يبدو أن بعض من يكتبون و«ينظّرون»... لا يقرأون، وإنّما ينشرون في النهار ما كانوا يتخيّلونه في الليل، فتأتي نظرياتهم تفتقر إلى المرجلة الوطنية إلى حدٍ كبير!
هذا البعض آخذٌ في تطوير «نظريته» الشهيرة من «مساجدنا» و»مساجدكم»، إلى «كتّابنا» و»كتّابكم»، و»صحفنا» و»صحفكم»، و»جماعتنا» و»جماعتكم»، وهكذا نجد أنفسنا قسرا أمام فسطاطين لا ثالث لهما، وعلينا دخولهما بالجملة، فسطاطٌ للسنة وفسطاطٌ للشيعة... وكان الله غفورا رحيما!
ما فعله الخطيب الشاذ لم يسبقه إليه أحدٌ قط، بدليل امتناع كل الصحف بما فيها المتطرّفة، من نشر خطبة «الصهيونية» مطلع محرم الحرام، لإدراك الجميع بما يمكن أن تؤدي إليه من فتنةٍ وصدام. بل إن وزير العدل وبعد الدقّ الإعلامي على وزارته، أصدر قراره بإيقافه، ومن السخف تصوير خضوعه للقرار بأنه شجاعة، فهو لا يملك من أمره شيئا.
قرار الوزير جاء متأخرا جدا، وكان من المفترض أن يصدر قبل سنتين، حين دعا من على المنبر على المواطنين (الشيعة) بيوم أسود كأيام اليهود والنصارى، ولم ينطق أحدٌ ولم يرد عليه، لا من «جماعته» ولا من «جماعة غيره»، حتى أصبحت الإهانة والاستفزاز والاحتقار المتعمّد والاساءة لمذاهب ومعتقدات الآخرين... لعبة صبيانية يمارسها أسبوعيا في دور العبادة.
قبل قليلٍ قرأت تقريرا طازجا أوردته وكالة الـ «ا ف ب» عن الجدل المثار حول الأمير هاري, المرشّح الثالث لتولّي العرش البريطاني، لوصفه بعض عناصر وحدته العسكرية بـ «باكي»، و بـ «معمم»، اعتبره الحقوقيون تمييزا عنصريا ضد الباكستانيين والعرب، ما حمل الأسرة المالكة للاعتذار لتلك العرقيات. وهنا على منبر أحد مساجد بلادنا، يُخرج هذا الخطيب الشاذ نصف شعب البحرين من الإسلام ويتهمهم في وطنيتهم، وتمرّ الفضيحة دون مساءلة... إلاّ بقرارٍ خجول وبعد الدقّ!
الكتابة من فوق الأرائك غالبا ما تكون سطحية وباردة، وخصوصا لدى من يجهل اسم «وزارة العدل والشئون الإسلامية» ويظنها «وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية». وحريٌ به أن يسأل عن تداعيات هذه الحملة الجنونية، والأوصاف المقذعة، والإهانات المباشرة لنصف سكّان البحرين، دون أن تتذكّروا نظرية «مساجدنا» و»مساجدكم»، وضرورة ردع «خطبائنا» و»خطبائكم»!
وزير العدل -وليس وزير «الأوقاف»- هو المسئول الأول عن تردّي الوضع، حتى وصل بـ«صاحب الفتنة» -وليس صاحبكم- إلى نعت نصف المواطنين بأحفاد القردة والخنازير، ولا ندري ماذا بقي في جعبته أيضا لو تُرك يمارس ساديّته وعدوانيته، ويرقص على بيانات مريديه الذين اعتبروه «أسدا»، وطالبوا بإطلاق حريته في قذف الطوائف الأخرى.
قرار الوزير تأخّر كثيرا، بدليل ما أنتجه هذا الطرح الشاذ من بذور تكفيرية أطلت برأسها، لتهدّد وتفسّق وتكفّر الجميع، بما فيهم مشايخ التيار السلفي. والقرار بالصورة التي خرج بها، لا يداوي جرحا ولا يرد اعتبارا، وهو ما دفع أحد المواطنين من قرية النويدرات، لرفع شكوى في مركز الشرطة، حيث حُوّلت للنيابة العامة. وتبيّن أن هناك مجموعتين من المحامين تتهيّأ لرفع دعوى مماثلة، وبالمثل هناك مؤسسات دينية وأهلية أخرى متضرّرة.
الاتصالات والشكاوى بدأت تصل بعد ساعة من إلقاء الخطبة المشئومة، وكان الضغط كبيرا للكتابة ضده، وكنا نعتذر ونطالبهم بالرويّة والتعقّل، واللجوء إلى القضاء طلبا للإنصاف. فصوت الحكمة يجب أن يسود، حفظا للّحمة الوطنية، والسلم الأهلي لا يجب تركه لعبة تحت أقدام السفهاء والحاقدين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ