كلام وزير الخارجية الأميركي كولن باول عن اجتماع «لجنة المتابعة العربية» وتوصياتها غير دقيق، وطلبه من جامعة الدول العربية الاعتراف بمجلس الحكم العراقي الانتقالي والتعاون معه أمر مستغرب. فالتصريح الذي صيغ بلهجة تحذيرية في غير محله لأنه يطلب من كتلة سياسية الموافقة على مسألة اعترضت عليها قبل حصولها.
كيف يمكن أن تطلب الولايات المتحدة من مجموعة دول عربية الاعتراف بواقع مأسوي لا تتحمل مسئوليته ولم تشارك أصلا في انتاجه؟ فالدول العربية بداية اعترضت على الحرب ولم تجد الأسباب الكافية لتبرير قيامها، في وقت افتعلت الولايات المتحدة الحرب وفرضتها بالقوة على الضد من إرادة العالم وغصبا عن الدول العربية.
وكيف يمكن أن تطلب واشنطن من دول العالم - والدول العربية والإسلامية من بينها - الموافقة على نتائج حرب في وقت لاتزال أميركا وبريطانيا تبحثان عن تلك الذرائع التي أوجبت عليهما شن هجوم على بلد مستقل ومعترف به في الأمم المتحدة من دون أخذ موافقة من مجلس الأمن وقبل انتهاء فرق التفتيش عن الأسلحة من مهمتها في العراق؟
حتى الآن لايزال رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير يبحث عن الذرائع ويخترع الأسباب للتحجج بها أمام البرلمان أو الكونغرس لتبرير العوامل التي دفعت إلى الحرب... وقبل أن يجد بلير ضالته يحث وزير الخارجية الأميركي الدول العربية على تغيير موقفها ويطلب منها الاعتراف والتعامل مع أمر واقع أنتجته أزمة مختلقة ومعركة مخترعة.
هذا الطلب يأتي من باول في وقت لا تستطيع واشنطن الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلي أرييل شارون بوقف بناء «الجدار الأمني» والانسحاب من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات تنفيذا لخريطة طريق قيل إنها «الحل الوحيد» لأزمة لاتزال منذ عقود تدور حول نفسها.
ويأتي الطلب في وقت ترفض واشنطن فيه مشاركة الدول العربية في إعادة إعمار ما دمرته حرب بوش - بلير وتصر على الهيمنة السياسية والانفراد بالغنيمة والاستحواذ على ثروات العراق وتمنع مشاركة حتى الشركات العربية في الاسهام في أخذ التزامات بمشروع إعادة بناء شبكات المواصلات والاتصالات. هذا على المستوى العام. أما في الشأن الخاص، فالطلب أسوأ من كل ما يمكن تصوره من احتمالات؛ فوزير خارجية الولايات المتحدة يطلب الاعتراف من مؤسسة لم تحترم أميركا مرة واحدة قراراتها بل إن واشنطن تعتبر جامعة الدول العربية مجرد هيئة للخطابات ومنبرا للكلام الإنشائي ولا تمتلك صلاحيات تقريرية، حتى أنها لـمّحت في أكثر من مناسبة إلى إلغاء وجودها ودورها، وتنظر إلى بياناتها الختامية عقب كل قمة عربية بقلة احترام وعدم اكتراث لمصالحها وحاجاتها. فالولايات المتحدة تتصرف وتصر حتى الآن على التصرف على عدم التعامل بجدية وإيجابية مع كتلة سياسية إقليمية لها الحق في الدفاع عن وجودها وأمنها ومصيرها ومستقبلها... في وقت تلبي كل طلبات ورغبات واعتداءات وتجاوزات «إسرائيل» ضد الفلسطينيين ومصالح وهيبة الدول العربية مجتمعة. الآن انتبهت الولايات المتحدة إلى وجود مؤسسة إقليمية تدعى «جامعة الدول العربية» وهي تريد منها فقط الاعتراف والتعامل مع نتائج حرب عدوانية وغير عادلة قبل أن تتوصل الدول التي افتعلت الأزمة إلى اختراع الأسباب التي تبرر فعلتها. واشنطن تريد من الدول العربية التعامل مع النتائج والاعتراف بالاحتلال في وقت تعتبر الحرب في أساسها مخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية. فالحرب على العراق تخالف حتى الاتفاقات التي وضعت بشأنها. واتفاقات جنيف واضحة في هذا الموضوع فهي تُحمِّل المحتل كل النتائج المترتبة على الحرب من انهيار الدولة إلى الفوضى والسرقات والنهب وصولا إلى المجازر التي ترتكب بحق المدنيين وأخيرا إلى حرق المؤسسات أو تفجيرها كما حصل للسفارة الأردنية في بغداد. المحتل هو المسئول عن كل ما يحصل حتى لو كانت هناك مبررات شرعية أوجبت الحرب والعدوان. أميركا تتحمل مسئولية كل ما يحصل في العراق حتى تلك الأعمال والأفعال التي يقوم بها اللصوص ومافيات الحرب. فالنتائج لا يمكن فصلها عن المقدمات. والدول العربية حرة في اختياراتها فهي لم تقرر الحرب ولم تعترف بأسبابها ولها الحق أيضا في ألا توافق على نتائجها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 337 - الجمعة 08 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ