العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ

سئمنا الاعتصام تحت أعمدة الشمس المُلتهبة

5000 وظيفة... والعاطلون:

ارتفعت أرغفة الخبز في ساحة الاعتصامات المقابلة لوزارة العمل، وارتفعت معها الأصوات المطالبة بحقوقها الضائعة... اهتزت الأحبال الصوتية بقوة لتعلن الحناجر تذمرها من «الوعود المعسولة»... حينها صمتت الألسن الرسمية، ونطق حامل الخبز: أريد خبزا...

انتهى أسبوع اعتصامات العاطلين، لتبدأ معه عروض وزارة العمل المتمثلة في الـ 5000 وظيفة، غالبيتها حفريات وتركيب «سكلات»! ولا يبدو أن هذه الوظائف قادرة على توفير حياة كريمة للمواطن!

«البطالة»... الأزمة الجديدة القديمة، مرت، ومازالت تمر، بفترات جمود وتوقد... تخفت حينا وتظهر كلما ضاق أصحابها ذرعا بها.

والسؤال الملح الآن... لماذا يُشارك القليل في الاعتصامات على رغم أن العدد يُقدر بــ 28 ألف عاطل؟ ولماذا تُفكك لجان العاطلين من ناحية عملية بعد فترة من تشكيلها؟ وهل يعتد العاطلون بالجمعيات السياسية والأهلية؟

أليس من حق المواطن أن تُوفر له فرصة عمل مناسبة بدلا من «العمالة الوافدة»، وتربع موظفي «الفري فيزا» على الوظائف؟

اللجان تفتقد الثقة

تحدثت «الوسط» الى أحد الأعضاء السابقين في لجنة العاطلين عن العمل هاني عباس وعبر عن واقع اللجان بقوله: «قبل أن تتكون لجنة العاطلين الحالية (التي ساهم في تشكيلها مركز البحرين لحقوق الإنسان) عانينا كثيرا، إذ نشبت خلافات حادة ما بين العاطلين أنفسهم، بل وتلقيت اتصالات تتهمني بالسعي وراء مصالحي الشخصية! إذ عمدت الوزارة إلى توظيف أعضاء اللجنة، الأمر الذي دعا العاطلين إلى التشكيك في اللجان وفقد ثقتهم بها».

وأضاف: «واجهنا صعوبات كثيرة أثناء تأسيس اللجنة الحالية وقد تفككت عمليّا الآن، وبات التنظيم فرديّا وغير منظم».

وأشار إلى أن مؤتمر العاطلين الذي سعت اللجنة إلى اقامته في جمعية المهندسين وسط استضافة الكثير من الرموز الوطنية والسياسية تم إلغاؤه، وبين أن لبعض الجمعيات السياسية دورا في ذلك، وعلل افتراضه بقوله: بعض الجمعيات السياسية التي فقدت جزءا من جماهيريتها وقاعدتها الواسعة عملت على ممارسة الضغوط للحد من إقامة المؤتمر لتتبنى «ملف البطالة» رغبة في تحقيق «مكاسب سياسية»... وقد اقترحت على الأعضاء أن نقيم المؤتمر في الشارع على أن يُلغى هكذا ومن دون سابق إنذار!.

إلا أن التصريح الأخير لرئيس جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان بتأكيد مشروعية الاحتجاج والتجمع ساهم في إزاحة الضباب عن موقف «الوفاق» من الاعتصامات، الذي قيل إنه يميل إلى التهدئة، وإتاحة المزيد من الوقت لوزارة العمل.

وبدا هاني مُحبطا من أية جهات أخرى. ونوه إلى أن العاطلين الذين تم اعتقالهم قبل أقل من أسبوعين لم يسأل أو يدافع عنهم أحد، وقال: «لابد أن تحاسِب الجهات الأهلية والرسمية للوضع قبل أن ينفلت».

البطالة قضية سياسية

رملة جمعة (عاطلة عن العمل) - خريجة بكالوريوس خدمة اجتماعية، تقول: «إن كان لا يراد لنا أن نتكلم عن دور الجمعيات السياسية كي لا تُسيس القضية، فالبطالة تُعد قضية سياسية اجتماعية. أما عن فقدان الثقة باللجان، فإن أردت أن تميت موضوعا فأحله إلى لجنة. فللجان اجتماعات طويلة وعمل قليل». ودعت جمعة إلى «ضرورة التنسيق والعمل المنظم وعدم التوجه بشكل فردي ومستقل، والإصرار على المطالب وإن تكررت الردود ذاتها من المسئولين».

أُقفلت الأبواب!

وواصلت: «نحن بوصفنا خريجات خدمة اجتماعية رفعنا عريضة إلى وزارة العمل، فإن لم يوظفونا مشرفات اجتماعيات في وزارة التربية فليتم تأهيلنا على الأقل، وطرح قرار بتأهيل طالبات الخدمة الاجتماعية. ولا يستطيع أحد أن ينكر ان هناك حاجة ماسة إلينا باعتبارنا مشرفات ولكن المشكلة في الموازنة». وتعتقد رملة أن القرار الذي توصلت إليه «العمل» غير حكيم، «فبدلا من صرف موازنة قدرها 156 ألف دينار لتأهيلنا في عمل لا يناسبنا فالأولى أن نُوظف في عمل يليق بمستوانا الأكاديمي».

ولم يخل حديثها من الحرقة إذ تقول: «حينما ذهبت لمراجعة طلبي في وزارة التربية قيل لي ان ترتيب اسمي في اللائحة يعد الثمانين! فإذا كانت الوزارة تُوظف في السنة 5 خريجات، فمتى سيتم توظيفي؟!... ربما بعد 16 سنة!!، وقال لي الموظف في التربية: أُقفلت الأبواب!!».

التوظيف في الدفاع والداخلية

محمد جاسم (عاطل عن العمل) تساءل: «لماذا لا يتم توظيفنا في وزارتي الداخلية والدفاع، فبإمكانهما استيعاب عدد كبير من العاطلين؟ ولماذا العمالة الوافدة تسرح وتمرح في الوظائف التي من المفترض أن نملك أولوية التوظيف فيها!!».

رد وزارة العمل

وكان الوكيل المساعد لشئون العمل في وزارة العمل والشئون الاجتماعية صادق الشهابي قد بين سابقا أن «الوظائف التي تعرضها الوزارة على الباحثين عن عمل هي ما يعرضها عليهم القطاع الخاص... والاتهام الموجه الى الوزارة بعرض الوظائف الدنيا على المواطنين غير صحيح، إذ إن دورها التنسيق مع القطاع الخاص لتوظيف العمالة الوطنية، وتقوم بتسلم الشواغر منه ومن ثم تعرضها على الباحثين عن عمل، كما تقوم بالتنسيق بين طالب العمل وصاحب العمل».

أزمة سياسية

ذكرت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي أن «نسبة البطالة تُقدر بـ 15 في المئة من العمالة الوطنية، ويرجع ذلك الى عدة أسباب أهمها تدفق العمالة الأجنبية من دون قيد، وعدم وجود سياسة حازمة وخطة واضحة للإحلال، الى جانب غياب الحد الأدنى للأجور، وعدم مواكبة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات سوق العمل. وتنعكس البطالة سلبا على دخل الأسرة وبالتالي تُسهم في تعميق مشكلة الفقر، وتدني مستوى المعيشة، وتترتب على ذلك مشكلات اجتماعية قد تؤدي في حال تفاقمها الى حدوث أزمة سياسية جديدة قد تُهدد الأمن والاستقرار في البلاد».

وكما يقول السياسيون: «العامل الاقتصادي له دوره الأساسي في تحريك الأوضاع السياسية في العالم».

حق الحماية من البطالة

لسنا بحاجة الى نصوص تكفل حق الإنسان في العمل، بقدر حاجتنا إلى التطبيق العملي لهذه النصوص التي ألزمت الجهات المسئولة نفسها بها، إذ تنص الفقرة (ج) من المادة (5) من دستور 2002 على أن «تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل او البطالة، كما تؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي».

وينص الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني (البند السابع) على أن «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برنامج التنمية الاقتصادية».

وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (23) على أن «لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة».

وفصل العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الذي لم تُوقعه البحرين إلى الآن) حق العمل في مواده السبع الأولى. وجاء في البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة (ب) من المادة (15) «لكل إنسان أن يعمل وينتج تحصيلا للرزق من وجوهه المشروعة».

شكوى الرغيف

أخذ الرغيف يشكو: سئمت الأكف المبللة بالعرق... سئمت الاعتصام تحت أعمدة الشمس المُلتهبة... متى تعود الحقوق إلى أصحابها؟ متى تُفتح أبواب كل وزارات الدولة بلا استثناء لكل العاطلين بلا تمييز؟ متى تتقلص العمالة الأجنبية ويُحفظ حق المواطن؟... يتذمر الرغيف: متى يكف (حامل الخبز) عن تجسيد واقعه بي؟!


العاطلون... قنابل موقوتة

المنامة - علي ربيع

المحرر الحقوقي نكأ الجرح من جديد، جرحٌ لا يراد له أن يندمل، يمزق أحشاء العاطلين، وينخر أجسادهم .العاطل لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل مأساة مجتمع غير قادر على التعاطي مع مسئولياته وايجاد حلول فعالة له. فليس الدستور والمواثيق الدولية التي تكفل للعامل حق الحصول على العمل الذي يضمن له الحد الأدنى من الكرامة وعدم استجداء غيره، بل الميثاق الإنساني والضمير الحي الذي لا يرضي لأهله البور والفقر والعوز... الضمير الذي يتألم لمشاهدة اخوانه واخواته يعملون كما عمل السخرة بل أشد وطأة، فلا مكافآت ولا حوافز ولا اجازات مرضية.

قبل أن يتسلم مجيد العلوي حقيبة وزارة العمل والشئون الاجتماعية، استبشرت خيرا بأخبار كانت تلوح بالأفق عن إمكان ترشيح العلوي لهذا المنصب، ثم زادت فرحتي بعد تأكد هذه الأنباء، إذ أنه من المطلعين على الأوضاع الحقيقية للشباب البحريني والمعاناة التي يعيشونها مع أرباب العمل بحكم خبرته السابقة. ولكنني حائر الآن وتزداد حيرتي كلما وقفت على أخبار العاطلين وتعامل الوزارة معهم، إذ يعامل العاطل وكأنه أتى يستجدي العمل وبشروط تفضيلية لا تنطبق وتلك التي نص عليها الدستور والميثاق الوطنيان أو الاعلان العالمي لحقوق الانسان .فالأعمال التي عرضتها وزارة العمل لا توفر الحد الأدنى من كرامة العيش للعاطل مما يحتاجه الشاب أو الشابة اليوم، فضلا عن المتزوج، في وقت تشهد فيه الأوضاع الاقتصادية انتكاسات عدة، ما ينعكس سلبا على الأسعار التي تسجل ارتفاعا مطردا .

عندما بثت وزارة العمل والشئون الاجتماعية الوظائف في الصحف، هل أجرت إحصاءات لها ومدى تطابقها مع لياقة العاطلين من جهة، والمستوى الأكاديمي لهم من جهة أخرى؟ ثم أين الخطط التي أعدتها الوزارة للقضاء على هذه المشكلة وجعل أرقامها بمستوى الأرقام التي تتناسب مع دولة حققت المرتبة الأولى في التنمية البشرية على مستوى الشرق الأوسط؟

ولأن الوزارة ليست وزارة عمل فقط، وهي تختص بالشئون الاجتماعية، هل أعدت دراسات بشأن الانعكاسات الاجتماعية لاستمرار مشكلة البطالة على الفرد والأسرة؟ وهل هناك دراسات أخرى لانعكاس المشكلة على الوضع الاقتصادي في البلد؟

بقاء العاطلين معلقين ما بين تفضيل العامل الأجنبي في الوظائف القيادية والمهمة، وبين الوظائف التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يجعلهم قنبلة موقوتة تشارف على الانفجار، ما لم يتحرك المسئولون لاستيعابها وتطويعها لصالح خدمة الوطن والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم أو المساهمة في تطويرهم وتدريبهم وفي النهاية اكتساب عمالة مؤهلة، ما يعود بالنفع على المؤسسة والدولة.

البطالة قبل أن تكون مشكلة اقتصادية، هي مشكلة اجتماعية تبرز ضعف واضطراب الأجهزة الحكومية في التعامل مع معضلة تعتبر مسألة حلها من الأوليات التي أنشئت من أجلها هذه الأجهزة

العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً