيات وهذا ما كان ينقصنا في السابق، إذ لابد أن تذكر الصحيفة الإيجابيات مثل ذكرها للسلبيات، واستكملت قائلا: أن هناك أعمالا إيجابية تقوم بها مؤسسات مالية ومصرفية وشركات أهلية ولابد من تشجيعها.

أذكر أنني كلما ركبت مصعد المستشفى العسكري التابع لقوة دفاع البحرين قرأت عبارة (شكرا لمصرف... لدعمه المتواصل لمستشفانا)، وكلما قرأت هذا الكلام ازددت احتراما لتلك المؤسسة، فلماذا لا يتبنى مستشفى السلمانية هذا المسلك؟ فأنا أعلم بأن مؤسسات كثيرة دعمت هذا المستشفى بمعدات وأجهزة ومعونات قيمة، فلماذا لا تحذو إدارة المستشفى حذو إدارة المستشفى العسكري بوضع لوحات شكر وتقدير لتلك المؤسسات مع مختلف اللوحات الفنية لتشجيعها على تقديم المزيد من الدعم من جهة وتشجيع مؤسسات أخرى لتسير على الهَدي والخطى نفسها!

قرأت مرة في أحد كتب الشهيد محمد باقر الصدر ضحية نظام صدام إذ خالف ما كان كثير من الفقهاء والعلماء يجمع عليه، وهو تقديم الصدقات بشكل خفي حتى يتقبل الله من المتصدق، إلا أن الشهيد قال «إن أي تبرع أو صدقة حتى ولو جاء علنا بل للتباهي فإن الله يتقبله منه» وكان في كلامه حكمة كبيرة هي تشجيع الناس على عمل الخير.

يقول المحلل السياسي المصري محمد حسنين هيكل «إن على المثقف أن يكون معارضا، وما أن يتوقف عن دوره كمعارض يكون قد سقط وانتحر»، ولهذا فإن من بين أهم أسباب نجاح «الوسط» وأخذ موقعها وسط الصحافة البحرينية انها لم تتحول إلى بوق فقد فضلت أن تكون مخيرة على رأي المعتزلة وليست مسيرة على رأي الأشاعرة وهذا أيضا سر من أسرار نجاحها.

ومن بين الآليات الأخرى التي فرضت «الوسط» احترامها في الساحة الإعلامية وصارت مقروءة حتى خارج حدود البحرين أنها آلت على نفسها ألا تجمد وأن تصاب إدارتها بالغرور والتوقف عند حد النجاح الحالي بل هي مصرة على مواصلة التطوير كلما أمكن ذلك، وهي تعترف بأنها بدأت مرحلة الألف ميل بمجرد خطوة، وهذا يعني أن هناك طموحا أكبر وحماسا غير محدود للتطوير.

ومن بين الآليات المهمة في فرض الصحيفة نفسها في الساحة اختيار منصور لعنصر سبق أن أثبت جدارته وكفاءته ونجاحه في عدد من الصحف العربية لإدارتها، فصار بمثابة نقطة مضيئة وشعلة نشاط يلعب دورا بارزا في مجال تطويرها، والأيام المقبلة ستثبت للقراء كيف تترجم هذه الأمنيات وهذه الطموحات وهذا الحماس إلى واقع، وهناك الكثير من المثقفين والسياسيين الذين يراهنون على ذلك

العدد 365 - الجمعة 05 سبتمبر 2003م الموافق 09 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً