أول لقاء مباشر جمعني بالشاعر السعودي الكبير مساعد الرشيدي، كان في شهر رمضان من العام 1998، في منزل رئيس مجلس ادارة مجلتي «حياة الناس» و« قطوف »، الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، وكنت وقتها أعمل في المجلتين كرئيس لقسم التحقيقات. اللقاء حضره الشاعران فهد عافت وعلي السبعان.
لا تحتاج الى « كتالوج » لتنفذ الى نفسية الرجل، فهو بسيط وسهل كماء، ويمتلك ذاكرة ليست عادية، وصاحب نكتة، ثم انه لا يشعرك بأنه صاحب تلك الجماهيرية العريضة، والحضور الأخاذ، والتألق المستمر، بل يشعرك بـ «الرشيدي » الإنسان، وهو خارج تلك الدائرة، وكثيرا ما يذكر زملاءه وحتى الشعراء الذين لم يلتقهم بكثير من الحب والتقدير والإحترام، وما استرعى انتباهي وإعجابي، هو حنوه وتفاؤله بالجيل الجديد من الشعراء، إذ يظل واحدا من بين قليلين دعوا ويدعون الى إفراد مساحات ربما لخربشاتهم ومحاولاتهم لإيمانه انها في نهاية المطاف ستسفر عن نصوص قادرة على الحضور وإلاستمرار، مع مراعاة عدم المبالغة في منح تلك المساحة، لوعيه بالتأثيرات التي قد تنجم عن عدم التريث والتأني في إتاحة الفرص وإفراد المساحات.
إقباله على إلاستماع لقصائد ضيوفه وبكثير من الحب واحدة من علاماته ودماثة خلقه، ولا يتردد في التعبير عن إعجابه ببيت هنا وبيت هناك، مع تردده واقتناعه بالإمتناع عن قراءة قصائد له، ربما كي لا يشعر زملاؤه ممن هم اقل درجة وموهبة منه بأي نوع من الحرج.
علاوة على كل ذلك، لابد لي من الإشارة الى انه قارئ نهم، ولم يحصر قراءاته في الشعر النبطي، بل لمن لا يعرفونه عن قرب، هو واحد من القراء الحميمين للشاعر العربي الكبير محمود درويش، وتحدث عن تجربته ليلتها بوعي ودراية كبيرتين، دون أن أنسى ذكر انه قارئ جيد كلما سنح له الوقت لأعمال كبار الروائيين العرب، اذ عرج ليلتها على «ذاكرة الجسد» لـ « مستغانمي » و « الخبز الحافي » و «مجنون الورد» للروائي المغربي«محمد شكري »، دون أن ينسى ذكر « فيروز » وبشاعرية عالية لا تقل عن نصه.
مساعد الرشيدي، شاعر مغامر، ومغامر في كامل وعيه، يجد في المغامرة خصوصية لا يمكنها أن تنفصل عنه، بحيث أصبحت جزءا منه ودالة عليه، ولم تستطع العسكرية أن تنال من شفافيته شيئا على اعتباره ضابطا في «الحرس الوطني السعودي »، بل على العكس من ذلك، عمد هو وبشاعريته الى ترويض العسكري فيه بكل ما تتطلبه تلك المهنة من قسوة وجلد وطول تحمل.
القراءات المتعددة التي شكلت رؤيته ومخزونه ولغته تطرح إشكالا قائما بين عدد كبير من الشعراء الخليجيين الذين إذا ما قرأوا ( وقليلا ما يفعلون ) فإن قراءة عدد كبير منهم لا تتجاوز قراءة القصائد التي تنشرها المجلات والصفحات المتخصصة، مايجعل تجربتهم مراوحة في مكانها ولا تبعث على الإدهاش، تجد قصائدهم مجمدة مثلها مثل بقية الأطعمة التي تظل قابعة في صناديق التبريد أسيرة الانكماش لتفقد طعمها مع مرور الزمن!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 337 - الجمعة 08 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ