«الأستاذ أحمد الإسكافي»، هكذا كان يسميه أهل السنابس، وكل من عرفه حتى وفاته في الهند في أغسطس/ آب 1985. ثمانية عشر عاما مضت على رحيل رجل كان ومازال الرجل الأول والاسم الأول الذي يتحدث عنه أهل السنابس والذين عرفوه وتأثروا به؛ فلقد كان منارة في العمل والإخلاص والتضحية من أجل الآخرين.
في ديسمبر/ كانون الأول 1984 زارنا في لندن بعد انتهاء دورة تدريبية له (في إيطاليا على ما أعتقد) وكنا في ذلك الوقت نعيش أحلك الظروف السياسية. وكنا نتحدث معه آنذاك عن جدوى عودته إلى البحرين، لأن أجهزة الأمن كانت تلقي القبض على النشطاء العاملين وكانت قد بدأت باعتقال القريبين من جمعية التوعية الاسلامية وأولئك المرتبطين بتنظيم حزب الدعوة، غيرأنه عاد الى البحرين، ثم سافر منها عائدا الى لندن بعد فترة وجيزة وبعد أن أصبح اسمه ضمن المطلوبين.
عاد إلينا في لندن لأنه - حسبما قال لنا - لم يشأ أن يتأذى أحد ممن يرتبط به عندما يتم اعتقاله؛ فهو ليس كأي شخص، فكل شباب السنابس يتدربون ويدرسون على يديه في المآتم والمساجد، ولديه نشاط اجتماعي واسع خارج السنابس، واسمه آنذاك في كل مكان. فلقد كان بحد ذاته أكبر من جمعية وأكبر من تنظيم سياسي.
وصل إلى لندن وكان منارة للجميع في الأخلاق وفي العمل الدؤوب، فهو الذي يباشر جميع أنواع العمل التطوعي بما في ذلك القيام بالطبخ وغسل الأواني للطلاب الذين يجتمعون في عطلة الأسبوع وإلقاء الكلمات الإرشادية وإمامة صلاة الجماعة، والعمل من أجل الرزق. ثم غادرنا بعد ذلك وانتهى به المطاف في الهند.
وفي الهند أصبح له نفوذ وبسرعة فائقة في أوساط المسلمين الهنود وفي أوساط طلبة البحرين، وبدأ يعمل بينهم كما لو كان في السنابس؛ فهو «أحمد» الذي ينبع وجوده خيرا وعطاء لكل من عرفه واقترب منه، غير أن الموت المحتوم داهمه بينما كان في رحلة مع عدد من الطلبة وكانوا يسبحون على الساحل وكان أحدهم سيغرق فدخل إلى الماء للنجدة، إلا أن مياه المحيط أخذته وغيبته عن محبيه.
أحمد الإسكافي كان مؤسسة متكاملة بحد ذاته، ولطالما سألت نفسي: أوليس من الظلم أن يكون ضمن تشكيلات تحجمه بدلا من مساعدته؟
كان في أواخر جلساته معنا في لندن يتحدث عن التجربة الإسلامية السياسية في البحرين، وكنا نتحدث ونقارن بين نهج الإخوان المسلمين ونهج حزب الدعوة، وعن ظروف البحرين وعما يناسب مجتمع البحرين وعن الطريق الأمثل لـ «العمل من أجل الاسلام والناس». وكان يقول «هذه أيام عصيبة، ولكن سنذكرها في يوم من الأيام». وإننا نذكرها بالفعل هذه الأيام مع ذكراه التي خلدت في ذاكرة أهل السنابس وكل من عرفه وارتبط به من قريب أو بعيد.
خرج من البحرين، بعد أن كان لديه كل ما يريد، إلى الغربة حيث لا شيء مما كان يملك معه، ولكنه سرعان ما بدأ يؤلف ويكتب ويعمل وينشط من دون شعور بأسى على ما فاته ومن دون أن يكلَّ من العمل من أجل الغير ومن أجل بلده... فهنيئا للسنابس ابنها البار الذي ربى جيلا مازال يخدم الأهالي وهو بذلك يخلد ذكره بأعماله الباقية من خلال تلامذته
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ
رحمه الله كان بحق مثلا لأخلاق الإسلام، كان مثلا للدعوة بغير الألسنة، فهو قرآن ناطق.