العدد 364 - الخميس 04 سبتمبر 2003م الموافق 08 رجب 1424هـ

العراق الجديد فرصة أم تهديد؟

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة من يقول إن الإيرانيين تجتاحهم هذه الأيام مشاعر متناقضة تجاه العراق، فهم فرحون من جهة كلما سمعوا بتواتر الأنباء والتقارير التي تؤكد فشل الأميركيين في السيطرة على الوضع هناك وغرقهم في مستنقع يصعب الخروج منه بسهولة.

لكنهم قلقون من جهة أخرى وهم يرون أبناء دينهم يعانون الأمرَّين من انعدام الأمن والاستقرار والرفاهية وتقدم الحال والتعرض المستمر للامتحان الصعب من دون ان يتمكنوا من فعل شيء لهم.

وهم فرحون من جهة رؤية العراق خاليا من هيمنة وتسلط عدوهم اللدود النظام البائد خصوصا وهم يتابعون أخبار وقوع المزيد من رموزه في الاسر وتوقف مكنة قمعهم وجبروتها عن الحركة.

لكنهم حزينون ايضا كلما تذكروا أن هذا لم يحدث على أيديهم كما كانوا يأملون ولا على ايدي حلفائهم العراقيين من المعارضة ولا حتى على أيدي أصدقائهم أو حلفائهم الاقليميين، لاسيما في الحال الصعبة التي يعيشها هؤلاء الاصدقاء وأولئك الحلفاء في ظل اختلال موازين القوى لصالح قوات التحالف التي فتحت بغداد بانتصار عسكري سهل لم يكن متوقعا ولا مطلوبا.

وهم فرحون من جهة كلما رأوا وشاهدوا أصدقاءهم وحلفاءهم من حركات المعارضة العراقية الذين عملوا معهم لسنوات طوال وخططوا سويا لاحداث التغيير المطلوب للعراق، واذا بهم اليوم يقفون على سدة الحكم في العراق وقد اخذوا جزءا ولو يسيرا من حقوقهم المضيعة أو المغمورة في عوالم النسيان، لكنهم قلقون ايضا لكونهم يعرفون ربما أكثر من غيرهم ان هذا لن يدوم، بل وربما زائل باسرع من لمح البصر خصوصا وهم يعيشون لحظات استشهاد حليفهم الاكبر العلامة محمد باقر الحكيم وقد ذهب برأيهم ضحية تقاطع المصالح أو تضاربها بين بقايا النظام البائد وخلايا القاعدة وقوات الاحتلال الأجنبي أيا كانت الجهة المخططة والمنفذة لمجزرة النجف الاشرف والمجازر المشابهة التي لاتزال تنتظر العراق برأي الكثيرين.

الأميركيون من جهتهم وعلى رغم النصر العسكري السهل الذي لم يكونوا يحلمون به مطلقا تراهم اليوم يعيشون مشاعر متناقضة تجاه ما يجري على أيديهم في العراق، فهم وان كانوا فرحين لتخلصهم من نظام عدو فهم قلقون من فتح الباب على مصراعيه امام «القمقم» الجماهيري الديني والقومي غير القابل للسيطرة أو الاحتواء بسهولة. وفيما هم فرحون لازالة نقطة توتر إقليمية كانت قد تحولت الى عثرة في طريق مخطط تعزيز المصالح الاميركية في المنطقة في الآونة الاخيرة فانهم يتخوفون كثيرا في الوقت نفسه من احتمال تحولهم هم إلى نقطة توتر وموضوع نزاع دائم لشعوب المنطقة بعد ان تحولوا الى «قوات احتلال» بعد ان كان ينظر اليهم الى حين ما قبل العراق الى قوة «راعية» للسلام أو حليف صديق في اطار التحالفات الدولية.

الانظمة العربية المجاورة التي عانت الأمرَّين من نظام صدام حسين طوال فترة حكمه والتي وقفت الى جانبه في حروبه العبثية ومعاركه «الخارجية» في غالبيتها الا ما ندر على قاعدة «مكرها أخاك لابطل» تراهم اليوم وبعد كل الذي حصل في العراق تعيش هي الأخرى مشاعر متناقضة تجاه ما يجري في العراق. فهي اذ تشعر بتنفسها الصعداء وقد انزاح عن صدرها «كابوس» النظام السابق الا ان غالبيتها تتخوف من «انفلات» عجلة التغيير والتي قد تحرق الأخضر واليابس معها وهي اذ تشعر بالارتياح وقد مرت كارثة الحرب على العراق بأقل الخسائر الممكنة والتداعيات الخطيرة عليها غير انها لا تخفى قلقها من رؤية التوازن الاقليمي وقد انقلب بشكل دراماتيكي لصالح «إسرائيل» الممانعة لكل توجهات السلام والتسوية اساسا فجاءت حوادث العراق لتزيدها بطشا وتعنتا بعدما ظن الكثيرون خطأ أو وعدوا جزافا بان ازالة النظام العراقي البائد خطوة على طريق السلام الدائم والتسوية العادلة والشاملة!

العراق اذن وباختصار شديد بات اليوم عنصرا داخليا قويا من عناصر تشكيل الأمن القومي للكثير من الدول الاقليمية بل والقوى الدولية بطريقة أو بأخرى وبمقادير متفاوته.

فهو في أميركا قد يحسم حركة الانتخابات الأميركية التي بدأت بواكيرها الأولى لصالح الديمقراطيين على حساب «تحرر العراق» وهو قد يطيح بحكومة بلير العمالية البريطانية بعد ان تحول الى صداع مزمن لها. وهو مادة صراع اساسية في إيران بين المحافظين الاصلاحيين بين من فيه تهديد جديد ومتجدد على يد الاميركيين الذين احكموا الطوق من حول ايران وبين من يرى فيه فرصة نادرة للخروج من محنة «العزلة» التي تعيشها ايران بسبب لازمة المزمنة للعلاقات الايرانية الأميركية والتي لم يكن يجرؤ أحد على ايجاد الحلول «العقلانية» لها فجاءت أحداث العراق لتكون ربما «طوق النجاة» الاخير أو «فرصة» اللحظة الأخيرة.

وهو - أي العراق - قد يكون الباب الأخير للعرب كما يظن البعض ليتلمسوا من خلاله طريق السلام الدائم والشامل والعادل! كما اسلفنا - لكنه قد يكون ايضا كما يعتقد البعض الآخر (القشه) التي ستقصم ظهر البعير العربي الذي ظل يئن طوال الخمسين عاما الماضية من ظلم العدو الاسرائيلي والصديق الدولي باشكاله المختلفة وظلم ذوي القربى لحماقاتهم الاستراتيجية وفي المقدمة عراق النظام البائد.

العراق الدولة العربية والاسلامية الشقيقة التي عرفناها غادرت نادي الحكام العرب والمسلمين منذ التاسع من ابريل/ نيسان الماضي اعترفنا بذلك أم لم نعترف. صحيح انها لاتزال التحدي والدولة الفرصة والتهديد معا فهل من يعتبر أو من يحسم خياراته قبل فوات الأوان؟.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 364 - الخميس 04 سبتمبر 2003م الموافق 08 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً