العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

انعدام السلطة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

العراق يمر الآن في مرحلة «انعدام السلطة». فالدولة غابت والاحتلال فشل في فرض سلطة بديلة، والمجلس الانتقالي يفتقد إلى شرعية أهلية تعطيه صدقية سياسية لإعادة تكوين دولة دستورية جديدة.

هذا الوضع خطير ويرجح ان يستمر في تدهوره إذا لم تتدارك الدول العربية الموقف وتعمل على وضع آلية عمل بديلة عن الاحتلال الذي يبدو انه يخطط لاثارة الفتن بقصد إرباك المقاومة وتبرير استمراره بذريعة المحافظة على الأمن.

الى الدول العربية، لابد ان يتحرك مجلس الحكم الانتقالي داخليا بدلا من محاولاته نيل تغطية عربية لتمثيله السياسي. فالمجلس بحاجة إلى شرعية عراقية وهذا لا يتأتى من اتصالات خارجية وجولات عربية. فمهمات المجلس في النهاية عراقية وعليها يجب ان يركز انتباهه. وأولى خطواته تبدأ في الداخل بأخذ مسافة سياسية عن الاحتلال وتوسيع رقعة تمثيله حتى ينال رضى الشعب العراقي بأطيافه ومناطقه كافة. فقوة المجلس من أهل العراق لا من الاحتلال. وبقدر ما يبتعد عن قوات الاحتلال وينفتح على مختلف القوى الاهلية والسياسية العراقية... بقدر ما يكون قد اقترب من أهلية تمثيله لمصالح الناس ورغباتهم المشتركة.

مشكلة المجلس الانتقالي عراقية وليست عربية، وأزمته داخلية... وبداية حلّها تنطلق من مجموعة شروط سياسية لابد من تقديمها أو التنازل عنها حتى يكسب ثقة الناس. وثقة الناس مسألة أساسية فهي الدستور الشفوي غير المكتوب. ومن دون نيل تلك الثقة من الصعب على قادة المجلس الانتقالي كسب الشرعية التمثيلية التي تبرر وجوده وتعطيه دفعة معنوية داخلية تحسّن صورته امام الدول العربية المترددة وتحد من تخوف الناس من وجود «مؤامرة» أميركية تخطط للقضاء على العراق كدولة واحدة وموحدة.

الكلام عن الطوائف والمذاهب والاقوام والمناطق ليس جديدا في العراق. والاحاديث عن الغبن والتمييز والتسلط ليس نتاج تداعيات حوادث الأيام التي ترافقت مع الحرب وتطورت مع الاحتلال. هذه اللغة ليست مخترعة بل كانت متداولة بقوة في السابق وتحديدا بعد حرب الخليج الثانية (1991).

الجديد في اللغة هو مضمونها. في السابق وتحديدا بعد تسلط حزب الاسرة - العشيرة على الدولة العراقية كان الكلام يتداول عن التمثيل النسبي واستبعاد فئات وتقريب أخرى لاسباب لها صلة بالعصبيات والمصاهرات واحيانا قليلة بالطوائف والمذاهب والمناطق. الآن اختلف مضمون اللغة فلم يعد الحديث عن التمييز والاضطهاد والتفرقة الناتجة عن التسلط والاستبداد والانغلاق وتحكم الفرد بمصالح الجماعة... بل انتقل إلى نوع جديد من الكلام ابتعد كثيرا عن السياسة واقترب قليلا من تثبيت الاختلاف وتحويل الفروقات إلى حالات دستورية تبرر نشوء تجمعات (دويلات) منقسمة وطنيا.

التقسيم السياسي مسألة مختلفة عن التمييز السياسي. فالمطالبة السابقة بعدالة التمثيل والتوزيع تطورت سلبا وتحولت الآن إلى نوع من التفكيك. وتفكيك الدولة مسألة لا صلة لها أصلا بفكرة عدالة التوزيع والتمثيل، بل هي خطوة سيئة تنقل العراق من دولة واحدة يجمعها الدستور الوطني إلى دويلات أهلية تعتمد على سلسلة من الاعراف المحلية يصعب إعادة توحيدها مع سلسلة أخرى من الاعراف المحلية... في حال قرر مجلس الحكم الانتقالي إجراء انتخابات برلمانية لاختيار هيئة وطنية تشرف لاحقا على وضع مسودة دستور جديد لدولة عراقية ديمقراطية.

العراق الآن يمر في مرحلة «انعدام السلطة». وهذا يتطلب المزيد من الجهود تبدأ بتوسيع دائرة التمثيل السياسي والأهلي من داخل مجلس الحكم الانتقالي أو من خارجه حتى ينجح أهل البلاد في ضبط الانفلات الأمني ونيل الشرعيتين الداخلية والعربية... ومن ثم وضع أسس دستورية تملك عناصر واقعية تسهم في إعادة انتاج دولة عراقية عادلة ومتوازنة في تمثيلها للناس وفي توزيعها للثروة والسلطة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً