يقول المحللون والمؤرخون ان العرب مروا بثلاث كوارث مهمة جدا جدا في عصرهم الحديث، والمقصود هنا القرن العشرين. فتمثلت الاولى في هزيمة 8491. الثانية في النكسة العام 7691. أما الثالثة، فتمثلت باجتياح صدام حسين للكويت. أدت الهزيمة الاولى إلى تثبيت «إسرائيل» قانونيا وشرعيا على المسرح الدولي. وإلى خلق معضلة اللاجئين وإلى تحضير الأرضية لصراع لم ينته حتى الآن. أدت النكسة الثانية، إلى توسع «إسرائيل» جغرافيا على حساب العرب، وإلى ضربهم عسكريا بطريقة مذلة. خسر العرب بسبب هذه الحرب، المزيد من الارض - القدس، كما تفاقمت مشكلة اللاجئين. وبدا للعرب، خصوصا الفلسطينيين، أن العودة أصبحت أصعب من ذي قبل إلى الارض المحتلة. أما الكارثة الثالثة فأدت إلى الامور الآتية:
الدخول الاميركي العسكري إلى المنطقة تحت غطاء شرعي دولي، بعد ان كان حضوره يقتصر تقريبا على الحضور السياسي - الأمني.
المزيد من التشتت العربي، وإلى استسهال دخول بعض العرب المنظومة السلمية في المنطقة. وإلى انحسار دائرة الصراع مع «إسرائيل» من كل العرب، إلى فقط الفلسطينيين.
حروب متعددة في الخليج، كان آخرها هذا العام. وارتقت منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا العالم العربي، بعد 11 سبتمبر/ايلول، إلى مستوى العدو الاول في مصاف مصادر الخطر على الامن القومي الاميركي. وبدت الاستراتيجية الاميركية الحالية تقوم على: احتواء العالم العربي في خطوة أولى. الدخول إلى نسيجه الاجتماعي كما السياسي، والعمل على تغييره جذريا في فترة لاحقة.
شكل، أو سهل الوجود العسكري الاميركي في المنطقة، والذي كان نتيجة اجتياح صدام للكويت. الحرب الاميركية الاخيرة على العراق، وخصوصا ان البنى التحتية والواقع السياسي كانا مهيأين لذلك.
إذا الاميركيون في العراق، وشارون في فلسطين. ما المشترك بينهم؟ مع اختلاف الاسباب والظروف، كما البعد الجغرافي. يمكننا القول ان الصفة المشتركة بين الاثنين هي، الموت بامتياز. فلسطين تنحر وتموت منذ أكثر من نصف قرن، ولا تزال. والعراق ينزف ويقتل منذ أكثر من ثلاثين عاما.
والمقصود بالثلاثين عاما - هي ضمنا - فترة الانتحار الداخلي ايام صدام. فهل يمكن لنا ان نقنع طفلا فلسطينيا، لم يعايش فلسطين الكبرى قبل الهزيمة، ويرى الموت يوميا، ان هناك املا في المستقبل؟ هل تعود هذا الطفل على غير مشهد النعوش السائرة امام داره باستمرار؟ طبعا كلا. فكيف يقال ان السلم يبنى لبنة لبنة؟ من هنا شعبية المنظمات الاسلامية المتشددة تجاه الاجيال الفلسطينية الشابة. فالتصعيد هو الذي يؤلّب الناس حولها. والعمليات الاستشهادية (من منظارها)، أو السيارات المفخخة هما من أهم أسلحة التصعيد والتصعيد المضاد. حماس تستدرج شارون للرد العنيف. هذا هو السلاح المتوفر، ما عداه لا يلبي الاهداف السياسية للشعب الفلسطيني. في فلسطين احتلال، وفي العراق احتلال. في فلسطين فوضى سياسية، وفي العراق ايضا. أميركا تدعم شارون في فلسطين. وتدير الامر في العراق بعد احتلاله. ويبدو حتى الآن، أن اميركا تفشل في فلسطين (أو تريد ذلك عمدا)، وهي على درب الفشل الاكيد في العراق إذا لم تستدرك الامر عبر قرار تاريخي ما.
ما الذي حدث أخيرا في العراق؟
تستمر العمليات العسكرية المقاوماتيّة ضد القوات الاميركية في العراق. وهذا امر مشروع حسب المقولة الاميركية في حق تقرير الشعوب لمصيرها. لكن المستجد الخطر جدا، يبدو في ظاهرة جديدة تمثلت في السيارات المفخخة، او العمليات الانتحارية. ويبدو ان الفارق المهم بين هذه العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة في فلسطين. في ان هذه العمليات تستهدف الزعامات العراقية التي تعارض الاحتلال الاميركي، ولا تقترب، أي العمليات من العسكر الاميركي. الفارق في العمليات في العراق، في انها تنحر العراق وتساعد الاحتلال. فالاكيد ان الاحتلال إلى زوال، كلما تسرعت عملية إعادة بناء العراق. إذا سلمنا جدلا انه يمكن القول ان أخ آية الله المغدور هو في مجلس الحكم المؤقت. ويعتبر هذا الامر عمل خيانة، ولهذا تم اغتياله. فيرد البعض، لماذا تفجير مبنى الامم المتحدة واغتيال مندوبها؟ وقد يقول البعض التصعيد في فلسطين إلى الحد الاقصى، ضروري لتحقيق الاهداف. فيرد البعض الآخر، إنما في العراق لماذا هذه الحدة ضد العراقيين، وليس ضد الاحتلال؟
من المستفيد؟
الاكيد ان المستفيد الاول، هو ليس الشعب العراقي بالتأكيد. فالمغدور وجه قاوم ظلم الرئيس المخلوع. إذا من هم الستفيدون؟
قد يكون المستفيد الاول، الرئيس صدام حسين. فهو على صراع مع المغدور. وكان على صراع أصلا مع الشيعة، كل الشيعة وهنا كان خطأه الاكبر. كذلك الامر، المستفيد هو كل متضرر من النجاح الاميركي. يندرج في هذا الامر كل الدول التي عارضت الحرب الاميركية على العراق. لكنه من السذاجة القول، إنه يمكن لهذه الدول ان تخطط عبر أجهزتها المخابراتية لعمل كهذا. فقد يعتبر انها تعلن الحرب على اميركا، على العراق، وتحديدا على الشيعة، ضمنا إيران. لذلك يجب استبعاد هذا الاحتمال. قد يقول البعض ان المقاومة السنية حتى الآن، تريد جر الشيعة الى الحرب ضد الاميركيين. لكن الجواب يكون، ليس عبر اغتيال زعامات الشيعة من الطراز الاول.
وقد يقول البعض الآخر، ان الصراع الشيعي الشيعي كان السبب في الاغتيال. فيأتي الجواب، ليس على باب مسجد الامام علي (ع). فلا يمكن لاي شيعي ان يقوم بهذا العمل. فمن المفروض ان تدر العملية الانتحارية (استشهادية من منظار المنفذ)، على منفذها أجرا عن رب العالمين، وهذا لا يأتي بتدمير أهم مسجد شيعي.
ويقال ايضا ان المقاومة تريد تصعيب الاحتلال على الاميركيين عبر اجبارهم على توسيع انتشارهم ليصبحوا اهدافا اسهل. ولجعلهم يتدخلون قسرا في تفاصيل الحياة السياسية العراقية، حتى على مستوى المذهب والقبيلة. وهي تريد - أي المقاومة - ان يحس الاميركيون انه يجب عليهم حماية كل هدف على حدة. فيأتي الجواب، ان الاغتيال سيجعل الشيعة اكثر حذرا على امنهم، فيأخذوه على عاتقهم، ليوفروا ذلك على الاميركيين.
لكنه يمكننا القول هنا ان المنفذ قد يكون جهة ما، مستعدة للمجابهة والذهاب بها حتى النهاية. لذلك يجب استبعاد اقدام اية دولة - امة من هذا الاطار.
من المتضرر من الاغتيال؟
يأتي العراق وشعبه في المركز الاول كمتضررين. فالزعيم المغدور هو عراقي اولا، قبل ان يكون شيعيا. والاغتيال قد يضع المصير العراقي على المحك.
تأتي اميركا في المركز الثاني. فالاغتيال هو ضربة لمشروعها السياسي، في الوقت الذي تستهدف المقاومة المشروع الاميركي الاقتصادي في العراق عبر ضرب البنى التحتية، وخصوصا النفطية.
وقد يقال ان الاغتيال إذا كان من عمل المقاومة، قد يعود بالضرر على المقاومة نفسها. فبدل تأليب الشعب العراقي ضد الاميركيين، خصوصا الشيعة (06 في المئة العراقيين). قد يعطي نتيجة عكسية، لينضم الشيعة إلى المشروع الاميركي. فتكون المقاومة بذلك قد انتهكت وخالفت أهم مبدأ لها، والذي يقوم على خلق شرخ بين المحتل والشعب العراقي.
لا يجب هنا ان نهمل ايران كمتضرر. فالمغدور هو قريب جدا من إيران. ويمكن القول، إنه احد أهم وسائل القوة الايرانية في العراق، به تستطيع ايران ان تقول لاميركا في بعض الاحيان، «الامر لي» في العراق. حصل الاغتيال في الوقت الذي تفاوض فيه ايران الولايات المتحدة منذ اكثر من سنة.
والموضوع هو العلاقة الايرانية - الاميركية. ويعتبر هذا الموضوع حيويا لايران في الوقت الذي اقترب فيه الاميركي منها عسكريا بشكل خطر. فهي مطوقة من كل الجهات من قبل القوات الاميركية. وبخسارة المغدور، تكون ايران قد خسرت ورقة مهمة جدا، على الاقل حتى الآن.
بعد الاغتيال، ستزيد الضغوط الاميركية على الدول المحيطة بالعراق، خصوصا سورية وايران. وستضغط اميركا على كل دولة يتبين ان المنفذين ينتمون إليها.
ماذا لو خرج الأميركي؟
جوابا على هذا السؤال يمكننا القول في البدء، اتت اميركا لتبقى. على الاقل حتى استرداد مردود استثمارها. لكنه من المنطقي ان نسأل، ماذا لو قررت اميركا الخروج بعد ان تكون قد يئست؟ ومن هو المستفيد من هذا الخروج؟ إن الخروج الاميركي قبل اوانه، قد يشكل كارثة على العراقيين، على محيطهم، وعلى كل العرب، ولا نسعى هنا إلى تسويق الوجود الاميركي طبعا. فالاكيد هو الفوضى بعد الخروج. وقد يجر هذا الامر حروبا اهلية لا يعرف احد إلى ماذا قد تنتهي. والفوضى العراقية، تعني تدخل دول الجوار المباشر. تركيا، إيران وسورية والسعودية وغيرها. سيسعى الكل إلى تأمين مصالحه، وعدم جعل المشكلة العراقية تنتقل إلى داره. ستأخذ الحرب الاهلية، الطابع المذهبي والاثني. وكلنا يعرف انعكاسات هذا الامر على تركيبة الدول العربية. وقد تؤدي هذه الحرب إلى امرين محتملين، إما تقاسم العراق، أو تقسيمه. وفي الحالين هناك كارثة على العرب. ويقال انه كان هناك مشروع تقسيم للعراق على الشكل الآتي:
- ضم المثلث السني إلى الاردن.
- «كانتون شيعي» قد ينضم إما إلى ايران أو إلى الكويت فيدراليا.
- و«كانتون كردي» يتم التنسيق فيه طبعا مع تركيا.
قد يسهم هذا الوضع بحل للقضية الفلسطينية، خصوصا للاجئين.
في الختام يقول أحد مفكري المحافظين الجدد الاميركيين، وليم كريستول في كتاب صدر له أخيرا: إن طريق فلسطين تمر حتما في العراق. فهل ما يجري في العراق يشكل مرحلة التطبيق لهذه الشعارات؟ امر مستغرب. لذلك وعلى رغم عدم قناعاتي الذاتية بما يسمى بنظرية المؤامرة على العرب. أرى لزاما علي الآن القول ان العرب محقين الآن، إذا ما قالوا ان هناك مؤامرة بعد أن رأينا ما يجري في العراق. اللهم نج شعب العراق من الاعظم!
العدد 364 - الخميس 04 سبتمبر 2003م الموافق 08 رجب 1424هـ