لعل من أهم ما قاله وزير الصناعة حسن فخرو أثناء لقائه بالصحافة يوم الثلثاء الماضي هو اشارته إلى عدم تأثر نمو قطاع الصناعة بالاعتصامات وأجواء الانفتاح السياسي بدليل الارقام التي استعرضها. ومثل هذا الحديث يعبر عن شجاعة وثقة بالمشروع الإصلاحي وفهم لطبيعة الانفتاح في أي بلد كان.
ولو زار شخص احد البلدان المتقدمة فسيسمع وسيقرأ الكثير عن الفضائح والاضطرابات وغيرها. ولكن لو قارن الوضع التنموي ومستوى المعيشة لتلك البلاد مع غيرها في البلدان لاطلع على حقائق ربما أدهشته. فهل يصدق أحد ان بلدا مثل إسبانيا بأربعين مليون نسمة لديها ناتج محلي أكبر من كل الدول العربية مجتمعة والتي يبلغ عدد نسمتها قرابة 300 مليون نسمة. ولو قرأ شخص ما الصحف الإسبانية لاطلع على فضائح ومحاولات انفصالية لمنطقة الباسك وحرائق كبرى ومشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية كثيرة. ولو قارن كل هذا بالصمت والهدوء وانعدام الأخبار في بلد عربي ما لتوقع ان إسبانيا في أسفل سافلين، ولكن العكس هو الصحيح.
الواقع البحريني متحرك والحركة تنتج عنها شرارات واحتكاكات ولكن السعة الاستيعابية لتلك الأمور هي التي تحول الطاقات الى اتجاه ايجابي يحافظ على السلم الأهلي ويحفظ الحقوق وينمي الاقتصاد. والحديث عن الاعتصامات لا يعني انقلاب الوضع وتعطيل الحياة. الإشارة إلى ان بإمكان المواطنين التعبير عن رأيهم عبر وسائل قد تصل في شكل من اشكالها الى التظاهرات. والتظاهرات عادة نوعان، نوع تجده في الدول الدكتاتورية وهي التي تقوم السلطة بتنظيمها، كما كان نظام صدام حسين البائد يفعل ذلك، وتهدف للتصفيق لسياسات الحاكم. وهناك نوع آخر ينبع من الجمهور لحاجة مشروعة ويلتزم فيه المشاركون بضوابط تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم من دون إحداث أضرار موجعة باقتصاد البلاد.
فالناس في أي بلد ما يتجمعون حول أهداف شتى، وهو ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: «إنّ سعْيكُمْ لشتّى» (الليل:4)، وهذه الأهداف يمكن تصنيفها أصنافا كثيرة، فالأفراد يبحثون عن العيش بمستوى معين من الرفاهية وسيدافعون عن حقهم في الحياة بكرامة وعزة، بحسب فهمهم المختلف للمستوى المقبول. والناس تبحث عن حياة توفر لهم قيما واخلاقا فاضلة، وآخرون يبحثون عن أمور أخرى. وبما انه لا يمكن لفرد واحد أو مجموعة واحدة احتكار الرأي الأصح فإن البشرية وجدت ان الاسلم لمجتمعاتها هو السماح بتعددية الآراء.
على ان التعددية في الآراء لها ضوابط في كل زمان ومكان، وما هو مقبول أخلاقيا (مثلا) في بلد ما ليس مقبولا في بلد آخر. ولذلك فإن المجتمع الدولي توصل الى قواسم مشتركة لخصها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبما ان الإعلان العالمي ليس مفصلا فقد تفرعت منه عهود واتفاقات كثيرة وتطالب منظمة الأمم المتحدة جميع الدول بتوقيعها لكي يمكن اعتمادها أساسا للحوار والإصلاح والتفاهم بما يعزز السلم الأهلي. والسلم الأهلي (المحلي) هو الذي يخلق السلم الاقليمي ثم السلم الدولي، وهو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه (من الناحية النظرية على الأقل) منظمة الأمم المتحدة.
ان أهم تفريعين عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجميع هذه الحقوق توصلت إليها الإنسانية كحد أدنى لتحقيق التعددية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي تحقيق السلم الأهلي. وما نحن بحاجة إليه هو تعزيز حال الانفتاح السياسي من عدة نواح. فالقوى الاجتماعية بحاجة إلى ان تلتزم بضوابط عقلانية والحكومة مطالبة بأن تسارع في توقيع العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبذلك نعزز الجوانب الايجابية من تجربتنا السياسية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ