عارض الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة أمس، إلحاق أئمة المساجد بأنظمة الخدمة المدنية، معتبرا أن «المشروع تسييسي بالكامل، وستأتي بعده الشروط الثقيلة والقيود المشدّدة»، وحذر من المشروع «لأنه سيلحق الضرر بالخطاب الديني، لأن وضع المسجد مسيسا سيكون أسوأ بكثير من وضع الكنيسة في المسيحية».
إلا أن عضو كتلة «المنبر» - التي قدمت المشروع في مجلس النواب - النائب عبداللطيف الشيخ، أشار إلى «أن المشروع لا يستهدف المسّ باستقلالية إمام الجمعة، إنما حصول الإمام أو المؤذّن على حقوق تقاعدية ووظيفية، حتى لا يثقل كاهل «الأوقاف» بتسديد رواتب الأئمة والمؤذنين». وأشار النائب إلى وجود المشروع نفسه «في وزارة الشئون الإسلامية منذ فترة، ولا أعلم ما إذا كان هناك فارق بين كادر الأوقاف السنية والجعفرية بالنظر إلى بعض الخصوصيات»، مستبعدا فكرة «فرض بعض الشروط التي تضمن استقلالية الإمام، فالإمام قدوة ويجب ألا يخضع لضغوط أحد».
الوسط - سلمان عبدالحسين
برز عنوانان محليان في خطب الجمعة يوم أمس، إذ تمثل الأول في رفض إلحاق أئمة المساجد بالخدمة المدنية، خوفا من تحول وظيفة الخطاب الديني إلى وظيفة رسمية تفرض عليها القيود الثقيلة، فيما حذر الخطاب الثاني من بعض التوجهات التي تسعى إلى حرف قرار «الوفاق» من خلال الانتخابات المقبلة والوصول إلى قمة صناعة القرار، وذلك بعدم تمكين هذه التوجهات من الوصول إلى دائرة القرار.
من جهته تطرق الشيخ عيسى قاسم في خطبته في جامع الإمام الصادق بالدراز إلى رواتب أئمة الجماعة والجمعة، متسائلا: أهي تسييس للدين أم شفقة عليه؟! فإذا كانت شفقة - كما قال - فأين احتضان الدين وتفعيله في الجامعة وفي الدائرة وفي القانون والقرار الرسمي والسياحة والمشروعات المختلفة؟ إذ قال اسمحوا لي أن اختار أن المشروع تسييسي بالكامل، وهذا الرأي ليس حدسيا ولا من الظن السوء، وتجارب الساحة المحلية والعربية والإسلامية في هذا كله شاهدة عليه، فهو حصيلة استقراء ظاهر لكل ذي عينين.
وتساءل قاسم عن المشروع: قد يكون اليوم عطاء بلا شروط، ولكن هل سيبقى العطاء مستقلا بلا شروط؟ وأجاب: بالتأكيد لا، فبعد مرحلة العطاء والرضا ستأتي الشروط الثقيلة والقيود المشددة، وهي شروط وقيود لن تأتي لصالح الدين.
وتساءل أيضا: قد يُقر أئمة الجماعة والجمعة كما هم اليوم في مساجدهم، ولكن إلى متى سيبقى ذلك؟ وأجاب: لن يبقى طويلا، وعملية الفصل ما ضابطها؟ عملية الفصل لأئمة المساجد من جمعة وجماعة سيراعى فيها الدين أو ستراعى فيها السياسة؟ من تكلم كلمة في مصلحة السياسة هو الذي سيفصل؟ أم من تكلم كلمة تغيض السياسة وترضي الدين هو الذي سيفصل؟ سلوا أنفسكم واحكموا.
وتساءل للمرة الثالثة: ستكون غدا تعيينات لأئمة المساجد جمعة وجماعة، فمن المعين؟ المعين السياسة أو الدين؟ وأجاب: الآن أنتم تعينون أئمة جماعتكم وجمعتكم، غدا سيكون التعيين رسميا، فماذا تراعون أنتم في إمام الجماعة والجمعة؟ وهل تحفظون عن الشريعة شروطا وقيودا، وتحاولون أن تحكموها بحسب ظاهر الأمر لتقدموا إماما على إمام، ومن الذي سيراعي هذه الشروط غدا؟ وأي الضوابط ستراعى في تعيين إمام الجماعة والجمعة؟ كما تساءل: هل المعين ممن يتماشى مع القرار الرسمي أو الرأي الديني؟ وهل سيبحث عن أكبر تقي في تقواه وعن أعرف شخص في الفقه؟ أم سيصنف الناس إلى متطرف ومعتدل بحسب الرأي السياسي؟ موضحا أن المتطرف فيما تحكم به السياسة - وقد تحكم جورا - مقصى، والمعتدل في الرأي السياسي مقرب، أليس هذا هو الواقع؟ وقدم قاسم تساؤله الخامس بخصوص هذا المشروع: هل التوظيف سيكون للمستقل أو التابع؟ وأي جهاز لا يوظف على خلاف رأيه؟ مبينا أنه لا يمكن لأية جهة من الجهات أن تعين موظفين لشغل المواقع والمناصب تجد فيهم مخالفة لما تريد. والقرار الرسمي في يوم من الأيام يكون عادلا وفي أيام لا يكون عادلا، كما أنه سيؤثر على المسجد بلا أدنى إشكال، داعيا إلى مناقشة هذا المشروع من قبل أئمة الجمعة والجماعة لأنهم معنيون به أكثر من غيرهم.
وقال أيضا: أتراني أنا (عيسى) غدا - وقد صارت صلاتي ووعظي وظيفة رسمية أتقاضى عليها ما أتقاضى، وأحاسب عليها بما هي وظيفة مدفوعة الأجر من الحكومة - أولى بأن أتقدم صفوف المؤمنين، أو شابا يأكل لقمته من كسب يده من حلال ويلتزم بأحكام دينه ويفقه أحكام صلاته وإن صلى في منزله؟ الأولى بأن أصلي خلف شاب مؤمن ملتزم متفقه في منزله، وأن نهجر المساجد، متسائلا: هل المشروع لإسكات الدين حتى في المسجد، أو لتسييس الدين والمسجد؟ وفي ختام حديثه قال قاسم: إنني وعلى رؤية يقينية للضرر الذي سيلحقه المشروع بالخطاب الديني، أعلن رأيي صريحا برفضه والتحذير منه، وفي تقديري أن وضع المسجد مسيسا سيكون أسوأ بكثير من وضع الكنيسة في المسيحية.
أما الناشط السياسي عبدالوهاب حسين فأشار في خطبته أمس إلى أن الاهتمام بانتخابات جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المقبلة مبكرا في أروقة الجمعية وفي الاعلام المحلي، يدلل على أهمية الانتخابات، والثقل الكبير والدور القيادي المتميز لجمعية «الوفاق» في الساحة الوطنية. موضحا أن «الرأي العام المحلي يتكلم عن قوائم وتكتلات وخطوط»، وهذه - بحسب حسين - علامات تدل على الحياة والأهمية الكبرى للجمعية في الساحة الوطنية وقيادتها وتوجيهها، والشعور بالمسئولية الإسلامية والوطنية العظيمة لدى قيادات ومنتسبي الجمعية، وكلها ظواهر صحية ومطلوبة في «الوفاق»، لأنها تلعب دورا قياديا متقدما في غاية الأهمية لتحديد حاضر ومستقبل مملكة البحرين العزيزة. وأضاف: إنني أحيي هذه الروح الإسلامية والوطنية المتوثبة لدى قيادات ومنتسبي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وأدعوهم إلى مزيد من الاهتمام والتركيز من أجل ترسيخ وتعميق وتطوير دور «الوفاق» في الساحة الإسلامية والوطنية، وإلى المزيد من الحرفية في ممارسة العمل الإسلامي والوطني، في هذا الزمن الذي تزداد فيه التحديات النوعية، والتي لا تجدي معها إلا الحرفية في العمل الإسلامي والوطني. ودعا حسين إلى أن تقوم التكتلات والقوائم الانتخابية، على أساس الرؤى والبرامج، وأن يكون الاختيار مبنيا على أساس القناعة بها وبكفاءة وإخلاص القائمين عليها، وليس على أساس العواطف والعناوين التي تغيّب الكفاءة المطلوبة في حرفية العمل الإسلامي والوطني. وتطرق حسين إلى ما طرحه رئيس جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان في ملتقى الوفاق الثقافي من مسألة تختلف فيها وجهات النظر بحسب حسين، وهي حق الإدارة بعد انتخابها في اتخاذ ما تراه صحيحا من القرارات وفق آليات عملها المقررة، وليست ملزمة بالرجوع إلى الجمعية العمومية؛ لأن الرجوع في كل صغيرة وكبيرة إلى الجمعية العمومية، مدعاة إلى الإرباك والتأخير في البت في القضايا التي قد تحتاج إلى سرعة البت فيها، مبينا أن هذا ليس محل خلاف، وإنما تختلف وجهات النظر عن منهج الإدارة في اتخاذ القرارات كما قال. وتساءل حسين: هل تلجأ الإدارة إلى الفوقية أو الدكتاتورية في اتخاذ القرارات، أو تسعى إلى الاقتراب من جماهيرها، وتتعرف على وجهات نظرهم وتتخذ القرارات التي تعبر عن إرادتهم، وترجع إلى الجمعية العمومية إذا اقتضى الأمر ذلك، لاسيما في القرارات الجوهرية والمصيرية التي تهم الشعب والوطن؟ وأجاب: أنا أدعي بأن المنهج الثاني هو منهج الأنبياء الذي كشف عنه القرآن الكريم، إلا أنه بعيدا عن الصواب أو الخطأ في أحد المنهجين أو كليهما، فالعمل بأي منهما حق للإدارة بعد انتخابها - بحسب قناعتها - وهي تتحمل مسئولية جودة أو رداءة الأداء، موضحا أن سلبيات تطبيق أي منهما، ستبقى سلبيات محصورة كبرت أم صغرت، وأن الجمعية العمومية تتحمل مسئولية الاختيار، وللجمعية العمومية الحق في استخدام صلاحياتها التي منحها إياها النظام الأساسي للجمعية، بحجب الثقة عن الإدارة متى رأت الجمعية العمومية أن ذلك ضروريا أو مطلوبا لمصلحة الجمعية نفسها أو الساحة الوطنية.
إلا أنه دعا إلى ضرورة التمييز بينها، وبين أن يوجد توجه لتغيير توجهات التيار من خلال الهيمنة على قمة صناعة القرار، بعيدا عن تهيئة القاعدة وعن إرادتها، مشددا على أن رأي الشيخ علي سلمان لا علاقة له البتة بهذا التوجه الخطير إن وجد، وأن هذا التوجه محاولة مجنونة - كما قال - لهدم كيان التيار بالكامل، بواسطة عملية تفجير سياسي خطيرة جدا، وأنا أحذر منها سواء ظهرت في الزمن القريب أو البعيد. وأضاف: يجب على الرموز والقيادات والقاعدة، أن يكونوا على حذر من هذا التوجه، وأن يكونوا متيقظين، وأن يحولوا دون ظهوره أو تمكينه من القرار حال وجوده، فهذه مسئولية دينية ووطنية، وعلى الجميع أن يتحملوا مسئولياتهم نحوها، إذ قال ثلاثا: اللهم أشهد أني قد بلغت.
من جهته، أثار خطيب جامع العدلية فريد هادي موضوع العمليات الاستشهادية، مؤكدا ضرورة التطرق إليه على رغم أن البعض يرى أنه ليس بالوقت المناسب للتطرق إليه، لأن إخواننا المجاهدين في فلسطين في هدنة مع العدو، لكنه شدد على أن الوقت مناسب حتى لا يقال إن الموقف مدفوع بالحماس لا العقل والعلم.
وقال هادي: لا يختلف شخصان على مشروعية الجهاد في الإسلام، فقد امتلأ القرآن الكريم والسنة النبوية بآيات الجهاد في سبيل الله، وحماية المقدسات والأنفس والأوطان والثغور، موضحا أن دين الله تعالى باتفاق العلماء قاطبة يرى أن جهاد الدفاع فرض عين على المسلمين عموما حتى يندفع شر الأعداء، وأن بقاء روح الجهاد حية فاعلة ضرورة لحفظ الأمة وكيانها ومقدراتها وخيراتها مصونة من أيدي العابثين.
وأضاف: لم يكن الجهاد ملابسة طارئة من ملابسات الفترة النبوية الشريفة لدفع القوى المحيطة وقهرها حفظا لتوازن القوى، وأن أمره كان مرحليا وولى. لو كان الجهاد أمرا طارئا في حياة الأمة ما استغرق هذا الحجم من كتاب الله عز وجل في مثل هذا الأسلوب. مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الإسلام لا يحب أن يشهر الإنسان سلاحه ويمشي في الطريق ليقتل الناس؛ ولكن لأن القوي الذي لا تردعه قيمة من القيم سيقاتل ولابد من لقائه على رغم تمترسه بالعدد والعدة وإلا كان ذلك انتحارا.
وقال هادي: إن الذل والهوان لا يكون إلا بترك الجهاد، إذ إن للشهيد في الإسلام منزلة ما بعدها منزلة، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تبين منزلة الشهيد، بأنه يرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، موضحا أن المقصود بالعمليات الاستشهادية، تلك الأعمال الجهادية التي يقدم عليها فاعلها طلبا للشهادة ورغبة فيها.
وبخصوص العمليات الاستشهادية في أرض فلسطين أوضح هادي أنها تتمثل بأن يملأ المجاهد حقيبته أو سيارته بالمواد المتفجرة أو يلف نفسه بحزام ناسف مليء بالمواد المتفجرة، ثم يقتحم على الاعداء مكان تجمعهم أو يشاركهم الركوب في الحافلة أو غيرها، أو يتظاهر بالاستسلام لهم حتى إذا أصبح بينهم فجر ما يحمله من متفجرات، فيؤدي إلى إنزال خسائر فادحة بالعدو وحتما سيكون هو من بين القتلى. وأضاف: لقد ثبت أن هذه العمليات هي الأكثر نكاية بالعدو اليهودي الغاصب، والأنجع في إدخال الرعب في قلوبهم، فلا أمن لهم لا في شوارعهم ولا مطاعمهم ولا ملاهيهم ولا أسواقهم ولا حافلاتهم، كما انها الأضمن نجاحا، فلا مجال للمقاومة وطلب الإمدادات، ولا يعرف أصلا بأن الشخص الموجود جاء للقتال، إذ لا يحمل المجاهد سلاحا ظاهرا، ولا تتبين من مظهره صورة المقاتل .
ومن إيجابيات هذه العمليات قال هادي: أن القائم بهذه العمليات يدخل النكاية بالأعداء ويوهن المعتدين ويضعف صفهم، ويدخل السرور في قلوب المؤمنين ويعلي همتهم وعزيمتهم ويجرئهم على عدوهم، ويحي في الأمة روح الجهاد والاستشهاد، مشيرا إلى إن التساؤل الذي يطرح بشأن مشروعية هذه العمليات، إنما يطرح لتشابه هذه العملية بالانتحار، والانتحار محرم شرعا.
وأوضح هادي: ان الواقع العملي أثبت أن العمليات الاستشهادية حققت نكاية بالصهاينة وأضرابهم لم تعهد من قبل، وبثت فيهم رعبا وخوفا يزلزل أسس وجودهم الباطل، بخلخلة أمنهم وانكشاف الأسطورة الأمنية والعسكرية الخارقة للغاصب، مع البيان الواضح والصريح من المجاهدين بأنهم يدينون ترويع الأبرياء والآمنين المدنيين مهما كانت دياناتهم وبلدانهم
العدد 337 - الجمعة 08 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ