العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

مايكل أنجلو وسقف البابا

إن زيارة كنيسة سيستاين الصغيرة قد أصبحت نوعا من العذاب بدلا من أن تكون زيارة مبهجة إذ تقوم جماهير الناس بالاندفاع داخل بقية متاحف الفاتيكان ما يجعل من غير الممكن الاستمتاع بالنظر إلى المعروضات القيمة الأخرى. ووسط زحمة السياح لابد أن تشق طريقك من خلال المدخل حتى تصل إلى الكنيسة. هل يمكن أن تسير الأمور إلى الأسوأ؟ نعم، إنها عادة ما تصبح كذلك. فيمكنك الاعتماد على حارس سويسري للقيام بأخذ كاميرا محظورة من يدي مصور ياباني ومصادرتها. ولكن الأمور قد تصبح أفضل عندما تمد عنقك إلى الأمام وتثني ظهرك إذ أن ذلك سيمكنك من رؤية رائعة مايكل انجلو على علو مرتفع عنك. وعلى رغم المرات الكثيرة التي شاهدت فيها أجزاء من تلك الرائعة تمت إعادة نسخها إلا أن سقف كنيسة سيستاين مازالت لديه القدرة لاحداث الصدمة والذهول والبهجة في نفوس الناظرين إليه. إن هذا السقف - لوحا بعد لوح - يروي قصة الإنسان من اللحظة التي نفخ الله فيها الروح في آدم إلى هبوط وفشل الإنسان في مقاومة الإغواء وحتى الخطوة الأولى في الطريق إلى التخليص من الخطيئة مع إبراهيم، رجل الإيمان.

إن قصة بناء هذا السقف تتسم بحال من الهلع والإثارة كقصة الخلق إذ انها مليئة بالأبطال والأبطال الزائفين والمؤامرات والمؤامرات المضادة والآلام. لقد أراد البابا بوليوس الثاني - الرجل الذي كان ميّالا لارتكاب الخطيئة الكبيرة مع الميل إلى الفضائل الأصلية - أن يصبح إنسانا مشهورا في روما. فلم يكن هذا البابا قانعا بوعد الخلود كما ورد في الكتب المقدسة فقام بالبحث عن ضمان أكبر للخلود - قبر فخم. وطلب من انجلو أن يعمل شيئا يكون مناسبا كقبر ملك أمير الكنيسة، ولكن البابا غيّر رأيه وطلب من أنجلو أن يزخرف سقف الكنيسة التي تم تجديدها. لقد كانت مهمة عسيرة إذ أن انجلو كان نحاتا مستقلا عن أفكار الآخرين ولم يكن معروفا ببراعته في الرسم بالفرشاة. إن المهمة التي أوكلت إليه لم تكن مهمة تقليدية، كان لابد من عمل رسومات جصية على السقف الذي يبلغ ارتفاعه ستين قدما عن الأرض.

وكما يوضح روس كنج في تقريره الرائع فإن الرسم بالجص عمل معقد يستغرق وقتا طويلا ويتضمن تغطية السقف بالجص الذي يحتوي على حجر الجير السام.

وكان على الرسامين العمل بسرعة ليتمكنوا من تزيين السقف قبل أن يجف الجص حتى تصبح الألوان ثابتة وقوية بحيث يمكن رؤيتها من أسفل الكنيسة.

لقد كان الوصول إلى السقف صعبا، لذلك كان لابد من بناء منصة خاصة ليتمكن أنجلو وفريقه من العمل على ارتفاع 65 قدما من سطح الأرض. وكان لابد من إزالة الجص والرسوم الجصية السابقة قبل البدء في العمل. وعمل أنجلو أكثر من ألف من الرسوم التمهيدية والتي كانت بمثابة إعداد دقيق لهذه العملية. استغرق العمل الشاق أربع سنوات. وبحلول العام 1512 انجز أنجلو ومساعدوه عملا رائعا أذهل البابا والكنيسة لجماله وروعته. وتظهر براعة أنجلو باعتباره نحاتا والمعرفة التشريحية التي اكتسبها على مدى السنين في الرسومات القوية في سقف الكنيسة.

ويزعم كنج أن التفاصيل التي ظهرت في هذا العمل الفني كانت من الدقة التي تستدعي قيام علماء التشريح بإطلاق أسماء على عضلات الأشخاص الذين تم رسم صورهم على سقف الكنيسة. إن ملاحظات أنجلو لما يدور في الحياة اليومية واضحة في رسوماته وأن تصويره للطوفان جاء نتيجة مشاهدته نهر آرنو في حال فيضان في مسقط رأسه بمدينة فلورنا.

كان أنجلو على علم تام بتعاليم سفونارولا - الذي أكد في دروسه الدينية غضب إله الحساب في العهد القديم - والتي قام بتصويرها بطريقة نابضة بالحياة في الرسوم الجصية العنيفة للإله التواق إلى الانتقام على قنطرة الكنيسة.

ولكن حواء كانت أكثر الشخصيات إثارة بالنسبة إلى أنجلو. كان النظام اللاهوتي للكنيسة يتبع التقليد اليهودي في إلقاء اللوم على حواء في إغواء آدم وهو تقليد اتبعه رافائيل، منافس أنجلو في تصويره «للإغواء في جنة عدن». ويبين كنج أن تصوير أنجلو لحواء بطريقة نابضة بالحياة كان معرفة غير تقليدية. إن آدم هو الذي حاول الوصول للإمساك بقطعة من الفاكهة المحرمة من ثعبان خادع لف نفسه بطريقة رائعة حول الشجرة. أما حواء فهي أكثر ضعفا وأكثر سلبية، لذلك فإنها قد تكون غير مذنبة. وقبل عام من رسم المشهد تم نشر نظرية جديدة عن النساء من قبل عالم اللاهوت الألماني كورنيليس اجريبا فون نيتشايم حاول فيها أن يثبت أن آدم (وليس حواء) هو الذي نُهي عن أكل الثمرة.

هل عرف أنجلو عن هذه النظرية؟ إن الأمر الواضح كما يذكر كنج أن الرسومات الجصية لانجلو - وهذا المشهد على وجه الخصوص - حسي بشكل غريب. ولربما كان كاردينالات الكنيسة يحدقون النظر في المشهد عندما كانوا ينتخبون الأخلاف المتعددين للقديس بطرس، ولكن المشد أخضع للرقابة لفترة طويلة ولم يتم عمل نسخة له منذ ثلاثمئة عام.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً