العدد 362 - الثلثاء 02 سبتمبر 2003م الموافق 06 رجب 1424هـ

العراق بعد دفن يد الحكيم... إلى أين؟

صراع الدّم الحرّ والغباء السياسي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يد الإجرام واحدة... والارهاب ملة واحدة، كما ان الكفر ملة واحدة. والسؤال الأهم الذي يطرح اليوم: العراق بعد السيد الحكيم إلى أين؟

أمس الثلثاء تم دفن ما تبقى من جسم الشهيد الحكيم (رض)، يد واحدة فقط تم التعرف عليها من خلال الخاتم وحده. جاءت الأفواج تلطم الصدور تفجّعا على الرحيل المبكر لهذا القائدالعائد بعد رحلة طويلة من العذاب والمنفى والجهاد. المناظر نفسها شاهدناها في طهران قبل 32 عاما: الاغتيالات القذرة، والأساليب نفسها، والغباء السياسي نفسه يتكرر اليوم في العراق، كأن ما يجري نسخة أخرى. ثم يتفلسف البعض قائلا: ان التاريخ لا يعيد نفسه!

في منتصف العام 1891، كانت إيران تعيش وضعا من الغليان والحراك الثوري المتأجج، ووسط تلك الثورة التي أطاحت بأكبر عميل غربي في المنطقة، وألقت به إلى الخارج هاربا فارا لاجئا من بلدٍ إلى بلد، برزت بعض الأطراف المتشددة التي تحمل في جيناتها العنف والقتل، لتجدّد في حياة الأمة الاسلامية تجربة الخوارج من جديد، أولئك الذين وصفهم رسول الله (ص) بالمارقين. وهو وصفٌ مأخوذٌ من مروق السهم، إذا أخطأ هدفه. وكان ان اصطدموا بالواقع الجديد، فقدّموا أكبر خدمة للشيطان الأميركي الأكبر، ما كان يحلم بها، وهو تصفية القيادات الفكرية والدينية والسياسية، في محاريب الصلاة وفي جامعة طهران وفي المؤسسات الحكومية. وفي أكبر ضربة واجهها الواقع الثوري الجديد تفجير الحزب الجمهوري الذي قتل فيه أكثر من سبعين شهيدا، في مقدمتهم آية الله بهشتي الذي كان يتعرّض لحملة مسعورة شعواء، شاركت فيها صحافتنا العربية «النزيهة»، سواء تلك التي كانت تعيش في المهجر وتدّعي لنفسها النطق بلسان الحقيقة، أو تلك التي كانت تقتات على عطايا البترول وتعيش تحت عباءات الأنظمة، لتخلق له صورة الدموي «راسبوتين الثورة»، فيما لقّبته الجماهير بالمقابل بـ «الشهيد المظلوم» .

الضربة الأخرى الموجعة أتت بعد شهر واحد، بالقضاء على أعضاء الوزارة الجديدة المشكّلة حديثا من نخبةٍ من الكفاءات القادمة من قلب الشعب، ما أدّى إلى تصعيد المواجهة مع هذا الطرف الإرهابي الجامح، الذي لم يعد يعرف غير سنّة القتل والاغتيال والتفجير، فهرب المتورطان بني صدر وحليفه مسعود رجوي متخفيين في زيّ نسوي خوفا من الاعتقال.

الضربات المتتابعة أدّت الى تقوية النظام الجديد وزادت من التفاف الناس حوله، على خلاف حسابات المنفّذين الذين كانوا يعتقدون ان هذه الضربات ستضعفه وتزلزله، فأصبح الخيار الاسلامي أمرا مجمعا عليه في الشارع الايراني. وجاءت الحرب التي أراد منها مخطّطوها ومنفّذوها تقويض النظام الجديد لتعزّز من ثباته أكثر وأكثر. انها عملية أشبه ما تكون بالمسمار يزداد ثباتا بزيادة الطرق عليه. فيالخيبة المسعى: ضرباتٌ طائشة، لم يستفيدوا منها شيئا غير الفوز بلقب «المنافقين»، فيما تضرّرت بلادهم كثيرا كثيرا بحرمانها من عطاء تلك الكفاءات المخلصة، فضلا عن الخدمة المجانية لعدو البلاد الأكبر.

لنعد إلى العراق، ماذا يريد منفذّو هذه الجريمة؟ إلى أين يريدون جرجرة العراق؟ ألم يكفِ ما انتهى إليه وضع أفغانستان؟ وكذلك باكستان؟ وغيرهما من الدول التي باتت ترزح تحت وطأة أحذية الجنود الاميركان. أم انه مسلسل الغباء، الذي لا يقف عند حد؟ «الأغبياء» في إيران انتهوا إلى «مرتزقة» في حرب صدام ضد بلادهم، فهم منبوذون في الأرض وملعونون في السماء، والغريب أن بعض «الكتاتيب» لدينا مازالوا يدافعون عنهم باعتبارهم طليعة القوى التقدمية للشعب الايراني! أما الأغبياء في العراق فمصيرهم لن يكون أحسن حالا، والوضع لن يتجه بعيدا عمّا حدث في إيران. الخيار الاسلامي الذي أريد ضربه وإسقاطه باغتيال السيد الحكيم، سيزداد قوة وتجذرا، فليس هناك ما هو أقوى مفعولا لتحقيق الوحدة والالتفاف حول أية راية، من الدم المسفوك ظلما. هذه عبرة التاريخ الخالدة أبدا. وطريقة قتل الشهيد في هذا المكان المثقل بذكرى السعي الذي لا يساوم لتحقيق الحرية، والجنوح الجارف لتطبيق العدل على الأرض التي استعبدها الطغاة عبر القرون، انما ستزيد من التفاف الجمهور المفجوع حول هذا الخيار وطروحاته. فطبيعة النفس البشرية السوية ان تميل مع كل مظلوم ومضطهد. بل ان الذاكرة العراقية المثقلة بميراث كربلاء، ستربط بين الأشلاء التي مزّقتها حوافر خيول الجيش اليزيدي وبين أشلاء آخر الشهداء المتساقطين في النجف الأشرف، وستثبّت يد الحكيم الباقية في زند العباس، مكان اليد التي قطعها الأمويون.

«أغبياء» العراق يجدّدون تاريخ«أغبياء» إيران، فلولا وشراذم كل ميراثهم ما خلّفه الخوارج من تقاليد القتل وسنن الاغتيال. ومع ذلك، ستجد من بعض «كتاتيبنا» من ينبري للدفاع عن هذه الجريمة وهذا الغباء، بعضهم سيكشف عن وجهه وحقده، وبعضهم سيطلون من جحورهم كالفئران المذعورة، ولتعرفنّهم في لحن القول قريبا.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 362 - الثلثاء 02 سبتمبر 2003م الموافق 06 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً