العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

شاعر البلاط الحرّ

لم يتردد شاعر البلاط البريطاني «اندرو موشن» في رفع صوته واحتجاجه على موقف بلاده من الحرب على العراق، وكسب عبر قصيدته تلك تعاطف آلاف من شعراء العالم الذين اضطرت ظروف بعضهم إلى الصمت في ظل آلة القمع الحاضرة وأجهزة الضمير الغائبة!

لم يحسب «موشن» حساب سخط وغضب السلطة التي وجه إليها انتقادات لاذعة وأسقط زيف مساحيقها، فيما عدد من الشعراء العرب مازالوا يجدون في التزام «فضيلة الصمت» موقفا أخلاقيا وعقلانيا يجب ألا يحيد عنه أي من زملائهم في هذه المرحلة المحاصَرة بالإفك والزيف وآخر صرعات التبرير!

وفي هذا السياق علينا أن نتذكر الألماني «بروتولد بريخت» الذي تساءل قائلا قبل «موشن» بسنوات: «لماذا يصمت الشعراء عندما تأزف لحظة الشهادة؟... إن القادمين من المستقبل سيُحاكِمُون من صمتوا، وخصوصا عندما يشمّون رائحة الدم وهي ترشح من الأرصفة والجدران والورق»!

مواقف كثيرة تدفع المرء إلى التشكيك في صحوة ضمير الأمة التي ينتمي إليها عدد من الشعراء في ظل صمت «نخبوي» مريب... صمت يبرر هذا التطاول الوقح على الإنسان في حريته وخياراته وحتى يأسه القابل للمصادرة!

ليسا وحدهما «موشن» و«بريخت» من أمعنا احتجاجا على شريعة المصادرة والسطو وتعطيل الإرادات بفعل إرادة الآلة، فثمة بشر كثيرون هم في الذروة من الاحتجاج... في الذروة من الرفض، على رغم أنهم في الصميم من السلطة، وفي أقل تقدير، سلطة الزمن.

وعلينا تذكر العجوز البريطاني الذي صافح عقده الثامن «هارولد بنتر» الذي تبنى تسيير أكثر من تظاهرة احتجاج، تعبيرا عن رفضه وإدانته للحرب «الرقمية» على العراق... الرقمية من حيث امكانات الآلة العسكرية التي دكت الخرابات والأحلام والصباحات الشحيحة في العراق... والرقمية من حيث التكالب على الغنائم المتوقعة بعد سقوط واحتواء بلد تمتد حضارته إلى الألف السادس قبل الميلاد!

ترى كم من الشعراء البعيدين عن البلاطات يملكون جرأة شاعر البلاط «اندرو موشن»؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً