أثارت الصحف العبرية، نتائج التقرير الذي طال انتظاره، والذي لاحظ بعض المحللين الإسرائيليين انه قد يزيد من التوترات في العلاقات بين «إسرائيل» وعرب 84. فقد وبّخ تحقيق رسمي إسرائيلي الشرطة الإسرائيلية لإقدامها على قتل 31 من عرب 84 خلال تظاهرات مؤيدة للانتفاضة الفلسطينية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 0002. غير ان ما لفت المراقبين ان التقرير برّأ ساحة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ايهود باراك ليزيل بذلك أي عقبة قانونية قد تعرقل محاولة متوقعة إلى حد كبير لعودة باراك إلى الحياة السياسية التي اعتزلها بعد هزيمته أمام تكتل «ليكود» برئاسة ارييل شارون في الانتخابات العامة الأخيرة.
وقد لاحظت الصحف العبرية ان اللجنة المكلفة بالتحقيق في جريمة قتل العرب وجهت لوما قاسيا إلى الشرطة الإسرائيلية التي اتهمتها باتخاذ موقف يتسم «بالعدائية» إزاء الأقلية العربية، وبأنها أخفت عن المسئولين السياسيين انها أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين. وقالت اللجنة التي يطلق عليها اسم «لجنة اور» نسبة إلى رئيسها القاضي تيودور اور، ان الشرطة اعتمدت «نهج الكذب».
أما بالنسبة إلى عضوي الكنيست العربيين عزمي بشارة وعبدالمالك دهامشة، فقد قالت اللجنة انهما قاما بالتحريض على تنظيم تظاهرات عنيفة، لكنها لم توص بأي ملاحقات قضائية بحقهما. وإذ نددت جماعات من عرب 84 بالتقرير ووصفته بأنه للتمويه والاستهلاك المحلي، رأت انه لم يرقَ إلى حد إنزال العقاب بالساسة الذين يشرفون على أنشطة قوات الأمن التي تطلق الذخيرة الحية على مواطنين خلال تظاهرات تتضمن إلقاء حجارة.
وتناولت «هآرتس» في افتتاحيتها تقرير لجنة أور عمّا وصفته بأعمال الشغب التي حصلت في القطاع العربي من «إسرائيل»، في أكتوبر العام 0002، والذي عرفّت فيه اللجنة، الطريقة التي تتعامل فيها «إسرائيل»، مع الأقلية العربية فيها، بأنها «المسألة الداخلية الأهم والأكثر حساسية على أجندة الدولة الإسرائيلية».
ورأت الصحيفة العبرية انه على ضوء هذا التعريف، كان من المؤسف أن تقع اللجنة في فخ التناقض بين اكتشافاتها وتوصياتها. وأضافت هآرتس، ان الصورة التي رسمتها اللجنة مثيرة للقلق، فهي تشير إلى وجود سياسة إسرائيلية راسخة اتخذتها كل الحكومات الإسرائيلية، وتقوم على أساس التمييز ضد العرب، ما أدّى إلى تنامي التطرف بين العرب، وإلى ظهور ما تصفها الصحيفة العبرية بأنها تصرفات غير مسئولة من جانب النواب العرب الذين تزعم انهم زرعوا في نفوس الأقلية العربية في «إسرائيل» رغبة جامحة في الانفصال عن دولة «إسرائيل».
وأضافت هآرتس، ان اللجنة وجدت ان ثمة ثقافة منظمة ومدبرة تنشرها الشرطة الإسرائيلية وتذكّر بالأيام الحالكة للجيش الإسرائيلي في مطلع الخمسينات. وانتقدت هآرتس، النتائج التي خرجت بها اللجنة، والتي لم توصِ بتحميل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، مسئولية الخروقات التي واظب على القيام بها خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء، على رغم انها أوصت بمنع شلومو بن عامي من تولي منصب وزير الأمن العام، كما انها لم تقترح أية عقوبات ضد النواب العرب.
وشددت هآرتس، على ان اكتشافات اللجنة جاءت متناقضة تماما مع توصياتها كما انها أسقطت عددا من الاتهامات التي كانت وجهتها إلى بعض المسئولين لانتفاء الأدلة التي لم تقم بالبحث عنها أصلا على حد تعبير هآرتس. مثل اتهام بعض المسئولين الإسرائيليين بأنهم أعطوا الضوء الأخضر للشرطة لاستعمال طريق وادي عرب إلاّ انها لم تجد أدلة كافية لتدعم هذا الاتهام لذلك قامت بإسقاطه.
وتابعت هآرتس، بالقول ان نتائج تقرير لجنة أور، جاء ناقصا من حيث تحديد الأطراف المسئولة عن الانتهاكات التي تحصل في القطاع العربي من «إسرائيل»، علما بان المسئولية عن الظروف التي أحاطت بمقتل العرب الـ 31 تم نقلها إلى وزارة العدل الإسرائيلية للتحقيق بشأنها مع رجال الشرطة. ورأت الصحيفة العبرية في هذا السياق، ان اللجنة صبّت وابل انتقاداتها على الشرطة الإسرائيلية من دون غيرها، ولم تلقِ مسئولية التصرفات المخزية التي كانت تقوم بها الشرطة الإسرائيلية مع العرب «الإسرائيليين» على المسئولين الكبار مباشرة. وختمت هآرتس، بالقول انها لا تقصد القول ان ما توصلت إليه لجنة أور ليس له أهمية بل ان المقصود هو رؤية نتائج عملية على الأرض بمعنى أن يتم تطبيق التوصيات على هزالتها... محذرة من ان عدم تطبيق توصيات اللجنة من شأنه توسيع الشرخ بين غالبية الشعب الإسرائيلي والأقلية العربية.
كذلك تناول عوزي بنزيمان في هآرتس، تقرير لجنة أور، الذي برأيه فتح عدة محاور لتسليط الضوء على أهمية إجراء تغيير في العلاقة بين الغالبية والأقلية في «إسرائيل»... وتطرق إلى الأسباب الكامنة وراء اندلاع أعمال الشغب المذكورة. وحدد بنزيمان المحاور بما يأتي:
أولا: سياسات طويلة الأمد اتبعتها الحكومات الإسرائيلية تقوم على ممارسة التمييز ضد السكان العرب في «إسرائيل».
ثانيا: التطرف الديني الذي برأيه يحكم قبضته على المجتمع العربي في «إسرائيل».
ثالثا: الدور الذي لعبه أعضاء الكنيست العرب في إرساء وجوب تعاطف العرب «الإسرائيليين» مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أكثر من وجوب إظهار الولاء لدولة «إسرائيل».
رابعا: رفض الغالبية اليهودية في أن تعامل الأقلية العربية على قدم المساواة معها.
وأشار بنزيمان، إلى ان اللجنة وجدت ان أعمال الشغب التي اندلعت في أكتوبر العام 0002 لم تكن فقط نتيجة للانتفاضة التي اندلعت في الأراضي المحتلة وليس نتيجة لفشل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في كمب ديفيد، فحسب، بل هي نتيجة النزاع العربي الإسرائيلي في داخل «إسرائيل»، الذي بدأ في التظاهرات التي حصلت في يوم الأرض العام 6791، والذي استمر حتى العام 0002 مع ما وصفه بأعمال الشغب في حيفا والقدس.
وعلّق بنزيمان، على التعريف الذي أعطته اللجنة لطريقة التعامل مع العرب «الإسرائيليين» بأنها «المسألة الداخلية الأهم والأكثر حساسية على أجندة الدولة»، بالقول ان هذا التعريف مبالغ فيه إلاّ ان ما من أحد بإمكانه أن يقول ان العلاقات المتوترة بين الغالبية والأقلية في «إسرائيل» لا تهدد وحدة «الدولة الإسرائيلية» وقدرتها على القيام بتطوير نفسها ديمقراطيا.
وختم بالقول ان تقرير لجنة أور، لم يقل بشكل واضح ان العلاقات بين الأقلية العربية والغالبية اليهودية في «إسرائيل»، وصلت إلى نقطة الّلاعودة. إلاّ انه أكد انه من المحتمل الوصول إلى هذه النقطة. لذلك رأى بنزيمان، ان على الأقلية والغالبية في «إسرائيل»، القيام بجهود كبيرة من أجل ردم الصدع بينهما. هذا الصدع الذي تسبب به اعتبار «إسرائيل»، دولة لليهود بينما تقول عن نفسها انها ديمقراطية وتعامل مواطنيها على حد سواء.
العدد 365 - الجمعة 05 سبتمبر 2003م الموافق 09 رجب 1424هـ