العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ

لستُ ناشطا حقوقيا

قيل لي إنك (ناشط حقوقي) ممتاز... فضاعفت من العمل، وغصت بين الملفات والأوراق الصفراء، ذقت ذرعا برصد الانتهاكات والتجاوزات، طفح الكيل وماعدت أتحمل... سئمت الجدران الأربعة، لابد من الخروج لتنفس الهواء النقي، وبهدوء مصطنع وبرغبة مفعمة بتلطيف المزاج المُعكر، فتحت مذياع السيارة... وجاء في الموجز: «تفجيرات... اغتيالات... مُظاهرات مقموعة... اعتقال صحافي...».

أغلقت المذياع... ماهذا؟ عالم مشحون بالانتهاكات، ومنظمة العفو الدولية غارقة في إرسال المناشدات، والأمم المتحدة تكيل بمكيالين، ومسيسة الى حد النخاع !

التقرير الأول

كان مشهدا مُلفتا، وكان لابد من تدوين لقطاته جيدا... لاحت لي أرغفة الخبز من بعيد، إذا هاهي اعتصامات العاطلين، حدقت في مبنى وزارة العمل والمناوشات بين المعتصمين ورجال الأمن محتدمة... حينها تجمدت مكاني وماعدت أقوى على الحراك و امسكت بالقلم لأسجل مواقف الانتهاك ولأدون التقرير الأول.

التقرير الثاني

أنغمست في المذاكرة، منحتها قواها وجعلت منها هدفا في الحياة... تحقق حلمها ونالت معدل (امتياز)، ومع ذلك لم تُوظف!!... ألا تستحق أم إنه (التمييز)... تذكرت عندها ان البحرين قد وقعت «الاتفاق الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري» في 27 مارس/آذار 1990، و طلبت اللجنة الدولية المختصة بتطبيق الاتفاق من الحكومة تسليم تقرير عن التمييز في البحرين 26 ابريل /نيسان 1991 وعاودت طلبها في 1995 وجددته في 1997، وعلى رغم إلحاح اللجنة فإنها لم تلق تجاوبا حتى 1998، ولذلك ادرجت اللجنة اسم البحرين في قائمة الدول التي تأخرت بشكل كبير في تسليم التقارير. ويبدو ان (التمييز) جار على قدم وساق... لذلك امسكت بالقلم لأسجل الانتهاك ولادون التقرير الثاني.

التقرير الثالث

كان تدوين التقرير الثالث وسط المحكمة الجنائية الصغرى اذ يُجرجر الصحافيون ورؤساء التحرير!! في حين ان حق الإنسان في ممارسته لحرية الرأي والتعبير من الحقوق الإنسانية المهمة والأساسية، إذ يلي حق الحياة، ويعد المدخل الطبيعي والمباشر لممارسته حقوقه الأخرى، ومن لا يملك حق حرية الرأي والتعبير لا يملك أي حق آخر ونص على ذلك دستور مملكة البحرين وميثاق العمل الوطني ، وأكدت عليه المعاهدات والمواثيق الدولية... لذلك دونت بصمت الانتهاك الثالث.

التقرير الرابع

جاءني اتصال عاجل: آلو من المتحدث؟

- نعم، أم أحد سجناء جو المركزي.

- وما الجديد؟

- أخبرني ابني ان مطالبهم لم تتحقق بعد، ومن غير المسموح أن يتحدثوا أكثر من خمس دقائق.

أقفلت الهاتف ليعاد شريط إضرابهم الذي استمر 14 يوما لتحقيق مطالبهم المتمثلة «بإعادة النظر في الأحكام، ووقف التعذيب النفسي والجسدي، والتأهيل والتعليم، وفصل الفئات العمرية المختلفة عن بعضها بعضا». حينها أخرجت ورقة صغيرة كتبت عليها «متى تراعى الحقوق النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء»؟!

الكابوس

توقفت وما عدت أتحمل تدوين تقارير أخرى... تطلعت الى السماء، وحملت حقيبتي السوداء المشحونة بقصاصات الأوراق والتقارير، فجأة... هبت رياح قوية... تناثرت الأوراق والبنود، طاردتني الانتهاكات حاصرتني من كل جانب... سمعت صوت مبحوح : «ألا ينتهي نومك... لقد تأخرت عن العمل »... افقت من الكابوس المرعب، وحمدت الله انني لم أكن ناشطا حقوقيا

العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً