العدد 363 - الأربعاء 03 سبتمبر 2003م الموافق 07 رجب 1424هـ

الثابت والمتحوّل في الخطاب العربي الإسلامي... البحرين نموذجا

منتدى «الوسط » الثقافي يتناول:

الثابت والمتحول مصطلحان باتا حاضرين بشكل ديمومي وملحّ وإشكالي، وهما إذ يمثلان كل تلك المفردات الدالة على أهميتهما فإنهـما ينطلقان من الحاجة الإنسانية الى فحواهما، فالإنسان ما لم يملك ثوابت فإنه يضطر - بالضرورة - الى التخبط والعشوائية، وما دام متجمدا لا يملك «المتحول» في منهجية سيره في هذه الحياة وفهمه لما هو حوله فإنه يضطر الى التخشب على الكثير من اللامتلائم مع واقعه، لذلك ترى الثابت والمتحول (أو المتغير كما يسميه البعض) حاضرين في أنساق عدة، ومبادئ عدة، ومذاهب فكرية مختلفة... يقول علي الظفيري: لابد من القول إن ثمة ثابتا ومتحولا لدى الأمم يشكل فهمهما والانطلاق منهما خطوتها الأولى لتجاوز أزماتها.

والثابت والمتحول في الشأن السياسي والاقتصادي يؤثر على ذينك المتناقضين المتلازمين دائما في الثقافة والفنون وما أشبه... ودلالة على ذلك يقول مفيد نجم في مقالة له بعنوان: الثابت والمتحول في الشعرية العربية المعاصرة: «وقد تمثل هذا التحول المهم والجديد في عدد من الشعراء نذكر منهم الشاعر يعقوب المحرقي الذي ظهر كاسم مهم في البداية ثم اختفى، والشاعر علوي الهاشمي الذي اثر على حضوره وشكله انتقاله إلى العمل الاكاديمي والدراسة النقدية، والشاعرة حمدة خميس. ويحمل ظهور هؤلاء الشعراء في منطقة محددة دلالات مهمة عبرت عن حال الحراك السياسي والثقافي المبكر التي شهدتها البحرين في وقت مبكر» لذلك فإن الثوابت والمتحولات لهما روابطهما المؤثرة والمتأثرة على بعضها بعضا. اليوم نستضيف كلا من الناقد نادر كاظم والشاعر حسين السماهيجي.

البداية التاريخية

والموضوعية للثابت والمتحول

لنتحدث بداية عن الثابت والمتحول كبداية تاريخية أو موضوعية.

- نادر كاظم: طبعا لفهم إشكالية الثابت والمتحول بصورة واضحة وسليمة يفترض أن نتعرض لأصل الإشكالية، وهو ما يتطلب منا فهم الأساس الذي يبنى عليها فهمنا لهذه الإشكالية، فينبغي أن نسأل: ما الثابت وما المتحول؟ ما طبيعة العلاقة بين الثابت والمتحول؟ هل ثمة تعارض مبدئي بين الثابت والمتحول؟ هل المتحول هو النقيض الحاسم للثابت؟ أم هو صورة/ صيغة معدّلة له أي تحول ضمن نسق الثابت؟ افترض أن هناك نوعين من المتحول، متحول هو في الأساس بديل للثابت، والآخر هو متحول يطرح نفسه كتطوير أو تعديل للثابت. مصطلح الثابت/ المتحول يفرض عليك بدايات ونهايات معينة في تعاطيه. فعادة ما يعطى الثابت قيمة إيجابية، فيما تعطى للمتحول قيمة سلبية أو بالعكس، والحال أن ليس كل ثابت ينطوي على قيمة إيجابية، كما ليس كل متحول ينطوي على قيمة سلبية. والنقطة الأخرى التي أود أن أعالجها قبل الولوج الى صلب الإشكالية هي أن علينا أن نفهم الثابت والمتحول كمفهومين نسبيين من حيث الأساس. فليس كل ثابت هو ثابت بالمطلق، وليس كل متحول هو متحول بالمطلق، إذ هو ثابت لمتحول معين، وذاك متحول قياسا لثابت معين أيضا. وعلى هذا الأساس قد يتحول المتحول ليكون ثابتا في فترة من الفترات ويولد من ثم متحولات أخرى، وهذا النموذج اقترحه المفكر البريطاني ريموند وليامز في تحليله لتشكل الطبقات والتشكيلات الاجتماعية والمعاني والقيم والأنساق، ويقوم هذا النموذج على ثلاثة عناصر: عنصر يفرض وجوده على الحقل أو المجال الذي يعمل فيه ويكون مهيمنا عليه، وهو ما يسميه وليامز «المهيمن»، وهذا العنصر يتعرض للمنافسة من عنصرين آخرين، فهناك النسق الذي يطرح نفسه بديلا عن النسق المهيمن وهو ما يسميه وليامز «النسق المنبثق أو الطارئ»، وهو الذي يطرأ على النسق المهيمن، وقد يهيمن عليه وقد ينتج أنساقا أخرى، والنسق الآخر الذي يطرح نفسه كمنافس للنسق المهيمن هو «النسق المتبقي»، ويعني أنه حينما يهيمن النسق الطارئ على النسق المهيمن ويذهب ذلك المهيمن لابد وأن يترك ترسّبات متبقية فيتحول إلى نسق ثالث، وهكذا... وبهذا المعنى ينبغي أن نفهم جدلية الثابت والمتحول.

- حسين السماهيجي: قبل التطرق لبعض الملاحظات على النقاط التي أتى بها نادر، أقول إن إشكالية الثابت والمتحول إذا تناولناها من حيث معرفيتها وتاريخ طرحها لن نعدم في النظر إلى التُراثات الإنسانية من دينية وفلسفية... فعلى سبيل المثال كان الفيلسوف اليوناني هيروقليطس يقول: كل شيء يتغير عدا شيء واحد وهو قانون التغير، وإذا انتقلنا مثلا إلى الفكر الإسلامي فإننا نجد أن له بعض العبارات التي تشي بشيء من التأمل عن موضوعة الثابت والمتحول حينما يقول إن الله يعيد خلق الأشياء طورا بعد طور، وإذا نظرنا الى مرحلة لاحقة في الفلسفة الإسلامية لدى صدر الدين الشيرازي فسنرى موضوعة الحركة الجوهرية وإن كانت تطرح الثابت والمتحول بطريقة مغايرة في الفلسفة الأوروبية لعلنا نرى ذلك موجودا عند هيغل في الديالكتيك وعند ماركس أيضا على رغم تباينهما. في الأديان كل شيء قارّ- يستبطن في ذاته - الثابت والمتحول مع تعدد القراءات والانفتاح على التأويل، وفي مجال الأدب على مستوى الشعر والقصة وما إلى ذلك نرى الثابت والمتحول على رغم اختلاف النقاش على هذه الإشكالية في حقل الأدب. في الفضاء الثقافي العربي كانت توجد إشكالية الثابت والمتحول بطريقة غير مرسخة وغير مقننة. فمثلا نرى ذلك حينما يقرأ قاسم أمين موضوع الحجاب في الشريعة الإسلامية بطريقة مغايرة للآخرين، التقعيد والتأصيل للموضوع والذي أخذ امتداده في الثقافة العربية المعاصرة كان مع طرح الشاعر العربي الكبير «أدونيـس» في كتابه (الثابت والمتحول) والذي أصل للثابت والمتحول من لحظة الخلافة، إذ اعتبر أن الخلافة هي التي شكلت الإطار الكلي للثابت من جانب والمتحول من جانب ثان والأنساق المختلفة التي خرجت فيما بعد. الآن سأشير الى بعض النقاط التي تناولها نادر... طبعا الثابت قد يستبطن في ذاته المتحول وليس بالضرورة أن يكون خاضع هذا لموضوع وذاك لموضوع، فقد يكون مستبطنا لثيمات خاصة ضمن البنية الأساسية للفكر، مثلا الطرح الحداثي والذي يقدم نفسه بوصفه الإمكانية المستمرة للتجاوز وإيجاد التحول المستمر، فليس بالضرورة -إذا - أن يكون الثابت والمتحول مفهومان نسبيان دائما.

- نادر كاظم: قد يكون صحيحا أن إشكالية الثابت والمتحول كما يقول حسين إشكالية عامة منذ فجر التاريخ إلا أن الصحيح كذلك أن هذه الإشكالية - مع ما في العبارة من تحصيل حاصل - لا تصبح إشكالية حقيقية إلا في لحظات (إشكالية) أو لحظات أزمـة تمر بها حضارات وثقافات معينة، فهذه الإشكالية تتجلى بوضوح في لحظة التصادم أو اللقاء بين الحضارة الغربية والحضارة العربية/ الإسلامية، إذ كان السؤال الكبير المطروح على المتنورين آنذاك هو: كيف نحافظ على ثوابتنا الدينية والثقافية من دون أن نتخلى عن فرصة الدخول في العالم الحديث والمشاركة فيه، وشبيه بذلك ما طرح في العصر العباسي (أعني إشكالية القديم والجديد) أو (المحدثين والقدماء) والتي قد برزت أدبيا، إلا أن لها حضورها المختلف في الحقل الديني والسياسي وغيرها.

التباين في الثابت والمتحول بين الفئات المختلفة:

- كيف نقرأ الثابت والمتحول بين المجددين واللامجددين؟ بمعنى هل ثمة مفارقة في الثابت والمتحول بين المجددين وغيرهم، بلحاظ الحقل الواحد؟

- نادر كاظم: طبعا الحديث بصورة إطلاقية في الموضوع قد يذهب بنا إلى تشعبات قد تخرجنا عن الموضوع، ولذلك أرى أن التركيز على نقاط معينة والانطلاق منها هو الأفضل في نظري... الاصطلاح الذي أطلق على المحافظين والمجددين طرح من عدة خلفيات، دينية وسياسية وحتى أدبية وثقافية، فالمحافظون عرفوا بتشبثهم بالثابت واعتباره أساس كيان الأمـة، وفي الضفة الأخرى فإن الليبراليين وغيرهم يعتبرون أن التشبث بهذه الثوابت هو أساس التخلف، وعلى هذا فإن فرص التقدم والتطور واللحاق بركب الحضارة الإنسانية (وهم يعنون العالم المتقدم) إنما تكمن في تجردنا من هذه الثوابت، وتمسكنا بالمتحول - هكذا يتصورون - غير أن هناك عدة أسئلة يجب أن نطرحها: هل التمسك بالثوابت يعني التخلف؟ وهل يكمن تقدمنا ورقينا بمدى قدرتنا على اللحاق بكل ما هو متحول ومتغير؟ ألم يكن من الأفضل للطرفين أن يفهم الثابت ليس بالسلب أو الإيجاب المطلق، وكذلك الأمر بالنسبة الى المتحول؟ نحن نشهد اليوم ظهور مراجعات نقدية ليس لدعاة المحافظة فحسب، بل للمجددين الأوائل كقاسم أمـين في حقل التجديد الاجتماعي الديني، وأذكر من هذه المراجعات القيمة مراجعة ليلى أحمد في كتابها «المرأة والجنوسة في الإسلام»، وكذلك على المستوى السياسي هناك مراجعات نقدية أخرى لمثل هذا التمثل الحدي والمتطرف لهذه الإشكالية، ويمكن أن نستشهد على ذلك بمراجعة نور الدين الزاهي لخطاب النخبة الوطنية المغربية في كتابه «الزاوية والحزب».

- السماهيجي: اعتقد أن المسألة شاملة ومعقدة جدا في العالم العربي أو الإسلامي أو لنقل العالم الثالث بشكله العام، المسألة الأهم في هذا الإطار تكمن في الجانب الديني، هناك أيضا جوانب أخرى كما تطرق لها نادر، والآن نلحظ أن ثمة رمزين كبيرين للنسق التجديدي متمثلين في السيدمحمد خاتمي والسيد محمدحسين فضل الله.

عفوا... السؤال هل ثمة مفارقة بين المجددين وغيرهم في الثابت والمتحول؟

- السماهيجي: سأصل الى هذا الموضوع، هناك تلقٍ سلبي يمارس وبصلابة لمسألة التحول لذلك توجد مفارقة، ولعلنا نستطيع أن نطرح الأمر بالمقلوب أيضا فعندما طرح نادر تساؤله: هل الثابت سلب ولا يكمن في ذاته الإيجاب؟ أقول: هل المتحول يمتلك إمكانية للوصول الى الحال الأفضل؟ مثلا مفهوم الحرية عندما يطرح الآن فهو يعتمد على أسس دينية (في الإطار الديني)، ولاشك أنك تحتاج دائما في تجديد قراءتك وأسلوب صياغتها إلى القراءات المتعددة.

اقتحام الثابت

والمتحول للمجالات المختلفة

كيف استطاع الثابت والمتحول كإشكالية إقحام نفسه في كل شيء، وتثبيت نفسه حتى على الذين لا يؤمـنون بثمة متحول؟

- نادر كاظم: أقول إن الإشكالية طُرحت على مفكري عصر النهضة والتنوير من باب الاضطرار لا الاختيار، فهم غير مخيرين في أن تطرح على وعيهم هذه الإشكالية أو لا تطرح، وأتصور أن لحظة الصِدَام بيننا وبين الحضارة الغربية قد أعادت توزيع ثوابتنا ومتغيراتنا، فقبل ذلك كانت لدينا ثوابت ومتحولات، ولكن بعد الصدام تغيرت هيئة تلكم التحولات والثوابت أو جزء منها على الأقل. لكن هل فرضت الإشكالية نفسها على الحضارة العربية منذ عصر النهضة؟ أقول: نعم فرضت وكان الفرض من باب الضرورة لا الاختيار كما قلت مسبقا.

- حسين السماهيجي: لا أختلف مع نادر في هذه الموضوعة مجملة، ووجود الإشكالية منذ البدء تراه جليا في كتاب أدونيس «الثابت والمتحول» عندما نظر اليها - أي الإشكالية - انطلاقا من انقلاب السقيفة والحوادث التي حدثت باعتباره- أي ذلك الحدث - مُوجِدا لنسقين متباينين وهذان النسقان ولدّا أنساقا مختلفة أشارت الى الثابت كما أشارت الى المتحول، وما لاشك فيه أن التعقيد حصل بتولد الإشكالات الفرعية منذ الاصطدام بالغرب الحديث أي منذ عصر النهضة.

(مقاطعا) لكن هناك من لا يؤمن بالمتحول كالأخباريين مثلا في المذهب الشيعي، والذين يرون أن النص يفسره النص ويتجمّد على ذلك النسق، كيف تعلق؟

- السماهيجي: للوهلة الأولى نقرأ أن الاخباريين كذلك يرجعون الى الأحاديث والسنة لتفسير كل شيء، ولكن لا اعتقد أن المسالة بهذه البساطة، فطبيعة استحضار أحاديث معينة، طبيعة الاستشهاد، مواضع الاستشهاد، السياقات المختلفة للاستشهاد وغير ذلك ينمّ عن لحظة قرائية خاصة.

- نادركاظم: أتصور أننا يجب أن نميز أولا بين شيئين: بين أن يكون الثابت والمتحول موجودين أو معدومين، وبين أن يكون فهمنا لإشكالية الثابت والمتحول فهما ثابتا أو فهما متحولا، فهناك ثوابت ما هي بالثوابت أصلا، ولكن ثمة فهم يضفي عليها هذه الصفة، أو أن ثمة جماعة معينة تريد وتسعى لأن يفهم المتحول في الأصل على أنه ثابت وهو ليس كذلك، والعكس صحيح أيضا، الثابت والمتحول موجودان في طبيعة الأشياء ولكن هناك جماعات تسعى الى تثبيت صفة الثبات لما هو متحول.

المجابهة التي فرضت

من قبل إشكالية الثابت/ المتحول

هل هناك مجابهة قوية قد سببتها إشكالية الثابت والمتحول وصلت الى حد التكفير والمروق؟ وكيف تقرأون تلك المجابهة فيما لو وُجدت؟ وكيف بالامكان تجاوزها؟

- السماهيجي: من طبيعة الأشياء أن توجد هناك قوى تعمل من أجل التغيير والترقية وقوى معوقة لذلك بعدة عناوين، سأترك الجانب المتعلق بالدين ومسألة التكفير للمختصين به، وسأقفز مباشرة الى مسائل الأدب والإبداع، فكل تغير وتحول مر به الأدب انطلق من موضوعة الثابت والمتحول، فهناك نموذج قار وذو جماليات معينة وهذه الجماليات يراها آخرون غير ذلك؛ لأن لديهم جماليات أخرى... إذ توجد عدة صيغ في مجال الأدب وصلت إلى شكل النص وجمالياته الخاصة...

(مقاطعا) أتحدث عن المجابهة... هل هي موجودة؟

- السماهيجي: المجابهة هنا موجودة، فهناك الكثير ممن كتبوا قصيدة النثر يرفضون أية كتابة أخرى وبالعكس أيضا.

- نادر كاظم: نعم، هناك مجابهة قوية، ثمة نمط معين من المجابهة يترحل في كل المجالات، وأقصد به نمط المجابهة الدينية، وهذا القول ليس دخولا في الإشكالية الدينية بقدر ما هي محاولة لفهم الحقول والمجالات في ترابطها، فكيف أفهم أن رواية معينة يُرمى صاحبها بالكفر والمروق وهي تنتمي إلى حقل الأدب؟ وكيف أفهم أن كتابا في الثقافة والفكر يكفر صاحبه وهو كتاب ينتمي إلى الحقل الثقافي؟ هذا يعني أن الحقول والمجالات مترابطة ومتداخلة، وهذا التداخل هو الذي يسمح بترحال ثيمة معينة أو استراتيجية دفاعية معينة من الحقل الديني إلى الحقول الأخرى.

البحرين نموذجا

كيف مُورست وجُوبهت الجنبة الأدبية على مستوى الثابت والمتحول بالبحرين؟

- نادر كاظم: طبعا البحرين كأية حال أخرى شهدت صراعا بين الأجيال. فعلى مستوى الشعر، هناك أجيال متعاقبة فهناك مثلا الجيل السبعيني الذي يمثله شعراء مثل قاسم حداد، وعلي الشرقاوي، وعلي عبدالله خليفة، وعلوي الهاشمي وآخرين... والتسعيني الذي يمثله حسين السماهيجي وكريم رضي وفاطمة التيتون ومحمد الحلواجي وغيرهم، وهناك جيل ظهر بعد التسعينيين وتزامن معهم مثل حسين فخر وعلي الجلاوي وجاسم الحاجي وسوسن دهنيم وغيرهم... كل ذلك يعطينا مؤشرات متباينة... وهذه حال من صراع الأجيال أو تعاقبها، ولكن هل يمكن فهم هذه الحال كشكل من أشكال إشكالية الثابت والمتحول؟ أتصور أن الإجابة عن هذا السؤال في هكذا مقام ستكون إجابة متسرعة. وأما بشأن موضوع المجابهة، فأقول إن طبيعة الإنسان البحريني لا تتسم بالعنف لا على المستوى الشخصي والاجتماعي ولا حتى في مواجهاته الأدبية والثقافية، ولذلك فغالبية المواجهات الحاصلة بين الأجيال الشعرية المشار إليها لم تكن مواجهات عنيفة، كذلك على مستوى النقد إذ نعرف أنه - ولفترة معينة - هيمن على الساحة النقدية المنهج الواقعي، وذلك في أعقاب التطرقات العابرة التي عرفناها لدى إبراهيم العريض، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن أبرز وجوه النقد البحريني على مستوى نقد الرواية والمسرح هو إبراهيم عبدالله غلوم، وعلى مستوى الشعر علوي الهاشمي، وهذان مع كونهما ينتميان الى جيل السبعينات الذي هيمنت على مشاغله واهتماماته الأيديولوجيا الواقعية. إلا أن دراستهما للشعر أو القصة حاولت أن تتجاوز المنهج الواقعي متبنية في أحيان المنهج الأسلوبي/ البـنيوي. طبعا هناك جيل يتشكل من النقاد الجدد كـمحمد البنكي، علي الديري، نادر كاظم، فهد حسين، جعفر المدحوب، علي القميش، ضياء الكعبي، محمد عبدالرزاق وغيرهم... الخلاصة أن التباينات تلك لم توجد مجابهة عنيفة بتاتا.

- السماهيجي: اتفق مع نادر على أن المجابهة في البحرين تتسم دوما بالمحاورة بالدرجة الأساس.

حسنا... كيف مُورست وجُوبهت الجنبة الثقافية/ الفكرية على مستوى الثابت والمتحول؟

- نادر كاظم: أولا يجب أن نجيب عن سؤال أولي وهو: هل في البحرين اليوم حال ثقافية/ فكرية فاعلة ومؤثرة؟ وهل هناك مثقفون ومفكرون ينتجون خطابات فكرية في البحرين، لكي نتحدث عن ثابت ومتحول؟ هناك أسماء تعد على الأصابع لمن ينتج الثقافة في البحرين، كمحمدجابر الأنصاري وإبراهيم غلوم، فهل الأسماء التي لا تتجاوز عدد الأصابع تمثل ظاهرة قادرة على توليد ثوابت ومتحولات...؟

(مقاطعا) ولكن هناك من يصنف أن ثمة ثقافة تقليدية وأخرى غير تقليدية، وبالتالي هناك مجابهة بين هذه الثقافة وتلك...

- نادر كاظم: ينبغي أن نميز بين حالتين: المجابهة الثقافية/ الفكرية والمجابهة الاجتماعية/ الدينية. قلت منذ قليل: إن الذين ينتجون الثقافة في البحرين معدودون على أصابع اليد الواحدة، فهناك فرق بين من ينتج الثقافة أو الفكر، وبين من يتداول الثقافة ويستهلكها. أما ما يشير إليه سؤالك فهو نوع من الصراع الثقافي ذي طابع اجتماعي، أو هو صراع اجتماعي يأخذ صبغة ثقافية تتم بين من ينفتحون على الثقافات الأخرى ومن يحافظون على أدواتهم الثقافية التقليدية نفسها فإنه صراع اجتماعي وليس ثقافيا، ولكنه يأخذ صورة أو صيغة ثقافية.

- السماهيجي: أنا أعتقد أنه من الأجدر لو كان السؤال قد قُرن بما ينتج من ثقافة هنا وما يمكن أن ينتج من مجابهات في الواقع العربي ككل، فمثلا أنا لا أستطيع أن افصل نتاجات محمدجابر الأنصاري عن النتاجات العربية المجاورة، فبالتالي قد أُلحق ظلما بنتاج الأنصاري لوحده أو النتاجات الأخرى على حدة...

- نادر كاظم: أتصور أنه من المبكر نوعا ما الحديث عن ثابت ومتحول في الخطاب الثقافي البحريني، غير أن هناك مؤشرات تبشر بتشكل خطاب/ خطابات متنوعة، ذلك بظهور جيل من المثقفين ممن تنم مقارباتهم عن عمق واتساع في الرؤية وتمثل جيد للنظريات والمناهج الحديثة. وهو ما يؤهلهم لأن يصلوا إلى مرحلة المثقف الذي ينتج الثقافة ويمارس الفكر، وحين يثبت هذا النوع من المثقفين حضوره، فإننا عندئذ يمكننا الحديث عن ثوابت ومتحولات في الخطاب الثقافي البحريني.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً