على امتداد السنوات الثلاث الماضية تنامت الأنشطة ذات البعد السياسي للحركة النسائية في البحرين. وجرت حوارات كثيرة ومكثفة من أجل إلقاء الأضواء على أسباب فشل المرأة البحرينية في الوصول إلى المجالس البلدية أو مقاعد المجلس النيابي. لم أطالع مقالا أو أسمع عن نشاط - ولتعذرني الحركة النسائية البحرينية إن اخطأت - يتناول تجارة الرقيق الأبيض التي تشهد نموا على الصعيد العالمي بما في ذلك مملكة البحرين. ولعل ذلك ما يدعو الجميع وفي مقدمتهم الحركة النسائية إلى أن يولوا هذا الموضوع الخطير الاهتمام الذي يستحقه. ليس القصد هنا تناول الموضوع في إطار صحي أو نطاق طبي، بقدر مناقشة القضية من جوانبها التجارية لكونها العنصر الأهم الكامن وراء هذه التجارة.
أصل التعبير
يعود استخدام تعبير تجارة الرقيق الأبيض إلى العام 0381 إذ استخدمه بعض الرموز البريطانية البارزة حينها من أمثال جوزفين باتلر و كاثرين بووث ووليام ستيد عندما طالبوا الحكومة البريطانية باتخاذ اجراءات من شأنها الحد من ظاهرة الدعارة. كانوا حينها قلقين من موضوع تفشي الدعارة في صفوف الأطفال ما جعلهم يطالبون برفع عمر بلوغ سن الرشد من 21 إلى 61. وكان على البريطانيين أن ينتظروا حتى العام 5781 كي يوافق مجلس العموم على رفع عمر بلوغ سن الرشد إلى 31 سنة.
ومن دون الحاجة إلى العودة لسبر أغوار التاريخ للحديث عن تجارة الرقيق الأبيض، فالعالم لايزال يعاني من هذه الآفة التي تترك بصماتها السلبية على أنشطة المجتمع كافة. وعلى المستوى الاقتصادي تعاني البلدان التي توجد فيها رسميا بيوتا للبغاء من الآثار المدمرة للأ نشطة المرافقة له مثل تجارة المخدرات والتي لا تندرج رسميا في دورة الاقتصاد الوطني.
الضحايا
تقدر إحصاءات الأمم المتحدة أن هناك ملايين من النساء والاطفال يتم ترويجهم واستغلالهم في أسواق الرقيق الأبيض، والعمل وأشكال أخرى مختلفة من الاستغلال في العالم، يولدون ثروة تصل قيمتها إلى ما يربو على 7 بلايين دولار.
وكشف تقرير نشرته محطة سي إن إن الاخبارية الاميركية في الاول من يناير/كانون الثاني 2002، عن انتشار ظاهرة تجارة الرقيق من النساء حول العالم لاستخدامهن في الأعمال الجنسية المحرمة، كما أشار التقرير إلى أن معدلات هذه الظاهرة تزيد عاما بعد عام... وقد أكد هذا التقرير بناء على أبحاث قام بها فريق بحث مقره جامعة جون هوبكنز بولاية ميرلاند بالولايات المتحدة الأميركية أن:
- هناك مليونا امرأة وطفلة يتم بيعهن كعبيد سنويا، ومئة وعشرين ألف امرأة من أوروبا الشرقية وروسيا والدول الفقيرة حولها يتم تهجيرهن إلى أوروبا الغربية لهذا الغرض الدنيء، وأكثر من 51 ألف امرأة يتم ارسالهن إلى الولايات المتحدة الأميركية وغالبيتهن من المكسيك، وتباع النساء القادمات من دول شرق آسيا بأميركا بستة عشر ألف دولار للواحدة ليتم استخدامهن بعد ذلك في بيوت الدعارة والحانات.
كما أن هناك ما يقارب مئتي ألف فتاة من نيبال، الغالبية منهن تحت سن الرابعة عشرة ويتم بيعهن كعبيد في الهند سنويا... وما يقارب عشرة آلاف فتاة من الاتحاد السوفياتي يتم إجبارهن على ممارسة الفاحشة في «إسرائيل»، وعشرة آلاف طفلة سيرلانكية بين السادسة والرابعة عشرة يجبرن على الفاحشة... وكذلك الحال بالنسبة لمانيمار والتي يصل فيها الرقم كما يذكر التقرير الى عشرين ألف حالة سنويا.
وتقول دراسة أجرتها البروفسور لازوس وهي باحثة أوروبية اجتماعية مرموقة عن تجارة الرقيق في أوروبا ان هناك ما يقارب من نصف مليون سيدة من أوروبا الشرقية يتم استغلالهن في مدن أوروبا الغربية. ومعظمهن يقمن بطرق غير شرعية في تلك الدول. وتقدر قيمة الأموال الناجمة عن تجارة الرقيق بما يربو على 7 بلايين دولار في العام. وتعتبر تجارة الرقيق الأبيض ثالث أهم قطاع مربح بعد تجارة السلاح والمخدرات. هذه الأرباح الفاحشة يتم تحقيقها من دون أية مجازفة لأن الضحايا غير قادرات من جراء الخوف أو الخجل من المثول أمام محكمة للإدلاء بشهاداتهن ضد من يستغلهن في تلك التجارة.
ونقل موقع إسلام أون لاين عن صحيفة «لوموند» الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 61 أغسطس/آب 3002 عن تقرير الوكالة الدولية للهجرة للعام 2002 أن هناك نصف مليون امرأة تستباح في أسواق تجارة الرقيق البيض من اوروبا الشرقية ومن دول الاتحاد الروسي في بلدان أوروبا الغربية.
وأوضحت «لوموند» أن عددا كبيرا من الفتيات القاصرات تم جلبهن من رومانيا وألبانيا ومولدوفا (إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق) وروسيا في إطار التجارة الجنسية. وأشارت إلى أن إحدى اللجان البرلمانية في مولدوفا كشفت في تقرير أعدته أخيرا عن أن «03 في المئة من الفتيات اللاتي يبلغ سنهن بين 81 و03 عاما قد اختفين من البلاد ولم تعثر عائلاتهن لهن على أثر».
وكشفت الوكالة الدولية للهجرة في تقريرها عن وجود شبكات للاتجار في الرقيق الأبيض في بلدان أوروبا الشرقية.
وقالت «لوموند»: إن أحد الصحافيين الألبان كشف في كتاب صدر تحت عنوان «نساء بين أظافر الصقور» كيف أصبحت العاصمة البلجيكية بروكسل محطة نهائية للألبانيات لممارسة الدعارة بعد أن يتم الاتفاق على ثمنها بين البائع الذي يكون عادة في ألبانيا، والوسيط أو المشتري بأوروبا الغربية. وقالت الصحيفة الفرنسية: إن الوسطاء والباعة أصبحوا يفضلون بلجيكا على غيرها من البلدان الأوروبية بالنظر إلى الأحكام القضائية الخفيفة التي تردعهم، إذ لا تتجاوز عقوبة بيع أو شراء فتاة خمسة أعوام سجنا، بينما قد تصل في فرنسا -على سبيل المثال - إلى 02 عاما من السجن.
وأضافت أن حوالي 006 فتاة تباع سنويا في بلجيكا على سبيل المثال، إذ يأتين من ألبانيا محملات بطلبات لجوء سياسي أوعقود عمل وهمية، مشيرة إلى أن إيطاليا تمثل بلد عبور رئيسي في تجارة الفتيات.
وكشفت «لوموند» أن تجارة شبكات تجارة الرقيق الأبيض تجلب أرباحا طائلة بالنسبة إلى من يدير شبكة هؤلاء النساء الضحايا؛ إذ يمكن أن تصل عائدات الواحدة منهن في الليلة الواحدة إلى 005 دولار، فيما تبلغ عائداتها شهريا حوالي 21 ألف دولار.
من جهة أخرى قالت «لوموند»: إن التقرير السنوي الثالث الذي أصدرته الإدارة الأميركية عن تجارة الرقيق الأبيض كشف عن أن عدد الفتيات اللاتي تم بيعهن منذ بداية العام 3002 وصل إلى 009 ألف فتاة في العالم، بينما كان 008 ألف في العام 2002، مضيفا أن ما بين 81 ألفا و02 ألفا فقط يتم جلبهن إلى الولايات المتحدة.
وقال التقرير: إن ضحايا عمليات البيع عادة ما يكن من البلدان الفقيرة أو من البلدان التي تعيش نزاعات مسلحة، مشيرا إلى أن هناك 51 دولة تنتشر فيها تجارة الرقيق الأبيض بكثافة، وهي: أرمينيا والبوسنة والهرسك وكوريا الشمالية وكوبا وجورجيا واليونان وهاييتي وكازاخستان وليبيريا وأوزباكستان والدومينكان والسودان وسورينام وتركيا وبليز.
دول مجلس التعاون
ويقول تقرير صادر عن مشروع الحماية ومقره جامعة جونز هوبكنز نقلا عن مصادر أمنية أنه خلال العام 1991 كان هناك ما لا يقل عن 00001 فتاة من مدينة حيدر أباد الهندية تم بيعهن وأجبرن على الزواج او ممارسة مهنة الدعارة في منطقة الخليج العربي «بعض دول الخليج أصبحت محطات لبيع النساء من أجل المتاجرة بأجسادهن... وان بنغلاديش أصبحت محطة العبور للأطفال والنساء القادمين من دول شرق آسيا»، فضلا عن عبور النساء والأطفال للمتاجرة بهم من شمال افريقيا، والشرق الأوسط ودول أوروبا الشرقية. وينقل التقرير عن مصادر رسمية «أنه خلال السنوات الثلاث الماضية تم نقل 76 جثة امرأة من شمال افريقيا من دول مجلس التعاون. وان الشرطة لاحظت ان الوكلاء يجلبون نساء من بنات جلدهم ويتعاونون مع وكالات إجرام خليجية لتسويق الفتيات اليافعات من بلدانهم لتسويقهن في دول الخليج. وتواجه هؤلاء النسوة ظروفا صعبة بما ذلك الاغتصاب والاعتداءات الجسدية».
الحروب بيئة نموذجية
والحروب هي أفضل مولد لتجارة الرقيق الأبيض فقبل وصول قوات حفظ السلام الدولية إلى كمبوديا في العام 1991 كان هناك ما يقارب من 0001 امرأة تمارس البغاء، وصل الرقم حاليا إلى ما قيمته 005 مليون دولار في السنة تولدها ما يقارب من 00055 امرأة وطفل هم عبيد في سوق تجارة الجنس ولا يتجاوز عمر 53 في المئة منهم 81 سنة.
وقد تم ترحيل ما لا يقل عن 0005 امرأة وطفل من الفلبين وروسيا واوروبا الشرقية إلى كوريا الجنوبية لخدمة القوات الإميركية المرابطة هناك.
هذه الأرقام تدعو المنظمات النسائية والجهات الرسمية ذات العلاقة إلى أن تعيد ترتيب أولوياتها.
العدد 362 - الثلثاء 02 سبتمبر 2003م الموافق 06 رجب 1424هـ