تحت عنوان «تطرف في العراق وعجز أميركي» كتبت «لو موند» الفرنسية تقول ان اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم، سلط الضوء على العجز الأميركي عن احتواء الحوادث التي وصلت إلى الحد الأقصى من التطرف في العراق، ووصفت عملية الاغتيال بأنها الأعنف منذ الإعلان الرسمي عن وقف العمليات العسكرية في العراق، وأشارت إلى ان الحادث يضع القوات الأميركية أمام عجزها عن ضمان الأمن، مضيفة انه بعد مقتل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد سيرجيو دي ميللو، ها هي شخصية معتدلة أخرى تتم تصفيتها في العراق متمثلة في شخص آية الله محمد باقر الحكيم، ولفتت إلى ان المراقبين يعتقدون ان اعتداء النجف يهدد بإغراق المجتمع الشيعي في أزمة، وخصوصا ان أصابع الاتهام تتجه تارة إلى أتباع صدام حسين، وتارة إلى المقاتلين السنة، وتارة إلى تجمعات شيعية منافسة لمحمد باقر الحكيم، الذي قتل في الاعتداء، إلا ان الصحيفة الفرنسية نقلت عن بعض الخبراء استبعادهم أن تكون عناصر شيعية وراء الاعتداء لأن الشيعي لا يمكن أن يقوم بالاعتداء على مقام شيعي. ونقلت «لو موند» عن اختصاصي في الشئون الإيرانية في الجامعة البريطانية في دورهام، ان ثمة احتمالا كبيرا لأن يدخل الشيعة في حرب أهلية كتلك التي حصلت عامي 9791 و0891 في إيران، حيث كانت الفصائل الشيعية تتنافس على السلطة في البلاد، إلى ذلك لفتت «لو موند» إلى ان الشك يحوم حول الشخصية الشيعية البارزة الأخرى وهي مقتدى الصدر المنافس الأول للحكيم، وختمت الصحيفة الفرنسية بالقول ان الاحتمال الأكبر أن يكون أتباع صدام هم وراء تفجير النجف واغتيال محمد باقر الحكيم. من جهتها عنونت «لو فيغارو» الفرنسية: «قائد التيار الشيعي المعتدل يقتل في النجف»، ورأت ان الارتباك سيد الموقف في العراق، وبدا لها ان ما من أحد بمنأى في العراق، عن استهداف حياته، متهمة من أسمتهم «الإرهابيين» بالوقوف وراء الاغتيال، كما اعتبرت ان الحادث يؤكد الفراغ الأمني الذي يتسع في العراق، ونقلت عن مدير مجموعة النزاع الدولي قوله «اننا نسقط في دوامات سقطنا فيها قبل ذلك في لبنان مثلا حيث كان السلاح يحل محل الأسلوب السياسي في حل المشكلات. وعنونت «ليبراسيون» الفرنسية: «مذبحة في المدينة الشيعية المقدسة» وعرضت وصفا مطولا لوجوه الناس المكفهرة وللهذيان الذي عم الناس في المكان إضافة إلى وصف كامل المشهد في النجف بعد عملية تفجير السيارة المفخخة التي أودت بحياة عدد كبير من الضحايا من بينهم آية الله محمد باقر الحكيم، ونقلت عن عدد من الأشخاص الذين كانوا موجوين في المكان ان أصابع الاتهام تتوجه إلى فلول النظام السابق وإلى صدام بالذات الذي اعتبره أحد الشيعة الذين تحدثت إليه الصحيفة: «العدو الأول والأخير في ضمير كل شيعي»، كما أوردت الصحيفة الفرنسية آراء بعض الناس في النجف عن وضع العراق، بعد الحادث، ناقلة عن أحد علماء الدين في النجف قوله ان الوضع في العراق، اليوم خطير للغاية كما ان اغتيال الحكيم هو منعطف يفوق أهمية تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، كما نقلت عنه قوله ان البحث عن الفاعلين يعد بمثابة الغرق في مستنقع فترة ما بعد الحرب التي تتحول إلى كابوس للعراقيين يوما بعد يوم.
... والبريطانية تأسف
كذلك تناولت الصحف البريطانية الحدث، فعنونت «الغارديان» البريطانية: «أحد كبار علماء الدين الشيعة العراقيين يقتل في تفجير مسجد» وكتبت تقول، ان العراق غرق البارحة في مرحلة الأزمات حين انفجرت سيارة مفخخة في النجف وأودت بحياة 08 شخصا من بينهم أكثر عالم دين مسلم ذي تأثير في العراق. ووصفت «الغارديان» الحكيم بأنه حليف لا يستهان به للقوات الحليفة في العراق، وأشارت إلى انه قرر العودة من المنفى للعمل من أجل عراق ديمقراطي، وليس إلى تحويله إلى بلد ثيوقراطي مثل إيران.
... الأميركية: الاتهام إلى «السنّة»!
من جانبها تناولت الصحف الأميركية الحدث وتوقع الجميع أزمة على مستوى قوات الاحتلال كما على مستوى الطائفة الشيعية، لكن الواضح ان أصابع الاتهام وجهت إلى «السنّة» العراقيين مع ترجيح أن يكون مؤيدو صدام حسين وراء العمل، واستبعاد أن تستطيع فئة من الشيعة تفجير مكان بهذه القدسية... واعتبر أنطوني شديد في «واشنطن بوست» ان مقتل الحكيم تعمق بلاء الأميركيين، ولفت إلى ان مقتل الحكيم أفقد الأميركيين أهم وسيط بينهم وبين الشيعة العراقيين، ورجح أن يؤدي مقتل آية الله الحكيم إلى انقسامات خطيرة في صفوف الشيعة العراقيين، لكنه وعلى نحو لافت و«محرّض»، اعتبر ان المتهم الأول في تفجير السيارة المفخخة في النجف هم السنّة وبالأخص فلول النظام السابق لأن ما من شيعي سيقوم بتفجير مقام شيعي مقدس في أي مكان في العالم فكيف الحال في العراق معقل الشيعة؟! وكتب دكستير فلكينس في «نيويورك تايمز» مقالة افتتاحية بعنوان «موت وتردد في العراق»، لاحظ فيها ان مقتل أهم المراجع الدينية في العراق، قد قابله صمت سياسي في العاصمة العراقية إذ لم يحدد المسئولون العراقيون والأميركيون بعد من من بينهم يجب أن يعلن عن موقفه من الحادث، ووصف فلكينس، محمد باقر الحكيم بأنه رمز الاعتدال في العراق، ولاحظ انه في وقت دعا أنصار الحكيم إلى الثأر وسفك دماء مرتكبي عملية الاغتيال، بدا المشهد البغدادي مختلفا تماما فالمسئولون العراقيون والأميركيون على حد سواء بدوا كأنهم في ورطة وكانوا يتصرفون وكأن شيئا ما قد تغيّر.
العدد 360 - الأحد 31 أغسطس 2003م الموافق 04 رجب 1424هـ