قريبا سيعود النشاط البرلماني وتعود معه الإشكالات والحوارات التي طرحت خلال الأشهر الماضية. ومن تلك الإشكالات الحديث عن المعاشات والمنح المرتفعة لأعضاء البرلمان. غير أن هناك خوفا من أن التركيز على هذا الموضوع قد يقود الحوارات إلى أمور غير جوهرية، على رغم أنها مهمة.
فموضوع المعاشات المدفوعة إلى أعضاء البرلمانات وأعضاء الحكومات في كل أنحاء العالم له نظريات كثيرة. سنغافورة مثلا، تعتمد دفع معاشات مرتفعة جدا للعاملين في الوزارات. ورئيس الحكومة السنغافوري يقترب معاشه من المعاشات المرتفعة التي تدفعها الإدارة الأميركية إلى موظفيها. والنظرية هذه تقوم على أساس منع الفساد، وإذا تم رفع مستوى المعاش فإن أكثرية الموظفين لن يلجأوا إلى الرشوة والفساد. في مقابل ذلك لا تتسامح القوانين السنغافورية مع أي موظف عام يُلقى القبض عليه بتهمة الرشوة أو الفساد. وعلى هذا الأساس فإن زيادة المعاش وزيادة العقاب يعتبران الوسيلة لمنع الموظف العام، ومعه أيضا عضو البرلمان من تسلم الرشا.
البريطانيون كانوا لا يهتمون بمعاشات أعضاء مجلس العموم (أعضاء مجلس اللوردات ليس لهم معاش). فهم يعتقدون أن الذي بيده شئون البلاد ليس بالضرورة يكون غنيا أو يتسلم أكثر من موظفيه. وفعلا فإن الوزير البريطاني يتسلم أقل من بعض الموظفين العاملين لديه حتى في وقتنا الحاضر. ولكن خلال الخمس سنوات الماضية قام البرلمان بزيادة معاشات أعضائه على رغم الضجة الصحافية التي أثيرت ضدهم. فأعضاء مجلس العموم هم الذين يحددون معاشاتهم ومعاشات الوزراء ورئيس الوزراء. وتصعيد مستوى المعاشات أصبح ضرورة بعد أن انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة لم تكن منتشرة من قبل، وهي ظاهرة تسلم الرشوة من قبل أعضاء البرلمان، وتم اكتشاف بعضها وتمت الإطاحة ببعض النواب، وسجن على الأقل واحد منهم. لذلك نادى كثيرون بزيادة المعاشات لأن المثل النظرية لا تجدي لوحدها لمنع هذا المسئول أو ذلك العضو من تسلم الرشوة.
أعضاء البرلمان الأوروبي لهم قصتهم الأخرى. فلسنوات كثيرة كان أعضاء البرلمان الأوروبي يتسلمون معاشاتهم من دولهم، كلٌ بحسب مستوى المعاش الذي يدفع إلى عضو البرلمان الوطني. وكان الفرنسي والألماني يتسلم كل منهما ضعف الأيرلندي وثلاثة أضعاف البرتغالي. ولكن ابتداء من العام المقبل سيدخل أعضاء من عشر دول أوروبية شرقية البرلمان الأوروبي، وهي من الدول الأقل ثراء (بكثير) من دول أوروبا الغربية. ومن حسن حظهم ان البرلمان الأوروبي قرر ابتداء من العام المقبل مساواة معاشات جميع أعضائه. وهذا يعني أن عضوا من دول مثل سلوفاكيا ربما سيتسلم معاشا أكثر بثلاثين مرة من معاش يتسلمه عضو في برلمان سلوفاكيا الوطني، لأن العضو الفرنسي أو الألماني لن يقبل بأقل مما كان يتسلمه. ومهما نزل فإن أعضاء البرلمان من الدول الأوروبية الشرقية سيستفيدون كثيرا من زيادات هائلة في دخلهم.
ومثلما انشغل البحريني بكمية الأموال الهائلة التي يتسلمها أعضاء مجلسي النواب والشورى، ينشغل البريطانيون والأوروبيون بكمية الأموال التي يتسلمها أعضاء البرلمان.
غير أن النقطة المهمة تكمن في أن مستوى الدفع بحد ذاته لا ينبغي أن يكون محور الحديث، وانما المحور هو فيما إذا كان العضو مستقلا وقادرا على حمل الأمانة من دون فساد سواء كان لديه مال كثير أو قليل.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 360 - الأحد 31 أغسطس 2003م الموافق 04 رجب 1424هـ